ما يلاحظ في الآونة الأخيرة هو تحريك الخلايا الفيسبوكية التابعة لحزب العدالة والتنمية بشكل مثير، تشترك فيه عناصر الدعوة إلى العنف والتشكيك والمواجهة، وبينما أوصى بنكيران رسميا بالتزام الصمت على إثر البلاغ المشترك بين وزير المالية والإقتصاد ووزير الداخلية تجاه قضية الوالي لفتيت نرى بأن خلايا الحزب بالشبكة العنكبوتية نحت منحى صارخا وصاخبا، عندما طالب أحدهم بتصفية رؤوس المعارضين للحزب، واعتبر آخرون بأن غرق أحد أعضاء الحزب هو وابنه في ساقية ماء بأرفود إقليم الراشيدية اغتيالا سياسيا ومؤامرة ضد الحزب. وذهب مستشار بحزب "المصباح" بسلا وهو عضو في نفس الآن بحركة التوحيد والإصلاح إلى ضرورة الإستعداد لمواجهة عمال وولاة وسائر مسؤولي الإدارة الترابية في الإنتخابات التشريعية المقبلة. في وقت أكد الملك في خطاب العرش الأخير بكل وضوح على "ان الإنتخابات تشرف عليها إدارة تحت سلطة رئيس الحكومة ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، كما أن هذه الإدارة مدعوة بالقيام بواجبها في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي". فلماذا حملة "الييجيدي" الفيسبوكية المشككة والمسعورة، وقد أوكل المشرع لبنكيران رئيس الحكومة سلطة رئيسية في هذه المرحلة؟. "أنفاس بريس" اتصلت بالدكتور عبد المالك أحزرير، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بمكناس، فأجرت معه الحوار التالي:
- كيف تقرأ هذا التناقض بين الإسهال الحاد لهذه الخرجة المسترسلة للخلايا الفيسبوكية لحزب العدالة والتنمية، بينما يأمر بنكيران بالتزام الصمت وعدم الرد على خصوم منتقدي الحزب؟
+ كلما اقترب الموسم الإنتخابي إلا وترتفع معه حمى الإنتخابات و 7 أكتوبر على الأبواب، وبطبيعة الحال فهذه الحمى في مثل هذه المواسم تطال حتى البنيات والهياكل لمختلف الأحزاب. وبالتالي حان الوقت لبنكيران لأن يطلق العنان لقاعدة حزبه العدالة والتنمية كي تقول ما تشاء، وأن تعبر عما تشاء كشأن داخلي وفي إطار الديمقراطية الحزبية. وبات بنكيران في هذه المرحلة كأنه ليس في الحكومة ولا هو مسؤولا عنها، وهذا شيء طبيعي لأن هذا مرتبط بالعملية الإنتخابية التي هي عملية سياسوية أكثر مما هي سياسية، كما هو الشأن بالنسبة لسائر أحزاب الدنيا، حيث في الفترة الإنتخابية لا يبقى مكان للضبط والإنضباط بين الهياكل وبين المكتب السياسي، بين الزعيم أو الأمين العام واللجن الإدارية، وكذلك في اﻷسفل الذي يمثله الجمع العام للمناضلين داخل القاعدة الحزبية. وبطبيعة الحال تبقى بعض الضوابط، لكن في بعض الأحيان يتم تجاوزها عندما يقتضي الأمر السير مع الموجة ومع اتجاهات الرأي العام كما هو قائم اليوم في متابعة الجريمة التي ارتفعت نسبتها، ومع فضيحة حي الرياض، ومع خرجات وفلتات بعض الأحزاب وبعض الوزراء كذلك وغيرها من الأحداث التي يتداولها الفيسبوكيون. إذن لا بد ومن المنطق ترك القاعدة الحزبية هامشا كي تقول وتسير في الإتجاه الذي يسير عليه الرأي العام وتعبر لهذا الرأي العام بأنها معه وتتجاوب مع مطالبه المشروعة، وهذا النوع من السلوك يدخل في إطار ترويض الرأي العام بطبيعة الحال. وهكذا فكل قاعدة حزبية تنهج نفس السلوك.
