السبت 20 ديسمبر 2025
مجتمع

نصف قرن من الوجع.. ذاكرة المغاربة المطرودين من الجزائر تصرخ من قلب الرباط

نصف قرن من الوجع.. ذاكرة المغاربة المطرودين من الجزائر تصرخ من قلب الرباط جانب من الندوة
في قاعة غصت بوجوه جمعتها الذاكرة الجريحة وأصوات تصدح بالحق، احتضنت الرباط، يوم الجمعة 19 دجنبر 2025، ندوة دولية حملت عنوانا مؤلما في دلالته: "التهجير القسري للمغاربة من الجزائر.. ذاكرة الانتهاك وواجب الإنصاف"، لتعيد إلى الواجهة جريمة إنسانية ظلّت تغيب عن المشهد الرسمي لكنها حاضرة في قلوب عشرات الآلاف ممن طبع الألم مسار حياتهم منذ سنة 1975.
ندوةٌ نظمتها العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في قاعة زينيت بحي الرياض، بمشاركة فاعلين حقوقيين وأكاديميين وممثلين عن المجتمع المدني، إلى جانب ضيوف من دول عدة، جمعتهم قناعة واحدة: أن الطرد الجماعي الذي طال آلاف الأسر المغربية من الجزائر لم يكن مجرد حادث سياسي عابر، بل جرح مفتوح في تاريخ المنطقة المغاربية، ووصمة انتهاك لا تسقط بالتقادم.
 
 
مع بداية الجلسة الافتتاحية، ساد القاعة صمت مهيب حين أخذ الكلمة عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان. كانت نبرته تجمع بين الحزم والأسى وهو يؤكد أن استحضار هذه الذكرى ليس استدعاء للماضي بدافع الحنين، بل إصرار على إعادة إدراج القضية في أجندة العدالة الدولية. وأضاف أن العصبة، منذ عام 1975، جعلت من ملف المطرودين جزءا من ذاكرتها النضالية، عبر التوثيق والمرافعة ومساندة الضحايا في مسار لا يزال يطالب بالإنصاف.
 
خلال المداخلات، لم تكن الأرقام هي التي أثقلت القاعة، بل القصص. شهادات حية لضحايا الطرد الجماعي استحضرت ليالي البرد الأولى، على الحدود، حين تركت عائلات بأكملها منازلها وأرزاقها وأحلامها في لحظة قاسية لا تُنسى.
 
 
 
“كنا نُنتزع من بيوتنا كما تُقتلع الأشجار من جذورها”، قال أحد الشهود، لتسري في المكان مشاعر مختلطة من الغضب والعطف والحنين، جعلت الحاضرين يدركون أن الذاكرة ليست حدثا يُروى بل وجعا لا يموت.
وفي سياق النقاش، اتفق الحقوقيون المشاركون على أن ما تعرض له المغاربة المطرودون من الجزائر يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وخرقا لمبادئ القانون الدولي، مؤكدين أن العدالة لا تتحقق بالنسيان بل بالمساءلة. كما شدد خبراء على أن الجرائم الجماعية من هذا النوع تستوجب تفعيل آليات الأمم المتحدة، وتقديم ملفات ترافع أمام المحاكم الإقليمية والدولية.
واحد من لحظات الندوة البارزة كان توقيع اتفاقية شراكة بين العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، في خطوة رمزية وحقوقية تعكس إرادة الانتقال من البعد الرمزي إلى الفعل الميداني.
الاتفاقية، التي وصفها المشاركون بـ"النوعية"، تهدف إلى توحيد الجهود، وتوثيق الذاكرة الجماعية، وإطلاق حملة دولية للترافع وجبر الضرر. كما تشمل التعاون في مجالات التوثيق والتعبئة الإعلامية وبناء التحالفات الدولية لتفعيل آليات الأمم المتحدة في ما يتعلق بالاستعراض الدوري الشامل والإجراءات الخاصة.
واختُتمت الندوة بتوصياتٍ قوية أكدت أن قضية المغاربة المطرودين من الجزائر ليست مجرد ملف ثنائي بين دولتين، بل قضية حقوق إنسان تستلزم تعبئة وطنية ودولية حتى تتحقق العدالة ويُردّ الاعتبار للضحايا.
وبقدر ما حملت الكلمات في طياتها صرخة ألم، حملت أيضا وعدا بألا يُطوى هذا الملف في صمت النسيان.
وفي لحظة الختام، حين غادرت الأصوات القاعة، بقيت الصور والذكريات تحوم في الفضاء… كأنها ترفض المغادرة، لتهمس بأن الذاكرة لا تُنسى، وأن الطريق إلى الإنصاف ما يزال طويلا، لكنه بدأ من جديد من هنا، من الرباط.