لنقرأ المعطيات التالية:
أولا: منذ يناير 2015 إلى متم نونبر قام المغرب بتفكيك 37 خلية إرهابية، أي بمعدل 3.3 خلية في الشهر. (لدواعي التصنيف أدمجنا الذئاب المنفردة في خانة الخلايا الإرهابية).
ثانيا: اعتقلت السلطات الأمنية 149 شخصا متهما بالانتماء لهذه الخلايا الإرهابية.
ثالثا: لم يعد المغرب محطة «لتصدير» الجهاديين بل تحول إلى قطب جذب الانتحاريين من دول العالم، بدليل أن هناك ستة أجانب جهاديين اعتقلتهم السلطات المغربية خلال السنة الحالية يتوزعون على تركيين اثنين في خلية وجدة، وروسي واحد من أصل أذريبيجاني (اعتقل في خلية الناضور;) وثلاثة أفغانيين اعتقلوا بمراكش. بمعنى أن الأجانب الجهاديين المتورطين بالمغرب يمثلون 4 في المائة من مجموع المتهمين عام 2015، وهو رقم مفجع حيث يبرز الوثبة المهمة التي عرفها بروفيل الإرهابي بالمغرب، فبعد أن كان الأجانب يمثلون رقما هزيلا جدا في المجموع العام، قفز عددهم بين عشية وضحاها ليشكل 4 في المائة دفعة واحدة.
رابعا: ليس بالضرورة أن من قضى عقوبة حبسيية في إطار قانون الإرهاب قد يتوب أو يراجع أفكاره، إذ بينت أرقام الخلايا الإرهابية المفككة خلال عام 2015 أن حالة العود معطى ينبغي استحضاره كلما تمت دراسة الظاهرة الإرهابية، بدليل أن زعماء خمس خلايا جهادية سبق وأدينوا بالسجن في إطار قانون الإرهاب، ومع ذلك أصروا على القيام بعمليات تخريبية بالمغرب أو تجنيد الجهاديين لإرسالهم إلى بؤر القتال بسوريا والعراق على الخصوص. هذه المعطيات تنهض كحجة على أن تنظيم «داعش» يضع المغرب في رادار الإرهاب، وهو ما زكته تصريحات المسؤولين المغاربة على اختلاف مستوياتهم. هذه المخاطر تمت ترجمتها في سياسة عمومية متكاملة لمحاربة الإرهاب وهي السياسة التي أعطت أكلها في استباق الخطر ووأد الخلايا في المهد (انظر صدى المقاربة المغربية بالعالم في الصفحة 6).
صحيح أن «الدعشنة» لم تتمكن من الاستيطان بالمغرب لعدة أسباب (انظر تفاصيلها في صفحة 7). إلا أن ذلك لم يمنع من إثارة ملاحظة أساسية تتجلى في أن «الدواعش» المغاربة ينحدرون في الأغلب الأعم من شمال البلاد.
فرغم أن سرطان الإرهاب شمل مختلف المناطق المغربية سواء كانت بالصحراء أو بالجبال أو بالهضبة الفوسفاطية أو بالواجهة الأطلسية والمتوسطية، إلا أن الإحصاءات الخاصة بتفكيك الخلايا الجهادية تظهر أن الحوض الجغرافي بشمال المملكة، والممتد على شكل ثالوث من فاس إلى وجدة وطنجة، يستحوذ لوحده على 59 في المائة من المجموع العام. ذلك أن الجرد الذي قامت به «الوطن الآن» للفترة المدروسة قاد إلى وجود 44 مدينة ومركز حضري معني بتفكيك الخلايا الإرهابية (والذئاب المنفردة) إلا أن محور فاس - مكناس كان على رأس القائمة بـ11 حالة، متبوعا بمحور طنجة تطوان (10 حالات) ثم محور الريف وجدة بـ5 حالات.
وهنا يبقى من المشروع التساؤل عن سبب تصدر طنجة وتطوان وفاس ومكناس للواجهة الإرهابية كلما تعلق الأمر بخلية إرهابية وقعت في قبضة الأمن.
