المواطنة كمفهوم متعدد الأبعاد والأهداف، القصد منه مشاركة المواطنات والمواطنين في العمل السياسي والتعبير عن صوتهم في الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية، بمعنى ترجمة حرية التعبير إلى واقع مادي، باختيار من يمثله في صناعة القرار التشريعي، وتتبع كل القضايا التي تهم تدبير الشأن الوطني والمحلي، وتمسكه بالمصلحة العليا للوطن. على أن مشاركة المواطنين في الشؤون السياسية تملكه سلوك سياسي وليد قناعة ومصداقية الاختيار، النابع من تنشأ سياسية قائمة على حب الوطن والتمسك بالثوابت، والدفاع عن مبدأ الخيار الديمقراطي المسطر دستوريا لتدعيم ركائز دولة الحق القانون، والمساهمة الفعلية لجعل المغرب في مصاف الدول الرائدة في الممارسة الديمقراطية.
وإقرار عناصر المواطنة الكاملة في ارتباطها بالمشاركة السياسية، تؤكد أن شروط نضج هذا المفهوم رغم بعض المآخذ السابقة، يمكن الجزم أنه في ظل العهد الجديد للملك محمد السادس ووفق تطلعات عاهل البلاد لمشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي، تحقق للمواطن المغربي كل الضمانات سواء في بعدها الدستوري، القانوني وتوسيع مجال الحقوق والحريات، لتمكين المواطن المغربي من التعبير عن رأيه بكل حرية والمساهمة في تنمية ومتابعة الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تشهدها بلادنا في مختلف المجالات، والمشاركة السياسية الفعلية في اختيار المؤسسات التشريعية والجماعية المؤهلة لتدبير الشأن العام.
فجل دساتير المملكة المغربية منذ 1962-1996 تكيفت مع السياق العام للتحولات الدولية والإقليمية، توجت بإصلاحات دستورية وسياسية تكرس الطابع المنفتح والمواكب لروح العصر للمؤسسة الملكية بالمغرب، لتدعيم مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وكوسيلة للارتقاء بالمواطنة الحرة من خلال رفع سقف الحقوق وتحديد الواجبات، وتحمله مسؤولية المشاركة بالتصويت في الاستحقاقات المختلفة، لإفراز مؤسسات تشريعية وحكومية ومجالس جهوية وجماعية تواكب تطلعات البلاد في سياق الاستثمار والتنمية وتحسين تدبير الشأن العام. على أن دستور 2011 عزز وأقر بضمانات قوية لمشاركة المواطن في العمل السياسي والانتخابات البرلمانية والجماعات الترابية وتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام الوطني الترابي والجهوي، من أجل تقوية المؤسسات المنتخبة وترسيخ قيم المواطنة وثقافة الممارسة الديمقراطية وتعزيز الحقوق والحريات وربط تحمل المسؤولية بالمحاسبة. كما جعل من تصويت المواطنين والمواطنات حقا شخصيا وواجبا وطنيا "الفصل 30" في ظل مأسسة الملاحظة المستقلة والمحايدة (القانون رقم11/30) للعمليات الانتخابية .
كما تضمن الدستور المغربي الجديد معظم حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق إحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تلك المصادقة.
ومن أهم الحقوق الواردة في دستور 2011 والمنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 المرتبط بالمواطنة :
- تمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية (الفصل 19).
- حظر كل تحريض عن العنصرية أو الكراهية أو العنف (الفصل 23).
- لكل مواطن أو مواطنة الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات وتشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في الولوج إلى الوظائف الانتخابية، وجعل التصويت حقا وواجبا وطنيا (الفصل 30).
- حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل إشكالها (الفصل 25).
- الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد الواردة في البند الأول والثاني من المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد على حق المواطن في المشاركة المتساوية في تقلد الوظائف العامة لبلده، وكذلك إدارة الشؤون العامة للبد إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية وقد نص الفصل الثاني من دستور 2011 على "السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، وتختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والمنتظم.
فالانتخابات البرلمانية ل 7 أكتوبر هي شكل من أشكال التعبير عن المواطنة الديمقراطية والصادقة والتي تعكس بمادة الشعب بصفة غير مباشرة عند التصويت على ممثلي الأمة وأن المشاركة السياسية في الاستحقاق المقبلة هو تعبير صادق على المواطنة ومسعى لتحديث مؤسسات النظام السياسي و تنمية المجتمع.
على أن العملية الانتخابية في حد ذاتها تشكل مدرسة للمشاركة المواطنة، تستلزم وضع المصلحة العليا للوطن قبل أي اعتبار حفاظا على استقرار وأمن البلاد ونمائه، وأن يشعر المواطن بأن صوته له أهمية ويحسب له ألف حساب عليه حسن الاختياريين البرامج والمرشحين، لتوطيد وتقوية مؤسسات الدولة المغربية الحديثة، وأن يجعل صوب عينيه أن مشاركته السياسية في انتخابات 7 أكتوبر هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، حتى لا نسقط في مقولة أحد الحكماء(PERCLISS) الذي قال "لا يتم النظر إلى الشخص الذي لا يهتم بشؤون الدولة باعتباره مواطنا كسولا، بل كإنسان تافه".