حين اختار المغرب نهج الانفتاح على حقوق الانسان كان ذلك رغبة منه في تأهيل البلاد إلى المستقبل، بما يعنيه ذلك من التصالح مع ذاكرة الماضي، وترسيخ فضيلة الإنصاف، وتصحيح العلاقات مع المنتظم الدولي. ومع ذلك فهذا النهج لم يجد له الصدى الملائم في الخارج الذي ظل يقرأ اختياراتنا المنفتحة، بتدرج هادىء، كسلوك ضعف أمام «فزاعات» المنظمات الحقوقية الدولية، «الفزاعات» التي تأكد مع الوقت أنها مشتراة لحشر المغرب في الزاوية الضيقة، ولإنهاك طاقته المفترض أن تشحذ لمواجهة تحديات التنمية والبناء. ولذلك ترصد العديد من هذه المنظمات المسار الإيجابي لتعامل المغرب مع المنتظم الدولي بخصوص قضية وحدتنا الترابية بمنطق الابتزاز ولي ذراع المغرب، ولذلك تحول أحداث مخيم «إكديم إيزيك» بالعيون إلى شرط إدانة للمغرب، محولة الجناة إلى ضحايا، وأصحاب السوابق إلى رموز للنضال الحقوقي الدولي، مستعينة بخبرة مكاتب «انتدابها» في الداخل، سواء عبر بعض الجمعيات الحقوقية المغربية، أو عبر «انفصاليي الداخل»، وبخصومنا في المنتديات الدولية. إضافة إلى أنها تتعمد اختيار حالات تعذيب منعزلة لتراها نهج الدولة الرسمي، وتضخم الموقف من تعبيرات محدودة للشواذ والسحاقيات وفاطري رمضان وشغب «فيمن»... كمنهج لقهر «الأقليات».
يتم كل ذلك في الوقت الذي تصمت هذه المنظمات الدولية عن حقيقة الوضع الحقوقي في الجزائر، بما يشمله من حجز قهري للحريات الفردية والجماعية، وعن منهج التعذيب ضمن الواقع الإنساني الأسود المفروض داخل مخيمات تندوف. ولذلك نرى الحاجة قائمة اليوم لأن يقدم المغرب على مراجعة نهج انفتاحه على المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، إذ لا يعقل تبني سياسة الكيل بالمكاييل، في ما يتم الاستمرار في التشويش على المغرب، وعلى قضايانا الحيوية، حيث صار من المحقق أن نهج الانفتاح يجعلنا رهينة «سوق جنيف» في شهر مارس من كل سنة و«سوق نيويورك» في شهر أبريل من كل سنة، وهو ما يعني أن العقل العام للدولة يكون منشغلا بملف الصحراء وبالمناورات المحاكة عوض أن تركز الدولة والمجتمع الاهتمام على مشاريع البناء (انظر ص: 6) وأن نؤسر دائما في موقف الدفاع أمام توالي التحرش بنا على جميع الواجهات، مثلما حدث مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة الذي وجه في آخر تقرير له حول المغرب كشافات الضوء نحو الجدار الأمني بالصحراء بدعوى أنه يعيق تواصل الصحراويين مع أرضهم وذويهم، في حين أن أهداف إقامة هذا الجدار كانت، بالإضافة إلى حماية أمننا الحدودي، تتناغم مع نداءات المجتمع الدولي التي تصب في مكافحة تهريب المخدرات والهجرة السرية والاتجار البشر، والتسرب المحتمل للخلايا الإرهابية المبثوثة على امتداد منطقة الساحل والصحراء (انظر توصية المجلس الاقتصادي والاجتماعي في ص: 8). ثم إن المنطق يقتضي، إن كانت النيات لدى هذا المجلس الأممي وغيرها من الهيئات الدولية صافية من أجل التواصل الإنساني، أن تتضافر الجهود الأممية من أجل الاستجابة لمطلب المغرب الداعي لفتح الحدود مع الجزائر، ومن أجل رفع الحصار على محتجزي تندوف للتواصل حقيقة مع ذويهم ووطنهم.
