القرار الملكي الأخير القاضي بعدم توفر الشروط الموضوعية لعقد القمة العربية بالمغرب، أعاد ملف الجامعة العربية إلى الواجهة . فالمتأمل لواقع ما يسمى "العالم العربي" سيجد بأن كل بؤر التوتر الملتهبة بالعالم توجد بالعالم العربي، لدرجة تجعل من المشروع التساؤل عن جدوى الاستمرار في خلق الوهم لدى المغاربة ب "الأخوة والوحدة العربية".
انظروا إلى اليمن" السعيد"، فمنذ الستينات وهو مسرح للاقتتال بين طوائفه وقبائله، وهو الاقتتال الذي احتد منذ 2011 إلى اليوم.
خذوا حالة العراق، الذي منذ أن دخله المقيم العام الأمريكي السيئ الذكر "بريمر" وهو يعيش فوق صفيح التفجيرات الإرهابية بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد وبين البعثيين وباقي الفصائل السياسية. وبعد أن كان العراق "زاهيا" نسبيا تحول إلى جحيم يصلى العراقيون بناره كل يوم.
لنطرح الحالة السورية التي لاتحتاج لإبراز حجم الفظاعات التي تعيشها سوريا بين الجماعات الإرهابية (النصرة وداعش مثلا) والمعارضة المعتدلة من جهة والنظام السوري لدرجة أن الإجرام المرتكب في سوريا يكاد يكون في العصر الحالي، أفظع جريمة ضد الإنسانية بعد قضية البوسنة والهرسك.
لنعرج على لبنان الذي تحول إلى عش للجواسيس و للحروب بالوكالة باسم القوى الإقليمية (إيران والسعودية بالأساس) وفقدت الدولة اللبنانية هيبتها وشرط وجودها لفائدة الطوائف: هذه دولة للدروز وتلك دولة لحزب الله الشيعي وتلك دولة السنة ورابعة دولة الكاثوليك، وهكذا ذواليك....
أما مصر فوضعها لايسر أي أحدا ، إذ بعد أن كانت "أم الدنيا" تحولت إلى "أم الفواجع" وأصبح انشغال العقل العام المصري مهووسا فقط بتتبيث سلطة الدولة بعد توالي الضربات الإرهابية وبعد تناسل حالة العصيان الإخواني، الذي ضرب الاقتصاد المصري في مقتل.
أما ليبيا فمن الأجدر أن لا نطرحها بالنظر إلى أنها من أكثر الحالات تتبعا لدى الرأي العام الوطني: فليبيا كانت تحتضن أزيد من 100 ألف مغربي نصفهم عاد إلى المغرب بعد تحلل "الدولة" هناك وضاعت كل ممتلكاتهم ومدخراتهم، والنصف الآخر من مغاربة ليبيا مازال محاصرا هناك بدون أن نلمس تحركا جديا، لا من الوزير أنيس بيرو، وزير الجالية، ولا من طرف صلاح الدين، مزوار وزير الخارجية.
في تونس الوضع أكثر هشاشة، بحيث منذ سقوط نظام بنعلي لم تنهض تونس بعد لتبني دولة قوية تواجه الإرهاب الذي تغلغل في مفاصل البلاد وتؤمن الحد الأدنى من التنمية الاقتصادية لتشغيل المحرك الاقتصادي التونسي المعطل منذ سنوات بشكل أجج الاحتقان الاجتماعي وأزم الخيارات المطروحة أمام الفاعلين السياسيين هناك.
الجزائر تبقى حالة خاصة، إذ لم يسبق في التاريخ أن تم تسيير دولة من طرف جثة، إلى أن جاءت العهدة الرابعة ببوتفليقة على كرسي متحرك ثم على سرير موصول بأنابيب الأوكسجين لضمان استمرار تنفس الرئيس.
فلسطين تحولت من قضية أمة إلى أصل تجاري يتجاذبه أنصار السلطة الوطنية وأنصار حركة "حماس".
الخليج لم يسلم هو الآخر من الهزات، خاصة في البحرين والسعودية، اللتين تضمان نسبة مهمة من الشيعة الذين يعتبرون أنفسهم مقصيين من النعمة. أما قطر فلم تستفق بعد من غيببوبة الانقلابات العائلية، فالابن انقلب على الجد وأزاحه من الحكم والحفيد انقض على السلطة وأبعد الأب. وبسب الدوخة التي وفرتها الفوائض الهائلة الناتجة عن الغاز تحولت الدوحة إلى حلبة الصراع بين العائلات الحاكمة في قطر حول من منها ينبغي أن يتحكم أكثر في الفورة المالية.
سلطنة عمان ، ما أن أخمدت ثورة ظفار حتى توجهت أنظارنخبها إلى بلاد الألمان حيث كان يعالج السلطان. ورغم العودة "السالمة" لقابوس مازالت الصراعات تتم حول من سيحكم عمان بعد وفاة السلطان.
السودان تم تقسيمه من طرف الأمريكان وبترت إدارة أوباما الجنوب السوداني المسيحي عن الشمال المسلم، كما أن السودان المسلم ليس له من هم تنشغل به البلاد سوى سلامة رئيسها المطلوب للعدالة الدولية والمحكوم عليه ب" الإقامة الجبرية" خوفا من أن يتم اعتراض طائرته كلما حلق في الأجواء الدولية.
أبعد كل هذا السرد الطافح بالدم والاقتتال والخصومات والحروب الداخلية يحق الحديث عن عرب وعروبة ووحدة الصف ولم الشمل في القمم؟ أيحق الاستمرار في بيع الوهم للمغاربة بشرعية مؤسسة الجامعة العربية التي أصبحت مثل دار الورثة التي يتطير منها الإخوة والأخوات بسبب الاقتتال حول من سيستولي على التركة؟
حسنا فعل الملك محمد السادس لما أراح المغاربة من وباء اسمه "القمة العربية.
في الصميم