في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، أي منذ حوالي ثلاثين سنة تقريبا، شاركت في ندوة تكوينية نظمتها الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية (سي جي تي) بمركز كورسيل نواحي باريس .
وخلال هذه الندوة، التي دامت أسبوعين، وشاركت فيها عدة أطر نقابية تنتمي إلى هذه المنظمة، كان الموضوع الأساسي المطروح هو "صراع الأفكار"، حيث تم تناوله من عدة نواحي مرتبطة بالعمل النقابي وبالعمل السياسي، أي بتطور المجتمعات أو تخلفها.
تذكرت كل هذا، اليوم، وأنا أشاهد ما تعرفه الساحة الوطنية اليوم من ركود وانتظارية قاتلة، ومن انتشار خطابات أقل ما يقال عنها أنها خطابات جوفاء وبعيدة كل البعد عن واقعنا الراهن وما يطرحه من تحديات خطيرة تهدد حاضرنا ومستقبلنا جميعا، وطنا ومواطنين، إذا لم نكن في مستوى اللحظة، ونقتنع أن التحدي الأكبر فكري وثقافي قبل أن يكون سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا .
وبالعودة إلى تاريخ الشعوب والدول التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال الديمقراطية، وفي مجال التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، فإننا نلاحظ أن كل هذا التطور كان وراءه في البداية مفكرون ومثقفون عبدوا الطريق التي بنيت عليها حضارات هذه الشعوب والدول.
لذلك فإنني لا أرى مخرجا مما نحن فيه إلا بخوض معركة وصراع الأفكار، بدل صراع الأشخاص والمصالح والامتيازات، الذي فاحت رائحته كثيرا، والذي يتهددنا جميعا .
إنها لحظة تاريخية تطرح علينا جميعا تحديا كبيرا، دولة ومجتمعا، لأن الصراع في شكله الحالي صراع يضرب في الصميم مقومات الاستقرار الذي يبقى ضروريا، إن نحن أردنا أن نسير في طريق بناء مجتمع جديد، مجتمع الحرية والعدالة والديمقراطية، مجتمع يجد فيه كل المواطنات والمواطنين ذاتهم وحقوقهم وكرامتهم .