- أعطى الدستور الجديد صلاحيات كبيرة لرئيس الحكومة كضابط إيقاع لها ومنسق بين مكوناتها. فهل في نظرك أفلح بنكيران في القيام بدوره؟
+ منذ السنوات الثلاث الأخيرة وجهت انتقادات لاذعة لبنكيران. ليس من الرأي العام فحسب، ولكن من القاعدة الداخلية للحزب نفسها، فهنالك بعض من المكونات داخل الحزب لا يتفقون مع نهج بنكيران على مستوى تدبير الشأن الحكومي. فهنالك من ينتقد التحالفات التي عقدها الحزب، كما أن هنالك من ينتقد مضامين السياسة الحكومية في حد ذاتها، ويوجد أيضا من ينتقد بشكل لاذع نهج بنكيران في السياسة الإجتماعية، حيث لا حوار مع النقابات ولا سياسة في الأجور مع المس بصندوق التقاعد والمس بصندوق المقاصة، في الوقت الذي لم تكن فيه لأي وزير أول في الحكومات السابقة الجرأة السياسية والشجاعة ليمس بمثل هذه الصناديق، لأن الكل كان يعرف أن هيكل الحياة الإجتماعية مرتبط بهذه الصناديق. وبالتالي لم يجرؤ، كما قلت، أي أحد على ذلك، وربما كان "إدريس جطو" الوزير الأول السابق كرجل ينتمي لعالم الحساب أعلم بذلك ويقدر جيدا الآثار السلبية التي تخلفها كل مبادرة حكومية تهدف المس بالقدرة الشرائية للشرائح الإجتماعية. أضف إلى ذلك أن هنالك داخل حزب العدالة والتنمية من يوجه الإنتقاد الشديد لبنكيران بعدما مس وأضر بتدبيره مصالح الطبقة الوسطى، والتي أصبحت في ولايته فئة هشة على غرار الطبقات الفقيرة، بحيث يمكن القول بأنه لم تعد طبقة وسطى حتى، فكان على بنكيران أن يحافظ على هذه الطبقة لأنها هي التي تساهم في التماسك الإجتماعي، وقد عبر عن هذا صراحة مناضلون من داخل الحزب.
- لكن هناك من يقول بأن لبنكيران تحكم قوي في الحزب ومناضليه..
+ دعني أقول بأن عبد الإله بنكيران إن كان في السنوات الأولى قد قبض قبضة حديدية على الحزب، فقد كانت له صراعات مع البعض كعبد العزيز أفتاتي الذي اختلف معه في النهج الحكومي والتدبير ومحاربة الفساد، وكانت مؤاخذات متبادلة بين بنكيران وأفتاتي في هذا الشأن. وشيء طبيعي أن تخرج بعض المكونات المؤثرة داخل الحزب لتقول كلمتها الحقيقية في ما يتعلق بحصيلة الحكومة، وماهي نقط قوتها ونقط ضعفها. وقد أبرزت تلك المكونات أن ضعفها يكمن أولا في تحالفاتها، حيث اعتبرها بعض المناضلين من داخل حزب "البيجيدي" كانت محسوبة العواقب. وقد أعطت نتائج غير مرضية على المستوى الإقتصادي، وخاصة على المستوى الإجتماعي. فهنالك من يقول بأن مرجعية بنكيران هي مرجعية أجنبية مرتبطة بصناديق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن بوسعيد وزير المالية والاقتصاد باعتباره لا يدخل في دائرة بنكيران فهو متعلق بدوره بمرجعية عقلانية وبالسياسات الإقتصادية الدولية داخل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. ومافتئ بوسعيد يبرر أن التوازنات الماكرو اقتصادية كانت من نهج بنكيران، وهي نتائج إذن عكسية وتخالف برنامج العدالة والتنمية، والذي أعلن عنه الحزب في البداية عندما كان مناضلو الحزب يطوفون في اﻷسواق، وفي الشوارع وفي الأزقة ويبشرون بأن السميك سيصل إلى 3000 درهم، وستكون زيادة في الأجور وسيتم توظيف الآلاف من الحاصلين على الشهادات إلخ .. وقد تبين في آخر المطاف بأن النتيجة كانت مخيبة للآمال، بل وخيبة الأمل هذه كانت داخلية حتى على مستوى حزب العدالة والتنمية.