الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: حان الوقت لتوسيع دائرة الضوء التي توفرها التسويات السياسية الإيجابية

مصطفى المنوزي: حان الوقت لتوسيع دائرة الضوء التي توفرها التسويات السياسية الإيجابية

النقاش حول الديموقراطية التشاركية ينبغي أن يكون صريحا وشفافا وعموميا، فمجتمعنا الانتقالي في مسيس الحاجة إلى خلق توازنات مهيكلة لبناء الديموقراطية الحقيقية.. فما دامت الديموقراطية "الاقتراعية" لم ترق بعد إلى المنشود من صفة التمثيلية بحكم رواسب الفساد والمناورات التدليسية والطعن السياسي في مصداقيتها، فإن تمكين "المغبونين" في العلاقة مع المشاركة السياسية صار ضرورة ملحة، بغض النظر عن كون التفويض الممنوح لنواب الامة ينقضي منسوبه النيابي/التمثيلي بمجرد تعيين رئيس الحكومة ليتولى مهمة قيادة فريق أغلبي يحتكر صناعة التشريع، في حين يظل النواب يتفرجون على عملية تفريخ مشاريع القوانين، وحتى قانون المالية لا يمكنهم تعديله إلا كليا وجملة، والحال أن كم مقترحات القانون يعد كنقطة ماء في بحر المشاريع.

صحيح أن الديموقراطية التشاركية فزاعة تجاه "مكاسب" الديمقراطية التمثيلية "الهشة"، لكن الأصح أن هناك إرادة سياسية جنينية للتحرر من عواقب الدولة اليعقوبية التي لا يمكنها الحياة إلا في شروط الحكم الفردي المطلق.. لذلك ينبغي أن يخوض الحقوقيون في هذا النقاش، فليس من حقهم التذرع بشكل الدستور وبعدم الاعتقاد في مقتضيات العدالة الانتقالية.. فالفعل الحقوقي يمتح من الممكن، خاصة في ظل مجتمع محافظ يشرعن للريع والتبعية والبراغماتية اللحظية، وفق تمثلات تتغذى من تعايش أنماط إنتاج هجينة، تحت هيمنة رأسمالية ما بعد إمبريالية.

من هنا فتفكيك «المخزن» يقتضي تمثل التحليل المادي التاريخي، حيث ليست الدولة جهازا فقط وإنما بنية حال الاستعمار دون اكتمال دورة التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي ليست الدمقرطة عبر صناديق الاقتراع سوى وسيلة موسمية، على رأس كل المحطات الانتخابية، في حين توفر المقاربة التشاركية اليومية فرصة ذهبية سانحة للتواصل والاحتكاك الجماهيريين، وبصفة يومية، كل إمكانيات، ليس تقريب الإدارة من المواطنين، ولكن أساسا تمكينهم من المساهمة في بلورة السياسات العمومية، في انتظار دمقرطة آليات ممارسة السيادة وتدبير استعمال القوة العمومية وإعادة توزيع الثروة والسلطة والمعرفة.

فمتى سيتواضع يسارنا المنهك ويهتم ببعض المخرجات لتجاوز انحساره ببلورة وتجديد بوصلته؟؟ وهل من العقلانية تجاهل دائرة الضوء التي توفرها ايجابيات تسوية تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية حول التنمية، تلك الدائرة ينبغي توسيع مساحتها، على الأقل، بالتثمين والنقد الموضوعي؟ ألا تشكل التوصيات المتعلقة بالحكامة الأمنية والأمن القضائي والإصلاح المؤسساتي والتشريعي وإعمال ضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكذا سن استراتيجية عدم الإفلات من العقاب، أرضية للحد الأدنى يمكن الانطلاق منه، وسيلة وغاية، لممارسة الحق في المشاركة والتواصل من أجل تحرير الفضاء العمومي ودمقرطة التدبير السلمي لكل أشكال التعبير واستعمال القوة العمومية والقانون...؟