إذا كان الرابح الأكبر من الاستحقاقات الأخيرة هو مغرب الديمقراطية الذي نجح مرة أخرى في تنظيم انتخابات نزيهة و شفافة في جو طبعه ـ بشكل عام ـ التنافس الطبيعي بين الفرقاء السياسيين و وفرت فيه الإدارة الظروف الملائمة لإنجاح هذه المحطة التاريخية الهامة، كونها تأتي بعد محطة 2011 التي صادفت ما سمي بالربيع العربي، فإن الخاسر، بالمقابل، هو القوى السياسية التي لم تستطع إقناع نسبة هامة من المواطنين بالتسجيل في اللوائح الإنتخابية، من جهة، و إقناع جزء لا يستهان به ممن تسجلوا بالذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة 7 أكتوبر 2016 من أجل التصويت و اختيار من يمثلهم في البرلمان.
بالعودة إلى نتائج الاقتراع يظهر أنها أبرزت قطبان ضمن الكتلة الناخبة التي شاركت في التصويت، و هما حزب العدالة و التنمية ب 125 مقعدا و حزب الأصالة و المعاصرة الذي فاز ب 102 مقعدا.
القطبان متقاربان و يمثلان برنامجين و كأن الكتلة الناخبة منقسمة، من المنظور الثقافي و السوسيولوجي ـ على الأقل نظريا ـ إلى توجهين. أقول نظريا، بكل تحفظ، لأن نسبة العزوف لا تسمح بتحليل موضوعي للوضع. إذ أن نسبة 43 في المائة من المصوتين لا تصل حتى نصف العدد المسجل فما بالك بعدد الغير المسجلين أصلا. فهل تعود مقولة "الأغلبية الصامتة" إلى الواجهة، و لو أنها، في واقع الأمر، أغلبية "ناطقة" عبر الفيسبوك و باقي وسائل التواصل الاجتماعي؟
من هنا تبرز من جديد مسؤولية القوى السياسية و المجتمع إلمدني في التأطير السياسي و التعبئة المدنية، خاصة في أوساط الشباب الذي يؤثث الفضاء الأزرق، كقوة فاعلة في المجتمع، و إعادة النظر في العمل الميداني و في الخطاب السياسي و في فحوى الوعود الانتخابية التي "تأتي و لا تأتي" و ذلك قصد إرجاع الثقة إلى العمل السياسي و إقناع من هم في سن المشاركة و يقولون "كل الأحزاب ابحال ابحال" بجدوى الانتخابات.
و لتحقيق هذا المبتغى، لا بد للقوى السياسية من تجديد الخطاب و التحلي بالموضوعية و الواقعية و التركيز على المجالات الاجتماعية التي تهم المواطن بالدرجة الأولى ـ من تعليم و صحة و تشغيل و سكن لائق ـ كما يوصي الملك بذلك من خلال خطاباته و من خلال المبادرات التي يطلقها.
فإعادة الأمل لفئات واسعة من المجتمع تمر عبر العمل الحكومي في هذه المجالات و تفعيل و تكريس المبادرات الملكية و هذه مسؤولية الأحزاب خاصة لما تكون داخل الحكومة مسيرة للشأن العام. أما و هي خارج الحكومة فعليها بالتأطير و التعبئة و الإقناع.
و في انتظار تشكيل الحكومة القادمة التي نتمنى لها التوفيق، من المؤمل أن يرقى العمل الحكومي إلى مستوى و وثيرة المبادرات الملكية خاصة في المجال الاجتماعي.
و بالعودة إلى مسألة الأقطاب و من أجل الفعالية، على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، يظهر أن الوقت قد حان للنظر في ظاهرة البلقنة الحزبية لتجميع القوى السياسية المتقاربة في التوجهات و البرامج في أقطاب، لأن التعددية، و لو أنها ظاهرة سياسية صحية محمودة ميزت تاريخ الحياة السياسية بالمغرب منذ حصول المملكة على الاستقلال خلافا لجل الدول الإفريقية و العربية على حد سواء حيث حافظت لوقت طويل على الحزب الوحيد الحاكم، إلا أنها أصبحت الآن تجعل الناخب أمام 32 حزبا مشاركا في الإنتخابات و قد يتساءل : هل وصل تنوع البرامج إلى هذا الحد من الاختلاف؟
و في هذا الإطار لابد من الإشادة بالأحزاب المكونة لفدرالية اليسار الديمقراطي التي دخلت هذا الاستحقاق كصوت واحد، مساهمة بذلك في العقلنة أمام البلقنة.