الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: استدعاء التاريخ في حراك الريف، لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية!

محمد المرابط: استدعاء التاريخ في حراك الريف، لبناء الدولة الوطنية الديموقراطية! محمد المرابط

لن أتوقف اليوم عند انزعاج عبد الصادق بوجيبار، "رئيس" جمهورية اللايف، مما أكتبه عن خريطة الحراك بأوروبا، بل سأواصل في ذات منحى المقال السابق: "حراك الريف في جدلية المخزن والسلطان"، الحديث في جانب من الحفريات، لعلنا نقدم بذلك إلماعات لحدوس نهج الحكمة. لذلك سأعود من جديد لحملة محمد بن بوشتى البغدادي الجامعي على قبيلة إبقوين، مع التعريج على "عام إقبارن".

يقول العلامة العربي -اللوه بن الحاج علي اللوه، أحد أعيان هذه القبيلة، في مفاوضة البغدادي-في "المنهال في كفاح أبطال الشمال": "ومما يلفت النظر أن المعتدين قد ارتكبوا في هجومهم جميع أنواع العنف والقسوة: قتل الشيوخ، والعجزة، وسبي النساء والصبيان، وسلب الأموال، وهدم المنازل، وقطع الأشجار، وأسر الرجال، وهتك الحرمات والأعراض، إلى غير ذلك". وحتى الذين احتموا بضريح سيدي علي بن حسون، ظنا منهم "أن مثل هذه المقامات لا يتجرأ أحد على حرمتها والازدراء بها"، كانوا عرضة للاعتداء. "فقد هجم المعتدون على الضريح وقتلوا العجزة والشيوخ وسبوا النساء والصبيان، ونهبوا وسلبوا المتاع، وجميع ما وجدوه هناك من الماشية، فقد أخذوا النساء والصبيان، وصاروا يبيعونهم في الأسواق". كما تمت الجرأة "على انتهاك حرمة صاحب الضريح نفسه".

أما الأسرى (نحو 400 شخص)، فقد "ساقوهم أولا إلى الصويرة، حيث عذبوهم بأقسى أنواع العذاب، بعد أن كبلوهم بالسلاسل والأغلال، وجعلوهم في المراحيض، حتى مات الكثير منهم، ثم نقلوهم إلى الجديدة ثم إلى مراكش".

ويتحدث العربي اللوه بعد ذلك عن مساعي العفو عنهم "بإطلاق سراح المسجونين، والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم". وقد تدخلت فرنسا في الموضوع، فصدر العفو، "بعد مضي 18شهرا على المأساة الأليمة بإطلاق سراح من بقي من المعتقلين على قيد الحياة، وبالسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم".

الحكاية لا تقف عند هذا الحد، فأهل بقيوة لما رجعوا إلى قراهم، وأصلحوا أحوالهم، "تصدوا بكل عناد وتحد وإصرار إلى القرصنة، معلنين بذلك عتوهم وتمردهم وعدم انقيادهم للسلطة التي أنزلت بهم من طريق المكر والغدر والخيانة، أفدح ما يتصور من النكبات ليسترجعوا بذلك ما انتهك من شرفهم وكرامتهم، ويستردوا عوض ما نهب من متاعهم وأموالهم، فكانت القرصنة بعد نكبتهم أعنف ما يتصور". ونتيجة هذا الوضع تجمله الخلاصة التالية: "لذا كانت هذه الفوضى من أقوى الدواعي التي جعلت الدول الاستعمارية تحتج لدى الدولة المغربية، وفتحت لها الباب على مصراعيه للتدخل في شؤون المغرب، بل واحتلاله واستعباده".

لاشك أن المادة التاريخية لحملة البغدادي، ستغري القارئ، بنوع من القياس في معطيات حالها ومآلها، لكن سنعطف عليها ما حدث في "عام إقبارن" سنتي 58 و59 من القرن العشرين، فحسب عائشة الخطابي، كان هناك "التدخل الوحشي للجيش بقيادة الجنرال أوفقير، وحدث ما لم يكن تصوره من مآس وتقتيل وتخريب للمنازل". واعتبرت أن أوفقير "هو المسؤول المباشر عن الفظائع التي ارتكبت في منطقة الريف". ونقرأ لدى جمعية "ذاكرة الريف" توصيفا لذلك: "قنبلت الطائرات التي كان يقودها طيارون فرنسيون الأسواق والتجمعات السكانية، وأحرق الجيش المحاصيل الفلاحية، وخرب المنازل وغيرها من الممتلكات. اغتصب النساء وبقر بطون الحوامل، وقتل المئات وخلف آلاف الجرحى والمعطوبين واعتقل الآلاف، وأبعد المئات".

وحتى رسالة الأستاذ محمد جلول إلى مسيرة دينهاخ في 21 أبريل 2018، وقفت عند جرائم هذه المحطة. وبالرغم من قياسه الوضع الآن بوضع بداية الاستقلال، فإن إرادة التجاوز الواعي كانت حاضرة لديه، حين قال: "إخواني أخواتي، لن نيأس ولن نفقد الأمل في غد أفضل من أجل وطن يتسع للجميع. يجد فيه الريفيون حقهم في العيش الكريم، وحقهم في الوجود الثقافي إلى جانب مختلف المكونات الجهوية الأخرى للوطن المراكشي الكبير". فقط سأستدرك على الأستاذ جلول بالقول: إن ابن سماك العاملي ألف من عدوة الأندلس ومن البلاط النصري: "الحلل الموشية في ذكر  الأخبار المراكشية". لكن الحديث من داخل المغرب يأخذ عناوين أخرى، من قبيل: "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" لعبد الواحد المراكشي، و"التنبيه المعرب، عما عليه الآن حال المغرب"، للحسن بن الطيب اليماني بوعشرين. وهذا التدقيق هو من باب رفع الالتباس، في لحظة مفصلية في متطلبات الوضوح.

إن التعاطي مع ندوب الذاكرة الجماعية بأفق الانخراط الواعي في بناء مفهوم الوطن، يتطلب مصالحات حقيقية بروح التعاقدات، مع الميراث التحرري والتحديثي لمولاي موحند، وكذا تجاوز رواسب الوعي في انتفاضة الريف، بمأزق الحكومة الخليفية في آخر أيامها، وبمخرج تأسيس حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وبمباركة مولاي موحند. ألم يوصي الأستاذ/ المجاهد سي عبد الرحمان اليوسفي الأجيال الجديدة بالمغرب بالتصالح مع ماضيها وحاضرها، وحسن قراءتهما، لبناء المستقبل؟

وفي انتظار تباشير الخير، ولن نسأم من دعائه، أوصي خيرا بحراك تامسينت، فـ "الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه"!