لعل كل نساء البوادي يمارسن "تربية الدواجن" بشكل من الأشكال، ويجعلن من ذلك نشاطا اقتصاديا يدر عليهن مالا يدفئ جيوبهن ويقتنين منه بعض الحاجيات الخاصة لهن أو لأبنائهن تعزيزا لميزانية الأسرة..
عدا ذلك تعتبر الدواجن العائلية بالبيت القروي احتياطي من اللحم لإكرام الضيف الوافد على حين "غرة" علما أن "الكرم" خصلة لا تنازل عنها بأي شكل من الأشكال داخل الأوساط القروية المغربية. ومن هنا تكون المرأة مالكة الدواجن هي أكرم الكرماء لأنها تمنح الاستضافة عن طيب خاطر ولو من الضيق المادي فتدفئ القلوب محبة ومودة وتساهم بشكل فعال في تماسك العلاقات الاجتماعية والعائلية بمالها وجهدها ومشاعرها...
لذلك فتربية الدواجن نشاط يستحق الإشادة لأنه اقتصاد عائلي له فوائد اجتماعية جمة،وبالتالي فأي احتقار لأم فلان أو فلانة باعتبارها تمارس هكذا نشاط يزج بصاحبه في خانة العداء لشريحة واسعة من النساء المغربيات اللواتي استفاد من نشاطهن من خلال أكل الدجاج البلدي اللذيذ خلال الأعياد أو العقيقة أو غير ذلك من المناسبات الاجتماعية الجميلة...بدون أن أنسى أن الدجاج يقدم كهدايا للضيوف الوافدين من المدن، يحملونه في حقائب سياراتهم ومعه كل الحفاوة والحب والمودة التي يحيط بها القرويون زوارهم، حيث يستقبلونهم بشكل جماعي ويودعونهم بشكل جماعي ويغمرونهم بالدفء والكرم المادي والمعنوي. ومن هنا فهم يستحقون كل الإشادة والاعتراف بخصالهم الحميدة عوض الاحتقار والشتم السخيف.
وعبر هذا المقال أشكر كل أفراد عائلتي الممتدة الذين أطعموني خلال زيارتي لهم دجاجا لذيذا، وبشكل خاص نساءهم الرائعات اللواتي يتقن صنع الطواجين والكسكس والرفيسة... بنكهة الدجاج المحلي ذي النكهة البيولوجية الباذخة بالفوائد الغذائية التي لا علاقة لها بالدجاج الصناعي الهجين...الخ.
في سطح منزلنا العائلي قن للدجاج البلدي به ديك رومية ودجاج بلدي وديك يؤذن كل فجر بصياح رائع يحتفي بالصباحات القادمة ببهجة وعنفوان، وعادة ما يكون يومي رائعا عندما أستفيق على هذا الصياح وصوت أجنحته ترفرف بفرح أعلانا ليوم قادم...
أول نشاط تقوم به والدتي بعد صلاة الفجر والابتهال لله هو إطعام "الدجاج بالسطح وتنظيف مكانهم قبل إطعام العائلة.
وعليه تكون والدتي معنية "بالاحتقار" الذي زفه الصحفي الشهير بشكل مجاني لأم أحد السياسيين باعتباره ابن مربية الدجاج.. ومن خلالها لشريحة واسعة من الأمهات المغربيات الرائعات...
أفتخر بأن أمي ربت 9 أبناء وبنات تربية سليمة وعددا من الأحفاد، وربما المئات من الدجاج خلال حياتها، أطعمت بهم ضيوفها وأبناءها، وصنعت منها أطباق الرفيسة أو الكسكس أو الطواجين البالغة اللذة.
وشتان بين من يصنع الحياة ومن ينتج أو يعيد إنتاج القيم السخيفة كالاحتقار والاستعلاء والمس بكرامة ناس لا ناقة لهم ولا جمل في صراعات السياسة ومكرها الخبيث.
كل الامتنان لمربيات الدجاج والبشر والعقول...
شخصيا، لو كان لي سكن يسمح بتربية الدواجن لكنت ضمنهن لأن من يرعى الحياة في أبسط مخلوقات الله يساهم في صناعة الحياة بأصالتها وتلقائيتها.. وأكاد أجزم بأن من يمارس هكذا أنشطة يعالج نفسيته من شوائب الهجانة المدنية من خلال ارتباطه المباشر بالطبيعة كما هي.
ولكن...