تختلف نظرة المحامين لمؤتمر جمعيتهم، قبل وأثناء وبعد انعقاده، باختلاف تقييمهم لعمل مؤسساتهم المهنية وعلاقتها بمحيطها المهني.
لذلك يتعين النظر الى المؤتمر من زوايا مختلفة:
1- من زاوية المحامين:
لقد سجل المؤتمر حضورا كثيفا للمحامين، من مختلف الهيئات والأعمار والتوجهات المهنية.
كما سجل تنوعا في العروض والمواقف.
لكن غياب بعض الرموز المهنية من رؤساء سابقين ووزراء وبرلمانيين محامين ونقباء وسياسيين وأساتذة جامعيين ورموز مهنية، اثر بعض الشيء على مستوى التأطير والنقاش.
لكن بالمقابل، الحضور الكثيف للشباب ينبأ بتشكل تيار مهني واع ومدرك لطبيعة التحديات، وللتطلعات المشروعة للمحامين لاحتلال موقع متقدم داخل المجتمع.
وقد لوحظ غياب واضح للعروض في القضايا الوطنية والدولية، كما أن الحضور في اللجنة كان ضعيفا، على عكس ما كان عليه الامر الى حدود تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت هذه اللجنة اهم لجان المؤتمر وهي من يصنع البيان العام.
في حين عرفت لجنة الشؤون الاجتماعية، (التي خلفت لجنة المرأة والأسرة منذ عقد ونصف) هدوءا عجيبا رغم تباين وجهات النظر في قضايا هي مطروحة بحدة على الرأي العام من قبيل المساواة في الارث ومجلس المناصفة والاجهاض وغيرها. وقد سجلت اللجنة حضورا كثيفا للمرأة المحامية.
أما لجنة اصلاح منظومة العدالة، والتي صدر عنها في المؤتمر السابق توصية باعتبار دستور 2011 لا يستجيب لتطلعات الشعب، مطالبا بدستور ديموقراطي تضعه جمعية تأسيسية منتخبة، فإنها عرفت نقاشا باهتا لا يعكس الانقسام الواقع وسط المهنة حول قضايا مثل ميثاق اصلاح منظومة العدالة والقوانين التنظيمية للمجلس الاعلى للسلطة القضائية وللقضاة، ومشاريع قوانين التنظيم القضائي والمسطرتين المدنية والجنائية. وغلب على النقاش موضوع قانون المهنة، خصوصا بعد ان احال مكنب الجمعية عدة عروض تهم الموضوع على هذه اللجنة.
ولجنة الحقوق والحريات تميزت بتدخل مطول لوزير العدل والحريات جوابا على تدخلات المحامين الذين رسموا صورة التراجعات التي عرفها المغرب في المجال، فجاء تدخل الوزير من جهة ليحذر من توجه داخل الدولة لا يعطي اية اهمية لصورة المغرب الحقوقية مقابل التزامه هو بالدفاع عن حصيلة المغرب الايجابية وتهوينه للخروقات المسجلة، وليفصل في بعض الملفات والقضايا المثارة.
وتبقى اهم لجنة عرفت حضورا كثيفا ونقاشا حادا هي لجنة الشؤون المهنية، حيث كان عدد العروض مهما في حين كانت التدخلات مكثفة وحادة وتعكس حقيقة الاختلاف داخل الجسم المهني.
حضور المحامين ومناقشاتهم جعلت توصيات مؤتمر الجديدة لم تختلف كثيرا عن توصيات المؤتمرات السابقة خصوصا توصيات مؤتمر السعيدية ومناظرة فاس وندوة القنيطرة. على عكس ما كان متوقعا لدى البعض من الجهتين معا.
كما أن الفضاءات الموازية للمؤتمر لم تعرف أية مواقف خارجة عن السياق العام، ربما لاسباب لوجيستيكية لكن الاكيد كذلك للتطور النوعي الذي اصبح يطبع نظرة المحامين لملتقياتهم، بحيث أصبح الترف والترفيه يكتسي اهمية اقل لدى اعداد متزايدة، مقارنة بمؤتمرات سابقة.
2- اما من زاوية المؤسسات:
فإنه للاسف سجل ضعف كبير للمؤسسات المهنية. وهذا الضعف جسدته على الخصوص الكلمات الافتتاحية، التي اثارت سخط الجميع، لكونها لا تعبر ابدا عن الصورة التي يتعين ان تظهر بها المهنة في عرسها امام المحامين وشركاء المشهد القضائي والمسؤولين في وزارة العدل وباقي المسؤولين الترابيين والمحليين الحاضرين والضيوف من مختلف الدول وخصوصا امام الرأي العام.
ولم تقدم الجمعية اية ارضية للمؤتمر ولو حتى لشرح الشعار الدي اختاره المكتب واسباب نزوله.
كما انها لم تقدم اي تقرير ادبي يشرح خيارات المكتب وتوجهاته وتطورات معالجته للملفات الملحة المعروضة عليه.
