Tuesday 6 May 2025
فن وثقافة

"الحرم يا رسول الله".. رائعة محمد بوزبع الذي أخرج الأغنية الدينية من الروتينية

"الحرم يا رسول الله".. رائعة محمد بوزبع الذي أخرج الأغنية الدينية من الروتينية

حين بدأ محمد بوزبع تجربته الغنائية بعد انقطاعه عن الدراسة وهو في مقتبل العمر، ظل منشدا إلى تنشئته العائلية الأولى بالأحياء العتيقة فالوالد، الذي كان يملك محلا لبيع الثوب كان أيضا فنانا أصيلا، وفي نفس الوقت كان مقدما للفرقة العيساوية، وفي بيته كانت تنتظم سهرات الطرب الشعبي الصوفي المستلهم من الأمداح النبوية والمرددات الشعبية ومن طرب الملحون وعيساوة. وفي هذا المناخ الوجداني والروحي شب بوزبع ونما ليتكرس في بداية السبعينات كأبرز فناني الملحون المغاربة. بعد أن أكد أيضا كفاءته كرئيس لجوق إذاعة فاس، وكمدير لمعهد الملحون.

وفي تلك الفترة بالذات غنى "الحرم يا رسول الله"، ومعها العديد من الأغاني من نفس البعد الديني والصوفي نذكر في هذا الإطار أغنيته الأخريين "لاإلاه إلا الله كلمة عظيمة، اللهم صل على النبي بنقاسم". لكن أهم ما ميز أداء بوزوبع سواء لأغنية "الحرم يا رسول الله" أو غيرها من الأغاني والأمداح النبوية هو عمله على أن ينوع في الطرب الديني، ويخلصه من تلك الروتينية والجدية المفرطة التي تطبع عادة أداء الآخرين. في هذا الإطار يذكر مجايلوه وأصدقاؤه من الفنانين، كما في الحلقة التلفزيونية المميزة التي خصصت له من برنامج "في الذاكرة" سنة 2010، بأن فضلا كبيرا لبوزوبع في عصرنة الطرب العربي الديني، وأيضا طرب الملحون. ومعه لأول مرة ظهر فنان هذا النوع وهو يغني واقفا، وبالبذلة العصرية، ومعه زالت الحدود حيث صر ممكنا تنظيم الحفلات العائلية بشكل مشترك بين الرجال والنساء.

أما كلمات وألحان هذه الأغنية فتعود إلى التراث الشعري المغاربي، إذ يعود تاريخها كتابتها إلى القرن الثامن عشر الميلادي، حين أبدعها الشعر الزجال محمد بن مسايب، شاعر كبير من تلمسان يروي عنه مؤرخوه بأنه عاش هناك حياة تحفل بكل التجارب والمحن والمغامرات. بدأ حياته نساجا ككل إعلام فن الملحون، ذاق مرارة الحياة الصعبة في ظل حكم الأتراك أيم سيطرة الإمبراطورية العثمانية من إسطنبول إلى الحدود الغربية الجزائرية. جرب اللهو والطرب والعشق كما تسجل ذلك أغنيته الشهيرة "عيشة"، وقصيدته المشهورة المخصصة لمدح المتصوف الشيخ مولاي عبد القادر الجيلاني دفين بغداد "عبد القادر يابوعلام ضاق الحال علي". كما عاش ابن مسايب تجربة العبادة والتصوف، وزار الحجاز وبالمدينة المنورة كتب هذه القصيدة المنتمية أصلا إلى فن الملحون، والعاكسة لطبيعة سيرته الحياتية، العاطفية والتعبدية. وتقوم الكلمات على ثلاثة مستويات متداخلة من حيث الدلالات:

- الأول: مدح الرسول الكريم، والتغني بسيرته العطرة لما في ذلك من خير عميم، وراحة للقلب والنفس. ف"مدح الرسول فيه كرايم ويزيد للقلوب نعايم" كما في القصيدة.

- الثاني: الاعتراف بالموبقات والمعاصي التي ارتكبها الشاعر في شبابه. وفي هذا الإطار يعلن عن ندمه مما اقترفه طوال حياته.

يقول الشاعر صراحة:

"راني على أفعالي نادم مادرت باش نلقى الله/ ماتبت ما قريت اللازم إبليس غرني بهواه / إبليس غرني شيطني للشر والذنوب رماني".

- أما المستوى الثالث فيأتي تتويجا لما سبق، حيث يتقدم الشاعر بطلب الشفاعة من النبي (ص) طمعا في عفو الله، حيث يقول:

"الحرم جيت عندك قاصد يا صاحب الشفاعة الأمجد/ خوفي بزلتي نتمرمد يوم الوقوف عند الله/ عاري  عليك يا محمد عار الغلام على مولاه".

- وفي ختام القصيدة حرص الشاعر، كما هي عادة شيوخ الملحون، على توقيع شعره بإدراج اسمه ضمن ثنايا القصيدة، حيث يقول:

"اغفر لسامعين هذا النظام والوالدين ومن رباه / محمد بن امسايب مدحك على الناس يفتخر باشكارك/ في الخلد درينا جيرانك يا سعد من خدم مولاه".