وفي نظرنا، فهذا المراجعة (أي مراجعة تعامل المغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان) ينبغي أن ترتكز على مفهوم السيادة أولا وأن تقوم على مبدإ التحول إلى موقف الهجوم ثانيا لفضح المناورات التي تقوم بها بعض المنظمات غير الحكومية بموازاة تلك التي تقوم بها الجزائر في المحفل الدولي.
وفي هذا الإطار نرى ضرورة أن يغتنم المغرب فرصة دعوة مجلس الأمن الأخيرة إلى «الحاجة الملحة لأن تعود البعثة الأممية إلى أداء وظائفها كاملة» بالصحراء لإعادة تدقيق أدوارهذه البعثة المحددة وفق الأهداف المرسومة لها دون سواها منذ سنة 1991، وهي: مراقبة وقف إطلاق النار، وزرع إجراءات الثقة عبر ترتيب زيارات الصحراويين بين تندوف والأقاليم الجنوبية، والإشراف على إجراء الاستفتاء.
وبهذا الخصوص سجل المتتبعون أن بعثة المينورسو صارت تتصرف، منذ أربع سنوات تقريبا، خارج مهامها الرسمية من قبيل أن تحول بعض موظفيها إلى كتابة تقارير سرية «مخدومة» حول الحالة في صحرائنا. والخطير أن هذه التقارير صارت هي المعتمدة من طرف الأمانة العامة للأمم المتحدة، عوض الاعتماد على تقارير الدولة المغربية كما هو مفترض في أعراف العمل الأممي الدولية. كما لوحظ كذلك تحول «المينورسو» إلى متعهد كل الزيارات التي تقوم بها بعض الوفود الأممية إلى المنطقة، حيث صارت هي التي تضبط برنامج تلك الوفود، وتوجهها إلى من يجب الاتصال به والإنصات إليه. (انظر ص: 7)
ثلاثة اعتبارات تدفعنا إلى القول بضرورة تقييم تعاملنا مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان في أفق مراجعتها، دون المساس بتعاقداتنا الدولية في هذا الباب من جهة ودون المس بالالتزامات الدستورية الواردة في وثيقة 2011:
- وعي المغرب بأن التحرش به في موضوعات حقوق الإنسان هو تعبير عن الحرب بالوكالة التي تشنها علينا الجزائر عبر آليات تحركها في الخارج، وعبر «مكاتب الانتداب» في الداخل التي اختارت الاصطفاف ضد كل ما يرمز لموروث المغاربة (دينيا أو سياسيا أو ترابيا).
- وعي المغرب بأنه صار يوجد في مرمى السهام للمس بوحدته الترابية من خلال مخططات التقسيم التي تتبناها سياسة الفوضى الخلاقة.
- وعي المغرب بفعالية تنويع علاقاته الدولية خارج المدار التقليدي (أمريكا والاتحاد الأوربي)، وتجسير العلاقة مع روسيا والصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي.
هذه بعض الاعتبارات التي لا تدعم فقط فكرة الحاجة إلى المراجعة، وإلى تبني خطة الهجوم بدل موقف الدفاع، وإلى فضح نهج المناورة التي تبخس صورة المغرب الحقوقي، ولكنها تؤكد كذلك ثقة المغرب باختياراته، وبأفقه الطامح إلى الانتصار على سماسرة العمل الدولي، وعلى متعهدي المآسي المتاجرين في القيم والمبادئ باسم حقوق الإنسان.
كشفته خمس محطات
هل قدر المغرب أن يظل حقلا للألغام الحقوقية والأممية؟
لنقلها بصراحة: هل المغرب له القدرة والطاقات والموارد للتعامل مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان؟
ألم يحن الوقت لتقييم حصيلة تعامل المغرب مع هذه المنظومة والتساؤل هل يتعين مراجعة نوعية التعامل أم الاستمرار في المسار المرسوم؟
سند السؤال مرتبط بـ «شلال« الزيارات الأممية التي تستهدف المغرب لوحده دون غيره من دول الجوار، وهي الزيارات التي تكون محطة لجلد المغرب.
