الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

حميد باها: إلى الحكماء المتبقين بين قادة أحزاب اليسار

حميد باها: إلى الحكماء المتبقين بين قادة أحزاب اليسار

يقول الفقهاء: "الواقع لا يرتفع"، إذ ما من تبريرات يمكنها أن تمحو شهادة الواقع وقول محاضر الأرقام،ويخطئ من يمني النفس بأن الحرب لا تزال طويلة أمامنا فيما نحن لم نخسر سوى معركة، لأنه ليس ثمة من حرب أصلا. وكل ما في الأمر أننا على موعد مع معركة أخرى مماثلة عند متم الولاية الحالية بعد 5 سنوات، وقد نخرج منها هي أيضا بأسوأ مما ظفرنا به من الانتخابات الحالية.

سئمنا لغة الخشب والادعاءات النرسيسية التي تشنف سمعنـا، مع كل مرة، على المنوال ذاته، فيما الأرض تسيخ تحت أقدام الجميع، ونحن لا نفعل سوى التفرج على جثة اليسار تؤول إلى التفسخ .

كل مساحيق التجميل اللغوية، وخطابات التبرير والتبجح والغرور لن تكفي ستارا للتمويه على حقيقة أن اليسار قد توقف منذ أزيد من عقد على الأقل عن أن يظل يغري بالالتحاق، أو يكون فاعلا أساسيا في الحياة السياسية للبلاد.

فما لم تخضع مكونات اليسار بأجمعها إلى رجات قوية تنتشلها من دائرة التأكل والضمور المتواصل، وتستعيد لنفسها الثقة والتوهج والاعتبار بين المناضلين المحسوبين عليها أولا قبل أي آخر غيرهم، فإنه حري بنا أن نحزم أمتعتَنا ونودع آخر خيوط الأمل التي نتمسك بها، على أن يعود من بقي منا حيا بعد أربع أو خمسة عقود ليسأل عن مآلاتها أو عن العناوين الجديدة إن بقيت لها عناوين .

تصوروا أن يخرج قادة من الرموز التاريخيين للوطن من قبيل عبد الرحمن اليوسفي، ومولاي اسماعيل العلوي، ومحمد بنسعيد أيت يدر، وعبد الواحد الراضي، ومحمد اليازغي، والأستاذ عبد الرحمان بنعمرو، وربما أيضا السي امحمد بوستة... إلخ، في "حجة وداع" (أطال الله عمرهم) لينوبوا عنا في أمر عظيم نعجز عنه نحن، وهو فقط الاعتراف بالوقع الشديد للهزيمة علينا، وليقدموا الاعتذار للشعب عوضا عنا، ذلك الاعتذار الذي لن يجرؤ عليه القادة الحاليون ولا نحن معهم. وليفوض هؤلاء حينها شرف العودة إلى القواعد وتقديم استقالتهم مع كامل الطاقم المرافق لهم، وفرز قيادات جديدة من الشباب المناضل على غرار عمر القادة التاريخيين عند توليهم للمسؤوبية أول مرة، ليكبروا بيننا، محاطين بدعمنا، وبثقفنا لتولى مسؤولية معارك القرن 21 بنفس جديد .

أعرف أنني أقرب إلى الهذيان، لكنني مقتنع بالمقابل بأن من هم على قيد القيادة حاليا معنيون بأن يثبتوا للمناضلين الشباب بينا، ولكل من لم تخب بعد ثقتهم فينا، ولعموم الناس حولنا، بأن كرامة هؤلاء القادة وشرفهم يحتمان عليهم مع نهاية الدورة السياسية المنقضية، بأن يلجؤوا إلى القواعد الاستثنائية للعمل الحزبي التي تم سنها لمثل هذه الظروف الاستثنائية، وليسلموا جذوة الشعلة التي وصلتهم ذات تكليف، مثبتين بذلك أنها لا تزال متوهجة في ضميرهم ويمكنهم تسليمها في أي حين .

وإلا فلنضرب موعدا لحفدتنا بعد 50 عاما، ليعلموا من بعضهم أن دار لقمان قد بقيت على حالها.