الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: الأمن الإنساني والروحي والقيمى لا تضمنه السياسات التنموية الرثة

مصطفى المنوزي: الأمن الإنساني والروحي والقيمى لا تضمنه السياسات التنموية الرثة

صحيح أنه من الواجب ضمان الأمن الروحي للمغاربة، ولكن ليس بمنطق التضييق على حرية الاعتقاد وحرية الفكر، وإلا تحولت الحماية نفسها إلى انتهاك لحقوق الإنسان، مما يستدعي رد الاعتبار للتفكير النقدي في مناهج المنظومة التربوية، لأن حرية التدين مهددة من داخل ممارسة الشعائر نفسها بحكم تماهي الخلاف مع الاختلاف في العلاقة مع التمذهب والتشيع.

ولنأخذ العبرة من التداعيات السلبية التي تصدرها إلينا السلفية الوهابية بذريعة حماية الملة والدين، والتي لا تقل شرا عن حملات التبشير والتنصير.. والحل ليس في تكريس المقاربة العقابية، وإنما في تحصين الحقوق والحريات من اختراق السياسة للدين، والعكس صحيح في ارتباط مع الدين الذي ينبغي فصله عن السياسة.

على المحافظين الذين يزعمون أنهم أوصياء على «العقل» الإيماني أن يوجهوا فوهات بنادقهم إلى الاستعمار ومخلفاته، وإلى تطهير الماضي من مظاهر الاستبداد الشرقي والغربي، ومن شروط التبعية الاقتصادية والمالية والثقافية والروحية أيضا باعتبار أن الرأسمالية النيوليبرالية محافظة الجذور ودينية الخلفيات والوسائل، بحكم أنها ومنذ أحداث شتنبر، صارت تستعمل الدين باسم مناصرة «المشروعيات» المستندة للشرعية الدينية.. والنزاهة الموضوعية تقتضي احترام التراكم الوطني المشترك، لأن مطالب الديمقراطيين والتقدميين تستمد شرعيتها من مقتضيات المشروع الوطني التحرري الذي صاغ مقدماته الفكرية رواد الحركة الوطنية، باستحضار فضيلة الاعتدال الكامنة في إسلام المغاربة. لقد كانت السلفية الايجابية لديهم شرطا لمواجهة الغزو الأجنبي المقوض للهويات والسيادة، لذلك فكل مجهود ينبغي أن ينصب على إصلاح المنظومة التربوية بتعزيز الفكر النقدي والانفتاح على ثقافة التحرر وحقوق الانسان، وبتعويض المقاربات الأمنية بالممارسة القانونية الخالصة من الإيديولوجيا والنزعات العقائدية.

قد تختل موازين القوة لصالح طرف معين في المشهد السياسي، وقد اختلت في مغربنا منذ عقود، ولكن التعسف في استعمال هذا الحق العابر، بمنطق الزمن الاجتماعي، قد يضخم من القوة نفسها ويشرعن للحق في احتكار العنف.. ولكن ما جدوى التباهي بالاستقرار السياسي في ظل انعدام الأمن الإنساني، الذي دونه ستقوض سلطة الحاكمين الأخلاقية، في عالم يبحث العقلاء في سبل مناهضة ومقاومة انهيار قيم العدالة والالتزام، حيث لا قوة خارج السلطة الأخلاقية.. وحذار من التفاؤل الغبي الذي تنتجه تداعيات «عدالة المنتصرين»، فليست لحظات السعادة سوى حالة انفعال، قد تخدع الذوات في حالة التمادي غير العقلاني.. فالوطن في أمسِّ الحاجة إلى دولة قوية بدل مخيفة، ودولة آمنة بدل أمنية، وهذه مقتضيات لن يؤطرها سوى تعاقد اجتماعي يبرر لإمكانيات التدبير السلمي للصراع، مادام الإذعان والشطط في فرض القرار الأمني والسياسي والتشريعي يعد عنفا رمزيا يبدد كل شروط التمرين على صناعة التحول الديمقراطي.