كما أن تأطير اللجان عرف غياب اية عروض لاعضاء مكتب الجمعية، وعروضا نادرة لاعضاء المجالس الحالية.
وباستثناء اعضاء المكتب الذين كلفوا بمهام تسيير اللجان، فإن الباقين لم يسجلوا حضورهم في اي نقاش مهني، بل ان غيابهم عن متابعة اعمال المؤتمر كان ملحوظا.
كما أن تصرفات بعض اعضاء المكتب (السيد الرئيس ونقيب الهيئة المضيفة) خلال حفلات العشاء كان منافيا لواجب التحفظ الذي تفرضه صفتهم المهنية.
3- حضور وزارة العدل وباقي المسؤولين:
سجل المؤتمر كسابقه، وكالندوة الوطنية بالقنيطرة، حضورا متواصلا وفعليا للسيد وزير العدل والحريات. وذلك في نظري، امر محمود ومطلوب. وقد سبق لي في مناسبات متعددة ان اعتبرت انه لا يمكن للمحامين، ولمؤسساتهم المهنية أن يعتبروا مقاطعة الوزير موقفا، لأن المحامين ليسوا منظمة ثورية بل يمارسون مهنة منظمة في نطاق القانون، وقد اوكل لهم القانون مهام محددة، كما اوكل لمؤسساتهم المهنية سلطة تنظيمية. فحضور وزير العدل وتكريم وزير العدل ومناقشة وزير العدل والاحتجاج على وزير العدل كلها ليست بدعا في مؤتمر المحامين.
لكن الجمعية، في شخص مكتبها، لم تسثمر حضور الوزير، وحضور رئيس الحكومة، من جهة لتؤكد ان ذلك يعكس اهمية المحامين ومكانتهم وسط الجسم القضائي ووسط المجتمع، ثم لاعطاء صورة راقية عن المهنة ومؤسساتها. واكتفت بالخضوع لاجندة الحاضرين ورهاناهم.
كما أن العروض التي شارك بها المسؤولون القضائيون الحاضرون، وحضورهم بالمناسبة عرف راسخ وليس بدعة ولا انبطاحا، كانت عروضا عادية وسردية انشائية على عكس العروض التي تقدم بها ممثلو الوزارة في ندوة القنيطرة.
4- خلاصات:
فبقدر ما عكست كثافة حضور المحامين ونقاشهم تجدر الاهتمام المهني في الجيل الجديد واختلاف مشارب المحامين وخصوصا حذرهم في ممارسة هذا الاختلاف، بقدر ما ابان المؤتمر عن ضعف المخاطب المهني وعدم قدرته عن تمثيل وجهة نظر المحامين ومكالبهم وتطلعاتهم.
لذلك فان اول ما ستصتدم به توصيات الموتمر واشغاله، هو سلبية مكتب الجمعية وعدم قدرته على الاستقواء بمحطة الموتمر في عمله.
وينسى البعض ان الموتمر عقد في غير وقته المتعارف عليه، والذي كان دائما مع اقتراب نهاية الولاية، حتى جاء السيد الرئيس السابق النقيب حسن وهبي وسطر في برنامج عمله عقد الموتمر في منتصف الولاية. وكان من دواعي اختياره، منح مكتب الجمعية فرصة تفعيل توصيات الموتمر بدل تركها على الرفوف للمكتب المقبل.
فهل سيحقق المكتب الحالي هذه الرغبة؟
وهل سيكون الموتمر دافعا للمكتب لمراجعة طريقة اشتغاله لينكب على تحقيق امال المحامين التي عبروا عنها في خمس محطات متتالية: مؤتمر الجمعية، ثم مناظرة فاس، ثم الوقفة الوطنية (والتي حضرها بالمناسبة اغلب اعضاء المكتب الحالي، ثم ندوة القنيطرة والان مؤتمر الجديدة)؟؟؟
وهل سيكف المكتب والسيد الرئيس عن توقيع شيكات على بياض لوزارة العدل والتي لاشك انها، ان كان على راسها وزير محام لفترة شهور المتبقية، فإن بها كذلك خصوم لمهنة المحاماة سيستغلون تلك الشيكات لسنة ونصف المتبقية من عمر مؤسساتنا المهنية؟
سيكون المؤشر على بعض التحول هو تفعيل مكنب الجمعية للقانون الاساسي والداخلي للجمعية وتاسيس لجنة متابعة للتوصيات الصادرة عن المؤتمر، و احياء الملف المطلبي للمحامين وتحيينه، واحياء مؤسسات ندوة الرؤساء وندوة النقباء وتفعيل الية التشاور مع الجمعيات المهنية والشبابية.
وكما تبين للزملاء المؤتمرين والمقاطعين، فإنه لا بد من التفكير، من جهة المحامين، في آلية لتنسيق الضغط على الجمعية وتذكيرها باحترام ارادة المحامين المعبر عنها في توصيات المؤتمر.
كتاب الرأي