الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المانوزي:محاولة تجريب نقد ذاتي في أفق انتقال ممكن

مصطفى المانوزي:محاولة تجريب نقد ذاتي في أفق انتقال ممكن

ماذا تبقى للصامدين اضطراريا من قومية بعد رحيل الناصرية وسقوط بغداد البعثيين ، ومن وحدة مغاربية منذ انقلاب بومدين وبوتفليقة على الثورة الجزائرية ، ومن ديموقراطية بعد انقلاب الاسلاميين في السودان ، وفي أمريكا اللاتينية ، منذ أليندي الشيلي من طرف شركات أمريكا المتعدية الجنسيات على الخصوص ، ومن اشتراكية إثر سقوط جدار برلين ودولة لنين ؟

لم يبق سوى المظاهر والقشور والتيه والهذيان . أليس من حق جيلنا أن يتساءل ويحاسب عما عاناه من ضعف القيادات وتذبذبها وفشلها في التدبير والتأطير ، فلا هي فكرية بالتمام ولا هي سياسية وفق المطلوب ، ولا هي تاريخية كما هو مفترض . كانت المغامرة والتجريبية أو الانتظارية سمة غالبة أو الإنقلابية طريقا أسهل ، وليس أنجع وأجود ، وصارت النتائج المرصودة تتمظهر في تذمر صاعد وجيل يائس ، وكان الاختيار الوحيد المتاح والمباح هو إما اللجوء إلى عيادات « سيكولوجيا الفشل » أو غيتو « سوسيولوجيا الهزيمة » . فمن المسؤول إذن عما حصل ، ومن يقدم الحساب ؟

إن جيلنا أدى الثمن باهظا ، تذوق مرارة الاستقلال الناقص والثورة الموؤودة والبطولة بلا مجد والديموقراطية المعاقة ، فكيف له أن يتحمل المسؤولية ، وقد كان محل تشغيل ، خارج سن الرشد السيادي ، وموضوع توجيه وتأطير من أعلى . كان جيلنا مجرد منفذ بحماس وانضباط ، وكانت الدولة والأحزاب تستغل فيه كل حيويته وصدقه وجرأته أو طيشه و تهوره الساذجين ، وبالتالي استخدم مشجبا لتداعيات « إكس ليبان » ، وضحية لمؤامرة 1963 ، وحطبا لحرب الرمال وحالة الاستثناء وهزيمة 1967 ، وانتفاضات سهول الريف والأطلس والجبال ، بغض النظر عن قمع أوفقير وتلامذته ومريديه ، أمثال إدريس البصري وصناع سنوات الجمر والرصاص ، ومهندسي الاختيارات اللاشعبية واللاديموقراطية ، زبناء المؤسسات المالية الدولية وتداعياتها الأمنية والإجتماعية والسياسية .

لقد واجه شبان هذا الجيل كل تجارب وخطط الأمن والإدارة الفتية ، و تصفية كل القطاعات الحيوية والاسترتيجية ، الاجتماعية و الثقافية / الإنسانية ، وكذا جميع محاولات الإجهاز على المكتسبات والأحلام والحقوق . ولقد كان جيلنا باختصار ، مادة لتخصيب سنوات الجمر ، حيث تعايش بالصمود دون ملامسة أفق التحول المنشود ، عاش ملامح تحولات كمية طفيفة دون تحقيق لأي انتقال نوعي ملموس . ،عندما جاءته الفرصة لاسترداد الاعتبار وجبر ما لحقه من أضرار ، خفض سن الرشد وقد تجاوزه بعشرات السنين ، ومنح هامشا للتعبير مهددا بمطلب التشبيب ، بعد أن شاخ عن التفكير في زمن التكفير ، وكلف بالإشراف على مهام تحريك الإنتقال الديموقراطي ، وقد اهترأت آليات الصراع الفكري ، وماع المشهد السياسي ، وترهلت « مؤخرات » أشباه المثقفين والشيوخ من آثار القعود وفرط الدوغمائية والجمود . والآن يطلب من جيلنا ، الذي أعياه السفر والحلم ، بأن يساهم في إصلاح الأعطاب . فهل بمقدوره إصلاح ما أفسده الدهر البائد والأخطاء القاتلة ، المكرورة والمبتذلة ؟ وما هو البديل ، وماذا عن الجيل الصاعد ، وهل مازال في القلوب شيئا من مشروع وطن ؟