في مثل هذا اليوم من سنة 1996 تم توقيع أول تصريح مشترك بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل بعد حوار دام شهرين، من 3 يونيو إلى فاتح غشت 1996، واستغرق حوالي 70 ساعة للاتفاق على منهجية وآليات الحوار، وكذا القضايا والمحاور ذات الاهتمام المشترك. كما عقدت لجنة صياغة التصريح اجتماعات مكثفة دامت زهاء 136 ساعة.
لذلك فإن هذا التصريح يعتبر وثيقة تاريخية عالجت نظريا كل القضايا التي تهم الشغيلة المغربية بكل فئاتها، من قبيل:
- آليات الحوار والتفاوض الجماعي: حيث تم الاتفاق على عقد اجتماع مشترك على الأقل كل ستة أشهر، والتزام الأطراف الثلاثة بإجراء مباحثات فيما بينها على صعيد القطاعات والإدارات والعمالات والأقاليم من أجل حل المشاكل الخاصة بكل قطاع، وتمكين النقابات والمشغلين من استعمال الإعلام السمعي البصري.
- المحاور ذات الأولوية والاهتمام المشترك: كممارسة الحريات النقابية والحماية الإجتماعية والتغطية الصحية و السكن الإجتماعي وتحسين الأجور والمداخيل بصفة عامة والتشغيل.
وبطبيعة الحال فإن كل محور من محاور هذا الإتفاق تضمن عدة التزامات يمكن الرجوع للتصريح للاطلاع عليها.
الذي يهمنا اليوم هو سؤال مدى التزام الأطراف المعنية بهذا التصريح، وعلى الخصوص الحكومة وأرباب العمل، بمضمونه.
الواضح أن الجواب لن يختلف عليه إثنان، وهو أن روح ومضمون هذا التصريح لم ينفذ في معظم بنوده رغم توالي عدة حكومات ورغم تراكم المشاكل والنزاعات الإجتماعية، وأن ما نعيش اليوم من تراجع خطير في مجال الحوار والتفاوض مع الحكومة الحالية خير دليل على أن الإتفاق في واد والواقع في واد آخر.
تبقى الإشارة في الأخير إلى أن هذا التصريح، وما تبعته من اتفاقات اجتماعية في سنة 2000 و 2003 و 2004، يبقى أرضية صالحة لمعالجة كافة القضايا الإجتماعية التي تهدد الإستقرار والتماسك الإجتماعي ببلادنا، وبطبيعة الحال فإن هذا يفرض توفر الإرادة السياسية والرغبة الأكيدة، حقيقة لا كلاما، في ولوج بلادنا نادي الدول الديمقراطية التي تمتاز باحترام القوانين والإلتزامات، وبالمراقبة والمحاسبة.
وكما قال الأخ نوبير الأموي يوم الخميس فاتح غشت 1996، وقبل توقيع هذا التصريح: "نأمل أن يكون مخاطبونا قد التقطوا على مدى ساعات طوال كل الإشارات الصريحة والضمنية في كلماتنا، وأن يظل مصير بلدنا وعزته وتطوره واستقراره همنا المشترك."
للأسف لم يلتقطوا بعد هذه الإشارات الكثيرة والصريحة، والتي كنت وعشرات النقابيين وأرباب العمل و المسؤولين الحكوميين شاهدين عليها وعلى المسؤولية التي تحلت بها المركزيات النقابية، ومن بينها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي بدل ممثلوها في هذا الحوار جهودا كبيرة لكي يخرج هذا التصريح إلى الوجود، وبالشكل الذي خرج به.
وتبقى معركة التنفيذ مستمرة كما هو حال العديد من الاتفاقات والالتزامات والقوانين.
للإشارة فإن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تتوفر ضمن منشوراتها على كتيب يتضمن هذا التصريح وما تلاه من اتفاقيات تضعه رهن كل من يريد الإطلاع عليها من باحثين ومناضلين.