لنسترجع الشريط:
في عام 2012 حل خوان مانديز المقرر الأممي الخاص بالتعذيب ببلادنا وأصدر تقريرا طافحا بالمعطيات السوداء.
في عام 2013 حلت بالمغرب مجموعة العمل الأممية حول الاعتقال القسري (برئاسة النرويجي مادس أديناس) التي أصدرت بدورها تقريرا كئيبا حول بلادنا.
في عام 2014 وضعت أمنيستي المغرب ضمن اللائحة السوداء للتعذيب (مع أربع دول أخرى وهي المكسيك ونيجيريا والفليبين وأوزبكستان) تحت شعار «أوقفوا التعذيب».
في عام 2015 أصدرت منظمة أمنيستي تقريرا حول المغرب معظم مضامينه تتقاطع مع ما جاء في تقرير خوان مانديز ومجموعة العمل الأممية حول الاعتقال القسري.
في عام 2016 الأمين العام الأممي بان كي مون يزور المنطقة ويوجه الضربة القاضية للمغرب حينما وصفه بالدولة «المحتلة»!
هل هذه الوقائع جاءت بمحض الصدفة؟ أم ترتيبات تمت في صالونات معينة؟
لا نملك الجواب، ولكن تناسل الوقائع يخلق بياضات كبرى أمام المتتبع والدارس لعلاقة المغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان.
التساؤل يكبر حين نستحضر أن محطات أخرى قادمة وأن آليات جديدة قبلها المغرب وانخراط فيها بالتصديق على معاهدات وبروتوكولات، آخرها البروتوكول الاختياري الخاص بمراقبة ميكانيزم التعذيب.
لنفرض جدلا أن شاذا جنسيا احتج ضد المغرب لدى الأمم المتحدة عبر شكاية مفادها أن السلطات الأمنية والقضائية وضعته مع معتقلين آخرين (وهذا في العرف الحقوقي إساءة المعاملة وتعذيب) هل للمغرب الامكانيات المالية اللازمة لبناء السجون والزنازن بالمخافر لكل شاذ ولكل سحاقية؟
لنفرض أن معتقلا احتج لدى الأمم المتحدة عبر شكاية مفادها أن السلطات الأمنية والقضائية التي أمرت باعتقاله نسيت أن تزوده بالأكل لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات (وهذا بدوره يعد تعذيبا في العرف الأممي وسوء معاملة).
هل للمغرب القدرة على التعاقد مع «ممون حفلات» (Traiteur) لتزويد الكوميساريات و«لابريكاد» الدرك بـ «الحلوى والكرواصة»؟
فبسبب المنظومة الأممية أصبح المغرب رهينة بيد الخارج لمدة 4 أشهر (يناير، فبراير، مارس، أبريل) من كل سنة. بحيث ما أن تنصرم سنة وتبدأ أخرى حتى يبدأ «الكرنفال الحقوقي» ضد المغرب للتحضير لمحطة مارس (دورة جنيف لحقوق الإنسان) والتحضير لمحطة أبريل (اجتماع مجلس الأمن الدولي للتمديد أم لا لبعثة المينورسو بالصحراء، وللتمديد لها بنفس المهام المحددة سلفا أم لتوسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان).
صحيح، أن الانخراط في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان من طرف المغرب - كما سبق وقال مراقب لـ «الوطن الآن» - هو بمثابة «تذكرة ذهاب بدون إياب»، إلا أن الظرفية الحالية والتراكم المسجل يمنح المشروعية لإجراء تقييم لهذا الانخراط لمعرفة ماذا ربح المغرب وماذا خسر؟
وهل يتعين المضي قدما في هذه المنظومة أم الاقتداء بالنموذج الجزائري والكوري الشمالي المتمثل في رفع شعار «سدات مدام»! ورفض الانضمام أصلا إلى المعاهدات والبروتوكولات الخاصة بحقوق الإنسان؟!
