عقب إسدال الستار على تشريعيات 2016، وبعد قراءة في مسلسلها انطلاقا من تحضير القوانين الانتخابية، مرورا بوضع الترشيحات، ثم انطلاق الحملة الانتخابية، ووصولا إلى يوم الاقتراع، وإعلان النتائج بتصدر العدالة والتنمية للمشهد السياسي للخمس سنوات القادمة، فإن الرابح الأكبر من هذه المحطة، هو صورة المغرب داخليا وخارجيا.
سنحاول من خلال هذه المقالة، تسليط الضوء، على نقط القوة دون إغفال النقط التي يجب تجويدها.
1- نسبة المشاركة 43% تبقى نسبة لابأس بها، لا هي بالنسبة الضعيفة التي تقوض شرعية المؤسسات المنتخبة، ولا هي بالنسبة المرتفعة التي تعلن في جمهوريات الموز؛
2- فوز حزب ذو مرجعية إسلامية بالرتبة الأولى، للمرة الثانية على التوالي في ظرف خمس سنوات، في ظل محيط إقليمي جد مضطرب، لا يمكنه إلا تعزيز صورة المغرب، ذلك البلد الاستثنائي الذي استطاع التعايش مع جميع مكوناته السياسية بما فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛
3- إعادة تكليف السيد عبد الإله بنكيران، بتشكيل الحكومة، بصفته الأمين العام للحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، لا يمكن قراءته إلا تكريس للمنهجية الديمقراطية ولروح دستور فاتح يوليوز 2011. كذلك، فهي رسالة واضحة لجميع الفاعلين، أن المؤسسة الملكية بعيدة كل البعد عن الصراع السياسي المشروع والصحي بين كل أطياف المجتمع؛
4- قبول كل الأحزاب السياسية المشاركة، بالنتائج الصادرة عن وزارة الداخلية، ماعدا بعض الملاحظات هنا و هناك، تعبير واضح عن مدى احترام الدولة لإرادة الناخبين؛
5- إعلان نتائج الانتخابات رسميا بعد 06 ساعات من إقفال صناديق الاقتراع يدخل المغرب إلى نادي الدول السائرة نحو الديمقراطية، أكثر من ذلك، فإن النتائج المعلنة رسميا، كانت تقريبا نفس النتائج التي أعلن عنها الحزبان المتنافسان، البيجيدي والبام؛
6- استقالة السيد صلاح الدين مزوار، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار (إن تأكدت) ستعطي دفعة قوية للحياة الحزبية، وخصوصا لاسترجاع ثقة الناخبين. إذ أنه إذا لم تستطع الحصول على ما تعهدت به، فما عليك إلا تحمل مسؤوليتك. هذا القرار غير المسبوق حزبيا سيخرج السيد صلاح الدين مزوار من الباب الكبير؛
7- إعلان السيد إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات، اصطفافه للمعارضة، إشارة قوية للفاعل السياسي المغربي والدولي، أن هناك فعلا قطبية سياسية، أو على الأقل في الطريق لتحقيقها، هذه الأخيرة، لن تكون إلا في صالح مسلسل التناوب على السلطة عبر فرز حقيقي للنخبة السياسية؛
8- مشاركة فيدرالية اليسار في انتخابات 2016 عكس انتخابات 2011، مؤشر قوي عن ثقة هذه المؤسسة الحزبية في الاشتغال من الداخل، هذه المشاركة لا يمكنها إلا تحسين صورة المغرب دوليا؛
9- حصول الأحزاب الأربعة الكبرى على 81% من مقاعد مجلس النواب، يفند كليا ونهائيا، أن الإدارة بضغطها من أجل تخفيض العتبة من 6% إلى 3% كان الغرض منه بلقنة المشهد السياسي؛
10- عكس ما كان يروجه البعض، أن الإدارة قامت بعملية تغيير في مكاتب التصويت، وفي لوائح الناخبين، بل على العكس تماما، فإن وزارة الداخلية أبانت عن قدرة هائلة لاستعمال وسائل الاتصال الحديثة من رسائل قصيرة وولوج للمعلومة عن طريق الإنترنت.
لكن بالمقابل، هناك مجموعة من النقط، يجب على الدولة، العمل على تجويدها بالمحطات الانتخابية القادمة:
1- صحيح أن الإدارة أعلنت عن نسبة المشاركة، لكن هذه المرة، لم تقم بالإعلان عن النسبة طوال يوم الاقتراع، وبالنظر لما أحاط هذه المحطة من صراعات بين الفرقاء السياسيين، فإن صمت الداخلية عن الإفصاح عن نسبة المشاركة طوال اليوم، أدخل بعض الشكوك في صفوف متتبعي الشأن المغربي؛
2- صحيح أن البيجيدي تصدر التشريعيات بـ 125 مقعداً، لكن لحدود الساعة، لا أحد يعرف كم هو عدد أصواته محليا ووطنيا، رغم مرور أكثر من 100 ساعة على إقفال مكاتب التصويت؛
3- ما يعاب على كل الأحزاب السياسية، ماعدا البيجيدي والبام، أنها لم تفصح عن نيتها في المشاركة الحكومية من عدمها، مباشرة بعد إعلان النتائج. بل الأكثر من ذلك، أن هناك بعض الأحزاب التي بنت حملتها البارحة ضد الحكومة السابقة، ورغم ذلك، فهي لا تمانع اليوم في المشاركة في حكومة يقودها خصم الأمس. هذه المواقف المتباينة لا تعطي للمتتبع الأجنبي صورة واضحة عن التحالفات الممكنة.
(لنا عودة للموضوع في مقالة قادمة)