السبت 18 مايو 2024
مجتمع

الأصوليون يستغلون النقاش حول"سورة الفتح" لإشهار الخناجر في وجه الدولة والمجتمع وفي المدرسة

 
 
الأصوليون يستغلون النقاش حول"سورة الفتح" لإشهار الخناجر في وجه الدولة والمجتمع وفي المدرسة

يذكرنا النقاش الذي يجري، حاليا، حول تدريس سورة "الفتح" لأطفال المدارس بحادثة تبول الطفل في قصة "ماذا يشرب الأطفال؟" للقاص المغربي أحمد بوزفور على كؤوس الشاي أمام ضيوف الأب، مما جعل الجميع يتساءل حول السر وراء ذلك الفعل المثير للاستغراب؛ وهو ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: "ماذا يدرس الأطفال؟" حتى أصبحنا أمام مفرخة لإنتاج الإرهابيين بدل العلماء والفلاسفة، ذلك أن لكل نتيجة سببا، ولكل وحش عرين؛ فمن أولويات الإصلاح التربوي تجنب "تأصيل" و"شرعنة" العنف المؤسس على المرجعية الدينية في المقررات الدراسية.

فما شأن الأطفال بآيات تحرض على الحرب والقتال، وعلى المواجهة درءا للسعير وطلبا لجنات تجري من تحتها الأنهار. وهنا لا بد أن نضم ضوتنا إلى صوت الأستاذ الباحث عز الدين العلام الذي قال في كتابه "تحرير الكلام في تجربة الإسلام":  "يا واضعي مقررات تعليمنا «الإسلامي» اتقوا الله في أبنائنا واختاروا لهم نصوصا تنبض بالحياة، وتحبب المستقبل بدل نصوص ترهبون بها عقول صغارنا. فما معنى أن تكثروا عليهم في مقرركم الحديث عن «يوم الحساب»، وهم صغار لم يقترفوا بعد، ولو «مثقال ذرة شر» واحدة؟ وما معنى القارعة وما أدراك ما القارعة...» لطفل في السادسة من عمره؟ وما معنى إذا زلزلت الارض زلزالها...» لطفل صغير ينط فوق هذه الارض فرحا؟ وما معنى نار الله الموقدة أو «سيصلى نارا ذات لهب...» لأطفال مثل العصافير يعشقون الأناشيد؟ لم تقدمون هذه الصور الرهيبة ترجفون بها فرائص أطفالنا البريئة؟".

إن الذين يصرون على تدريس الأطفال على دعامة الترهيب والترغيب وتشجيع الحرابة، بدل العمل على إحكام علاقة التلميذ بربه ووطنه ومؤسساته، وأيضا بالأغيار، على أساس المودة والرحمة والاحترام، والتنافس الشريف على إقامة دولة العدل. فالمدرسة مجال بيداغوجي، والتلميذ في مرحلة عمرية ينبغي أن يدرس مبادئ الإسلام الكبرى التي تحض على التسامح والمحبة والمودة والالتزام بأداء الواجب؛ فالأولى أن تتم تنقية النص التعليمي الديني من جميع الشوائب، التي تدعو إلى الكراهية والحقد والتكفير.

إن الغاية من التعليم الأساسي هي تثبيت التساكن والمرحمة في القلوب والعقل والوجدان، وليس أن نحشو رأس التلميذ بالجهاد والفتح والسعير وحمية الجاهلية. فمثلا، في الرياضيات والفيزياء لا يمكن ان ندرسه في مرحلة عمرية مبكرة المعادلات الرياضية المعقدة أونظرية النسبية، بل ننتظر حتى ينضج ويكون مؤهلا للاستيعاب، لنفعل ذلكّ؛ لأنه يكون محصنا ضد التبسيط، وضد القراءة الحرفية. إننا نحتاج إلى تحصين الأطفال مما قد يحولهم إلى قنابل موقوتة، تبحث بدافع اليأس، أو بدافع التجييش، عن الدخول إلى الجنة على حساب الذين يختلفون معه في الدين أو العقيدة. إننا نحتاج إلى تلميذ يتدرج في المعرفة، وعلى اطلاع تدريجي بالفلسفة والتاريخ والجغرافيا والأديان، لأن ذلك سيكون بمثابة "مضادات حيوية" ضد فقهاء الظلام، والمتربصين بالنشء، والداعين إلى إقامة دولة الخلافة على أنقاض الجميع، سواء أكانوا يساريين أو علمانيين أو يؤمنون مقاربة مختلفة ومنفتحة للإسلام.

إن تطاول بعض البرلمانييين المحسوبين على البيجيدي على الحقل البيداغوجي يبين أن الأصوليين يبتزون الدولة ومحاولة إظهارها وكأنها خصم للدين، والحال أنهم خصوم أنداد للحياة، فلا يستطيعون التحرك إلا في مساحة تطغى عليها الكراهية ورفض الآخر ومحاولة اجتثاته، بدعوى أنه كافر أو يهودي أو نصراني.

إن سورة "الفتح" لا ينبغي أن تدرس لأطفال المدارس، لأن أحكامها فوف مداركهم، ولأنها نزلت في سياق تاريخي له خصوصيته (بعد صلح الحديبية)، وهو ما لايستوعبه الأطفال الذي هم أمانة في أعناقنا. فرحمة بهم، ورحمة بوطننا، وبعقيدة الإسلام الذي يدعو إلى التسامح والرحمة، أن ترفعوا خناجركم من المدارس، وأن تهبوا الحياة للأطفال ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.