إنه مجرد سؤال.
حتى لا تتحول «المينورسو» إلى متعهد حفلات للوفود الأجنبية!
مهام المينورسو محددة في ثلاث وظائف:
- أولا: مراقبة وقف إطلاق النار.
- ثانيا: زرع الثقة بين الأطراف والسهر على تنظيم الزيارات بين العائلات الصحراوية (بين تندوف بالجزائر والأقاليم الجنوبية للمملكة).
- ثالثا: السهر على الاستفتاء لتقرير المصير.
وبخصوص هذه النقطة تم التخلي عن الاستفتاء لصعوبة إحصاء الكتلة الناخبة فضلا عن رفض الجزائر السماح للأمم المتحدة - في شخص المفوضية السامية لشؤون اللاجئين - إجراء إحصاء لساكنة المخيمات بتندوف بالنظر إلى أن الجزائر ترفض حضور شيوخ قبائل صحراوية مغربية للتحقق من إحصاء السكان بتندوف مخافة زرع صحراويين منحدرين من دول أخرى ضمن الكتلة الناخبة (من موريتانيا أو الجزائر أو مالي مثلا).
وأمام استحالة تنظيم هذا الاستفتاء، اقترح المغرب الحكم الذاتي كشكل من أشكال تقرير المصير.
لكن المينورسو بدل أن تتقيد بمهامها وبحيادها، بدأت تمطط تدخلاتها في قضايا ليست من اختصاصاتها من قبيل رفع تقارير «سرية» حول حقوق الإنسان، وهي التقارير التي يعتمدها الأمين العام الأممي كمصدر «جدي» لا يرقى إليه الشك! فضلا عن كون بعض أعضاء «المينورسو» تحولوا إلى متعهدي اللوجستيك لكل خبير أممي أو مقرر أممي زار المنطقة بتوجيهه لرؤية هذه الجمعية أو تلك وتجنب هذه الجهة أوتلك (مثلما حدث في الزيارة التقنية التي قام بها وفد المفوضية السامية لحقوق الإنسان للصحراء عام 2015 حيث تم ترتيب زيارة «مخدومة» من طرف عناصر المينورسو واستغلال أحداث هامشية وقعت بالصحراء بل وتم اصطناعها بشكل يمكن عبد العزيز المراكشي زعيم البوليزاريو من مراسلة الأمين العام الأممي بشأن الواقعة، وهذا الأخير يراسل زايد رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي (رعد زايد) يقوم بدوره بمراسلة المغرب لطلب استفسارات حول الحادث المذكور «المخدوم».
وهنا الخطورة، في حالة ما إذا لم يقم المغرب بممارسة سيادته وإجبار المينورسو على احترام اختصاصاتها.
نعم، طلب مجلس الأمن في نهاية أبريل 2016 بأن تؤدي «البعثة الأممية بالصحراء كامل وظائفها»، لكن هذه المطالبة ليست مقرونة بعودة نفس الأشخاص للمنحازين للأطروحة الجزائرية فضلا عن أن اشتغال البعثة بكامل وظائفها يجب أن يكون في سياق إحداث دينامية من داخل المهام الثلاثة المحددة لأعضائها وليس التغاضي عن تمطط اختصاصاتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بشكل سري أو التحول إلى «متعهد حفلات» للمنظمات الدولية وللآليات الأممية الأخرى.
الجدار المغربي الذي أثار جنون الجزائر
الجدار الأمني الممتد على طول الحدود المغربية الموريتانية والجزائرية يبلغ طوله 2400 كلم، أي ما يعادل المسافة الفاصلة تقريبا بين الدارالبيضاء وباريز.