ففاس ومكناس ليستا مدينتين في ملك المغرب لوحده على اعتبار أنهما مدرجتان كتراث للإنسانية، واستمرار تصدر المدينتين المذكورتين للمشهد الإرهابي من شأنه أن يسيء ليس لفاس ومكناس فقط، بل وللمغرب ككل.
أما طنجة وتطوان (وهو ما عالجناه عدة مرات في «الوطن الآن») فتعتبر الشريط الأكثر استفادة من الاستثمارات العمومية في السنوات الماضية مقارنة مع باقي المراكز الحضرية بالمغرب. وكان من المنتظر أن تكون طنجة وتطوان حاضنتين للتدين المغربي وليس قاعدة خلفية لتدعيش المغرب وتصدير الجهاديين!!
الأشهر الثمانية الأخيرة من عام 2015 كانت أشهرا حبلى بالتطورات التي أدخلت المغرب إلى «نادي الكبار» في مجال المقاربة الخاصة بمكافحة الإرهاب، ويتجلى ذلك في الأضواء التي سلطت على المغرب من طرف مختلف الهيآت: سواء كانت أمم متحدة أو حكومات أوروبية أوأمريكية أو عربية. «الوطن الآن» تستعرض بعض المحطات في هذه الورقة.
30 شتنبر 2015
مجلس الأمن، ولأول مرة، يخصص اجتماعا رفيع المستوى لدراسة المقاربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، وهو الاجتماع الذي استمع فيه مجلس الأمن لعرضين: الأول ألقاه وزير الأوقاف أحمد التوفيق حول هيكلة الحقل الديني والتدين المغربي المعتدل، فيما ألقى العرض الثاني ياسين المنصوري، المدير العام لمديرية «لادجيد» والذي بين فيه حصيلة المغرب في تعقب وترصد الخلايا الإرهابية وبسط أمامهم الملامح الكبرى للسياسة الأمنية المغربية لمكافحة الإرهاب.
17 مارس 2015
المغرب يوقع مع الإمارات العربية المتحدة اتفاقية في المجال الأمني والاستخباراتي، يقدم بموجبها المغرب مساعدة تقنية في هذا الباب للإمارات العربية. الاتفاقية وقعت بحضور الملك محمد السادس وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
19 يونيو 2015
وزارة الخارجية الأمريكية تصدر تقريرا تنوه فيه بمقاربة المغرب مقارنة مع دول المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب وتشيد بالاستراتيجية المغربية الشاملة في مواجهة الإرهاب.
6 يوليوز 2015
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف يشيد بنجاعة وقوة الاستخبارات المغربية على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الإشادة الأممية بالمغرب جاءت في سياق الأشغال المخصصة لمناقشة سبل مكافحة الإرهاب بالعالم العربي
23 يوليوز 2015
المدير العام للشرطة الإسبانية «إغناسيو كوسيدو» يشيد بالتعاون الجيد مع المغرب في مجال الإرهاب، وذلك على خلفية تفكيك خلية إرهابية بمليلية المحتلة، علما أن إسبانيا اعتقلت منذ عام 2015 (إلى حدود يوليوز) 49 إرهابيا بفضل التعاون مع الأجهزة الاستخباراتية المغربية.
26 يوليوز 2015
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يحرص على أن يترأس شخصيا مراسيم ملف القبض على عصابة لتهريب 6 أطنان من المخدرات بمارسيليا وتوقيف فرنسيين اثنين وجزائري واحد. حرص هولاند على ترأس هذه المراسيم كان بغاية إعلانه الاعتراف بالمجهود الأمني المغربي الذي مكن من تعقب هذه العصابة العابرة للقارات. وفي خطابه شدد الرئيس الفرنسي على توجيه الشكر الخالص للأجهزة الأمنية المغربية بالنظر إلى أن المحجوز من المخدرات لو تم تقسيمه بالغرامات لأمكن تخدير ثلاث مدن فرنسية كبرى من حجم مارسيليا.
