كانت لنا مناسبة المحاولة الإنقلابية في تركيا، للوقوف على انخراط القيمين الدينيين ببلادنا في محاولة إسقاط المعادلة التركية على المغرب وتوظيفها لصالح الحسابات السياسية والأيديولوجية لحزب العدالة والتنمية.
وقدمنا في هذا الإطار عينة من دينامية الفضاء الأزرق، في عملية هذا الإسقاط المتواصل.
وقد تجاوزت هذه العملية استهداف زعيم حزب "البام"، والرئيس المصري، إلى التعريض بأمير المؤمنين.
وهذا الملف مطروح على أنظار وزارة الأوقاف. وكل تأخر في الحسم فيه، سينتقل بالنقاش العمومي من رصد حالات التسيب هاته، إلى مساءلة طبيعة ارتباطات السياسة الدينية بالحزب الحاكم، ومن ثم مساءلة طبيعة الإنقلاب الناعم على عمق تحملات مرجعية إمارة المؤمنين في المغرب.
من هنا فمسؤولية وزارة الأوقاف في هذا الباب دقيقة للغاية. ولا يسعنا- تفاديا لأي سوء فهم- إلا أن نتمنى لها كامل التوفيق في الدفاع عن استقلالية الحقل الديني.
اليوم سنقف على عينة أخرى من دينامية الفضاء الأزرق، في عملية إسقاط الحالة التركية على المغرب، خدمة للأفق الإنتخابي للحزب الحاكم. ويتعلق الأمر بمدارس التعليم العتيق.
وقد سبق لنا بمناسبة تكريم مقاطعة طنجة المدينة للمشرفين على مدرستي عمر بن الخطاب، والنور للتعليم العتيق، أن كتبنا: "استلهم تجربة الكاريانات: هكذا حول الحزب الحاكم مدارس التعليم العتيق إلى ثكنات انتخابية لسحق خصومه".
وسنستقي هذه العينة الفايسبوكية من مدرسة عمر بن الخطاب للتعليم العتيق بطنجة. والبداية من شريط في ثلاث صور للمرحوم عبد الله باها وبنكيران، يسجل وضوءهما والشروع في الصلاة.
وبصرف النظر عن هيأة صلاتهما؛ هل هي منتظمة في المذهب أم لا؟ وهل تمثل نموذج الاقتداء بالنسبة للتلاميذ، أم لا؟ فإن ما يسترعي الإنتباه هو العبارة التالية، التي تعلو هذا الشريط: "رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه".
وبهذا الاستلهام للحديث النبوي، يكون المرحوم باها وبنكيران، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله.
بدلالة عنوان هذا الشريط - المعمم أيضا لدى مدرسة عائشة أم المؤمنين للتعليم العتيق بطنجة - يمكن الوقوف على بعض تدوينات هذه المدرسة.
من ذلك تعميم صورة لأردوغان تحتضنه طفلة محتمية به، مع هذ التعليق: "فتاة تركية لأردوغان: أنت والدي فكيف لهم أن يأخذوك مني هكذا.. عندما يصبح الرئيس أبا وأخا وصاحبا وعادلا، ربي يحفظكم نشالله".
ومن ذلك أيضا تعميم صورة لأردوغان وهو جالس في فصل الدراسة مع التلميذات، وبهذا التعليق: "ميزانية التعليم في تركيا 110 مليار، وميزانية الدفاع 20 مليار.. لهذا فشل الإنقلاب.. لنتعلم الدرس".
إلى جانب الصور، عممت صفحة الفضاء الأزرق لمدرسة عمر بن الخطاب للتعليم العتيق بطنجة شريطين لتلاوة أردوغان للقرآن الكريم، أحدهما من "الصفحة العربية لمحبي الرئيس رجب طيب أردوغان".
وحتى تصل رسائل هذه التعميمات بسلام، كان لا بد من تعميم صورة لأردوغان تجمعه بالملك محمد السادس، مع تعليق مطول يذكرنا بخدمات تركيا تجاه المغرب.
لكن توظيف هذه الصورة سيذكرنا باستغلال الأصولية لأعلام المذهب المالكي والقراءات، كأسماء لجمعيات ومدارس لترويج الفكر الإخواني والوهابي في المغرب. بما في ذلك استغلال المناسبات الوطنية كعيد العرش، وذكرى ميلاد ولي العهد، في عملية التمكين للأفق الإيديولوجي والسياسي لهذه الأصولية.
بهذه العينة من تدوينات أروقة التعليم العتيق، وبحسابات الحزب الحاكم، تتجمع أوراق أخرى لتشكل ملفا حارقا على طاولة وزارة الأوقاف.
سنرى بأية ثقافة ستتعاطى الوزارة المعنية، ليس فقط مع غربة التعليم العتيق في هذه النازلة، بل مع ظاهرة المعارضـة الدينية لمرجـعية إمارة المؤمـنين، والمتـعاظمة من بوابة هذا التـعليم.
سنرى!