الجدار الأمني منذ أن أنشئ من طرف القوات المسلحة الملكية لـتأمين الحدود المغربية، وهو محط استفزاز الجزائر، آخرها المحاولة التي قامت بها البوليزاريو يوم 10 أبريل 2009 حين انطلق 1400 فرد ينتمون للبوليزاريو (مرفوقين ببعض أنصارهم الإسبان آنذاك) انطلاقا من التراب الجزائري طبعا وانتهكوا الحدود المغربية ومزقوا الأسلاك وأطلقوا النار في الهواء استفزازا، وهو الحادث الذي جاء في سياق اجتماع مجلس الأمن الدولي آنذاك للتداول في ملف الصحراء للتشويش عليه ودفعه لتوسيع صلاحيات المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان.
الجدار الأمني حقق للمغرب ما لم يكن يحلم به أي مخطط، إذ بعد تسعة أعوام من بناء 2400 كلم من الجدار الأمني (1976-1985) عرفت الأقاليم الجنوبية تحولات عمرانية ومجالية بارزة، عبر شق الطرق والقنوات والموانئ والمطارات والمدن الجديدة ودينامية اقتصادية لافتة. وهي الدينامية التي يمكن التأريخ لبدايتها الحقيقية مع مارس 1985، تاريخ إعلان الملك الرحل الانتهاء من بناء آخر شطر من الجدار.
فمنذ ذاك التاريخ ماكان للموارد البشرية المدنية، والاستثمارات العمومية والخصوصية أن تتدفق على المنطقة الصحراوية لولا الجدار الأمني الذي أمن نصف مساحة المغرب تقريبا.إذ في بداية استرجاع الصحراء، كان صعبا على أي مستثمر أن يغامر بالذهاب إلى الصحراء، وكان مستحيلا على أي مدني أن يتنقل من الشمال ليستقر بالصحراء بسبب كثرة الهجومات التي كانت تقودها الجزائر والبوليزاريو طوال أواسط السبعينات وبداية الثمانينات. وهو ما قاد (أي تناسل الاعتداءات والهجوم على المراكز الحضرية والتجمعات البشرية بالمغرب) السلطات المركزية إلى التفكير في إيجاد حل عسكري أبدي، يحمي العباد والبلاد، فتم الاهتداء إلى بناء الجدار الذي يحق فعلا للجندي المغربي أن يتباهى به كأحد أهم المنجزات التي نفذها.
الدليل أن منطقة الساحل وجنوب الصحراء تشهد كلها تسيبا أمنيا فظيعا انطلاقا من الجزائر إلى منطقة البحيرات مرورا بموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والكاميرون وليبيا.
وحده المغرب الذي يعد واحة أمنية بامتياز، ليس لوجود عنصر بشري مهني واحترافي فحسب، بل ولوجود عقل أمني أبدع كذلك الجدار الأمني.
1 - الجدار الأمني
بدأ تنفيذ إنشاء الجدار الأمني الأول فعليا في شهر غشت 1980، وقد استهدف التخطيط لهذا الجدار البالغ طوله الإجمالي 600 كلم استغلال التموجات الأرضية إلى أقصى حد ممكن. حيث استند على حواجز طبيعية فكان الإنشاء والبناء انطلاقا من منطقة الزاك ليسير باتجاه الغرب. واستأنفت الأعمال على جبال «الوركزيز» ليكمل ذلك الحاجز الطبيعي حاجز اصطناعي يتكون من ساتر ترابي ابتداء من «المسيد» إلى «رأس الخنفرة» في اتجاه الجنوب حتى يلتقى الساتر بالحزام الأمني للسمارة، ثم يلتف حول المدينة من جنوبها ليتقدم باتجاه «بوكراع» حيث كانت الأعمال جادة لبناء جدار آخر.
وقد كان الغرض من إقامة الجدار الأمني واضحا بهدف تأمين الخطوط الخلفية للقوات المسلحة الملكية تحركاتها وتمرينها وحرمان العدو من إمكانية الوصول إليها، ثم ثانيا حماية المناطق الآهلة بالسكان والمعروفة بالمثلث الاقتصادي: السمارة، بوكراع، العيون، ثم منع تسلسل الخصم وفتح طرق المواصلات أمام الحركة الطبيعية.
وقد بلغ الخط الدفاعي إلى السمارة يوم 2 مارس 1981 تزامنا مع عيد العرش، وانتهى من بنائه بتاريخ 14 ماي 1981 بمناسبة ذكرى إنشاء القوات المسلحة الملكية عندما التقى الساتر الترابي المنطلق من بوكراع مع الساترالذي خرج من السمارة عند منطقة «اسكن» التي لم تشهد إلا بعض المناوشات مع البوليزاريو التي كانت خائرة القوى لما أصابها من تدمير وإحباط في معارك رأس الخنفرة، حيث تحطمت حشودهم وأصيبوا بخسائر فادحة سمحت بإتمام هذه المرحلة بسهولة.
2 - الجدار الأمني
بلغ طول الجدار الأمني الثاني 225 كلم، وقد كان الهدف الأساسي من إقامته فك حصار مدينة بوجدور التي عمدت البوليساريو إلى عزلها عن مدينة العيون العاصمة باستغلال بعد المسافة الفاصلة بينهما لزرع الألغام على الطريق المؤدي إليها لمنع الحركة العادية، ثم الاستفادة من الظروف والأحوال لنصب الكمائن أو القيام بالغارات كلما سنحت الفرصة أثناء تنقل القوافل بين المدينتين أو ضد القوات التي تعمل على تطهير الطريق لحماية القوافل أو القيام بالدوريات.
وقد ابتدأ العمل في هذا الجزء من الجدار بعدما تجلت واضحة الفوائد التعبوية للجدران أو الأحزمة السابقة، بالخصوص الجدار الأول الذي فتح طرق المواصلات ومحاور التموين بين طانطان والعيون والسمارة.
وقد استغرقت عملية البناء 42 يوما من 4 ماي إلى يوم 16 يونيو 1982، تم خلالها إنشاء الساتر، ثم حماية الكل بواسطة نطاق من الأسلاك الشائكة، تدعم ذلك كله وسائط إلكترونية قوامها رادارات وأجهزة إبصار واستشعار لرصد ومراقبة التحركات أمام الجدار الأمني لحرمان البوليزاريو من الاقتراب أو التسلل لتحقيق المفاجأة التي تشكل أهم مبدأ من مبادئ حرب العصابات التي طالما عملت البوليزاريو على الاستفادة منها.
ملحوظة:
اعتمدنا في استخراج هذه المعطيات التاريخية على كتاب «الجيش المغربي عبر التاريخ» للأستاذ عبد الحق المريني. الصادر عن مطبعة المعاريف الجديدة ـ الرباط ـ 1997
3 - الجدار الأمني
شرع في إقامة هذا القسم من الجدار الكلي يوم 19 دجنبر 1983، وتم الانتهاء من أشغاله يوم فاتح مارس 1984، أي أنه بدأ العمل فيه بعد سنة ونصف من إقامة سابقه، حيث كانت هذه المدة كافية لزيادة التأكد من فعالية خطط قيادة القوات المسلحة الملكية، وأن هذه الخطط تحقق ما تهدف إليه القيادة الوطنية العليا من جدوى عسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية.
ففي ظرف ثلاثة أشهر تم إنشاء وبناء جدار طوله 300 كلم بمعدل 100 كلم في الشهر. وقد امتد الساتر الترابي لجميع تجهيزاته من منطقة «امكالة» ومرتفعاتها التي اشتهرت بالمروقعة التي أدت إلى أسر حوالي 100 جندي جزائري كانوا قد تسللوا إلى الأراضي المسترجعة غداة انسحاب الجيش الإسباني بعد توقيع الاتفاقية الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا.
وقد اتجه الجدار بعد ذلك من «امكالة» غربا بموازاة الحدود الموريتانية شمال «بئر موكرين».
وبإقامة هذا الجدار حرمت البوليساريو من الممرات التي كانت تستعملها لتتسرب إلى منطقة وادي الذهب عبر مرتفعات ووديان «امكالة»، فصار لزاما عليها العبور من الأراضي الموريتانية للقيام بأي عمليات تريد القيام بها في تلك المنطقة. وقد انتهت الأعمال في هذا الجدار يوم فاتح مارس 1984، فتم أيضا إبعاد أي خطر عن مدينة «السمارة» التي توسع نشاطها الاقتصادي والعمراني بعد فتح الطريق إلى «العيون».
4 - الجدار الأمني
خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا تم بناء الجدار الخامس الممتد بين «الزاك» على مشارف «الحمادة» ومنطقة «لفريرينات» بالقرب من السمارة، وهكذا أدمج في المنطقة المؤمنة كل من مركز «الجديرية» ومركز «الحوزة» التي كان البوليساريو يدعي ويتبجح أنها عاصمة دولته الموهومة.
وهكذا أفرغت الساقية الحمراء من عناصر البوليساريو بعد اشتباكات انتحارية فاشلة، وانتهت أعمال البناء مساء يوم 10 ماي 1984.
5 - الجدار الأمني
كان الحزام الأمني الخامس أكثر طولا من سابقيه، فقد امتد على مسافة قدرت بـ 400 كلم انطلق من نقطة «البعج» على «الوركزيز» شرق الزاك ليتقدم بمحاذاة الحدود الجزائرية الموريتانية، ثم ينحرف غربا في اتجاه «البريكة»، حيث التقى مع الجدار الأمني الثالث جاعلا من «الحمادة» والساقية الحمراء بمنابعها ومرتفعاتها منطقة آمنة مطمئنة. وبهذا امتنع على البوليساريو الوصول إلى مناطق معينة مثل «التكاة» على مجرى الساقية الحمراء التي طالما اعتبرتها البوليساريو ملاجئ حصينة تستطيع الاختباء بها في فترات الانسحاب والاختفاء.
وقد مكن هذا الجدار من حرمان عناصر البوليساريو من وصول الساقية الحمراء، بل حرمهم من إمكانية التسرب عبر الحدود الجزائرية في اتجاه الأراضي المسترجعة إلا إذا تم خرق حرمة الأراضي الموريتانية انطلاقا من الجزائر.
ويمكن الإشارة إلى أن بناء هذا الجزء من الحزام استغرق المدة الزمنية الفاصلة بين تاريخ 4 دجنبر 1984 و15 يناير 1985.
6 - الجدار الأمني
لإعادة ربط الاتصال بين الداخلة والعيون، تم مباشرة بعد الانتهاء من بناء الجدار الأمني الخامس الاستعداد لاستغلال الخبرات المكتسبة خلال أعمال البناء السابقة لإقامة جدار يدخل منطقة وادي الذهب ضمن النطاق الأمني وفتحها على الأجزاء الشمالية المؤمنة. وهكذا انطلقت الأشغال بتاريخ 14 ماي س1985 من نقطة عند «امكالة» ليسير بناء الجدار سريعا باتجاه المحيط الأطلسي عند «إمليلي» جنوب الداخلة ليؤمن كلا من «كلتة زمور» ومرتفعاتها التي عرفت صراعا مع «البوليساريو» عدة مرات، ثم منطقة «أم دريكة»، ومركز «بير أنزران» التي اشتهرت بمقاومتها لمحاولة «البوليساريو» اقتحام موقعها والسيطرة عليه. وهكذا تم تأمين كل ما يقع شمال هذه النقط على طول 650 كلم. وقد امتد قسم من الجدار بموازاة الحدود الموريتانية لمسافة تتجاوز 100 كلم قبل أن ينحرف في اتجاه الغرب ليصل إلى الشاطىء الأطلسي عند نقطة «إمللي» جنوب الداخلة، حيث أصبح خليج الداخلة محميا بواسطة الجدار حماية تامة من الجانب البري. أما الجانب البحري فتحرسه البحرية الملكية بمساعدة القوات الجوية.