23 نونبر 2015
ملك بلجيكا فيليب يتصل بالملك محمد السادس يطلب منه المساعدة الأمنية في باب مكافحة الإرهاب، وهو الطلب الذي استجاب له حفيد محمد الخامس وتلاه اتصالات هاتفية أجراها ياسين المنصوري، مدير «لادجيد» وعبد اللطيف الحموشي، مدير «الديستي» مع نظرائهما البلجيكيين.
كيف بنى المغرب قبة حديدية فوق سماء «داعش»؟
رغم أنها سخرت الأموال الباهضة وخصصت الكتائب العديدة لتحقيق حكم «سيدنا» أبو بكر البغدادي في «غزو» المغرب، إلا أن ذلك لم يتحقق. ليس لأن المغرب بلد الأولياء فقط بل لأن هناك مجموعة من المتاريس المعنوية والمادية التي تنتصب «كقبة حديدية» تحمي المغرب من وباء «التدعيش» والإرهاب. وهذه المتاريس هي:
1- إمارة المؤمنين: من لم يفهم دور مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب وتأثيرها على كافة الأنساق المجتمعية يصعب عليه أن يمسك بخيوط كل التحاليل. إذ رغم انحراط العديد من القوى (استعمارية سابقا أو حزبية فيما بعد) في القيام بكل المحاولات لنسف هذه المؤسسة المحورية في المغرب، فإن ذلك لم يقدهم إلا إلى التواجد في خصومة مع المغاربة الذين يحترمون أحفاد آل البيت.
2- الأذرع الأمنية: الجاحد هو من ينكر ويبخس دور الأجهزة الاستخباراتية والأمنية بالمغرب التي أصبحت قبلة للعديد من الأجهزة الأمنية بالعالم التي يتسابق قادتها لخطب ود العقل الأمني المغربي.
3- الربيع الأصولي: إذا أسقطنا المغرب، نجد أن معظم الدول العربية أدت ضريبة الربيع الأصولي الذي حركت خيوطه دول عظمى سخرت له أموال إمارة قطر على عهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. وحده المغرب الذي استعصى عليهم زعزعة استقراره. انظروا إلى تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان (تم تقسيمه أصلا) والجزائر (التي يحكمها جثة) والعراق وسوريا ولبنان والبحرين.
4- التيار الإخواني: حاول الإخوان المسلمون جر المغرب إلى منطقة نفوذهم، ووظفوا الجزيرة القطرية و«سفرائهم» بالمغرب، إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل ولم تنفع لا شعارات «الربيع الأصولي» ولا «الربيع العربي كيتسارى» في تحويل المغرب إلى حطب جهنم.
5- التيار الوهابي: بقدر ما حاول الإخوانيون «استعمار» المغرب، كان الوهابيون يضعون المغرب نصب عينهم منذ السبعينات من القرن الماضي لتحويل المغرب إلى «إقليم» تابع ل«وهابيستان»، ولم تشفع أموالهم واستقطابهم لبعض المشايخ وتمويل جمعياتهم وكتبهم وأشرطتهم وأسفارهم وأجورهم في جعل المغرب وعاء اجتماعيا للوهابية رغم وجود بعض رموز الجمعيات هنا وهناك، إلا أن نفوذهم يشبه نفوذ «المورمون» في الولايات المتحدة.
6- التدين المغربي: منذ وفاة الرسول (ص) وما تلا حقبة الخلفاء الراشدين من صراعات واقتتال واغتيالات طالت حتى صحابة الرسول الكريم وما عاشه العالم الإسلامي من فظاعات الصراع المذهبي والتناحر الدموي حول السلطة بين الأسر والقبائل، ظل المغرب بعيدا عن «سموم الشرق» سواء في عهد الخلافة الأموية أو العباسية أو الخلافة العثمانية. فكل الدول العربية من الرياض إلى الجزائر كانت تحكم من طرف أمير بالشام أو ببغداد أو أنقرة، وحده المغرب الذي ظل يحكم من مراكش أو فاس أو مكناس أو الرباط فحصن مذهبه وعاداته وأكسب تدينه مناعة على مر الحقب.
سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين بأبوظبي وبجامعة فاس
المغرب خارج لائحة تنظيم «داعش» بفضل استراتيجية الأجهزة الأمنية
ينوه سعيد الصديقي «أستاذ العلاقات الدولية، بجامعة العين بأبو ظبي وجامعة فاس» بالمجهودات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المغربية في رصد خريطة تحركات العناصر المسلحة الموالية لتنظيم «داعش»، مؤكدا أن تركيز وسائل الإعلام على المجندين المغاربة ضمن هذا التنظيم بعود لضلوعهم في تنفيذ هجمات إرهابية في قلب أوروبا وليس لموقع هذه العناصر ونفوذها داخل التنظيم.
*منذ الإعلان عن التعاون الاستخباراتي المغربي مع دول أوربية، خاصة مع فرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا، وما رافق ذلك من ابتهاج الرأي العام المغربي للكفاءة الاستخباراتية المغربية حتى تم تداول معلومات بشأن امتعاض تنظيم «داعش» من المساعدة الأمنية التي قدمها المغرب لأوربا وتهديد دولة «سيدنا» أبو بكر البغدادي للمغرب بالانتقام منه. ما الذي جعل تنظيم «داعش» - في نظرك - يدخل المغرب في رادار التهديد؟
** رغم أن أي بلد ليس اليوم في منأى عن تهديد الجماعات المسلحة التي تنوع من أساليب تنفيذها لعملياتها الترويعية، فإنه يبدو أن المغرب لا يزال حتى الآن خارج لائحة أهداف تنظيم «داعش» لاعتبارات كثيرة، ومن أهمها أن الأجهزة المغربية استطاعت حتى الآن أن تمسك ببعض خيوط هذه التنظيمات مما يسمح لها بالقيام بعمليات استباقية تتمثل في تفكيك خلايا كثيرة موالية لهذا التنظيم في المغرب. وما كانت للأجهزة الأمنية المغربية أن تنجح في هذه الاستراتيجية الاستباقية لو لم يكن لديها بنك معلومات غني حول العناصر الموالية لهذا التنظيم في المغرب وخريطة تحركاتهم وشبكات اتصالاتهم. ومن جهة أخرى، فإن التنظيم لا يزال ينظر إلى المغرب باعتباره مرتعا خصبا لتجنيد عناصر جديدة وليس ميدانا لعملياته.
* منذ التفجيرات الإرهابية بباريز يوم 13 نونبر أعلن المغرب عن تفكيك 4 خلايا إرهابية في ظرف أسبوعين. هل يبدو لك الأمر عاديا أم ان هناك مبالغة من طرف وزارة الداخلية؟
** كما قلت سابقا يبدو أن الأجهزة الأمنية المغربية تتابع العناصر الموالية لهذا التنظيم في مختلف مراحل تشكيل هذه الخلايا حتى توقع بأكبر عدد من هذه العناصر. ولا أستبعد أيضا أن تكون الأجهزة الأمنية تعرف مسار هذه الخلايا منذ نشأتها، ولا تلقي عليها القبض إلا في الوقت الذي تراه مناسبا، وقد تختار أحيانا وقتا معينا لتلقي القبض على عناصر عدد مهم من الخلايا حتى تحدث وقعا إعلاميا على المستويين الوطني والدولي.
* بقراءة المعطيات الخاصة بجنسية الجهاديين نجد أن السعودية وأوربا وتونس هي التي تتصدر إنتاج الدواعش، لكن المفارقة أن الإعلام الغربي والعربي لا يركز إلا على المغاربة الذين لايمثلون إلا 4 في المائة من مجموع الدواعش.لماذا في نظرك يتصدر المغاربة مانشيت الصحف العالمية عكس الجنسيات الأخرى؟
** بدأ صيت العناصر المغربية في هذه التنظيمات المسلحة يلفت نظر الغرب خلال السنوات الأخيرة بعدما استطاع تنظيم «داعش» أن يجند الكثير من الشباب المغاربة، ومما زاد من هذا الصيت السيء أن أغلب المتورطين في عمليات باريس سواء في 7 يناير 2015 أو 13 نوفمبر 2015 كانوا من أصول مغربية رغم ولادتهم ونشأتهم في أوروبا. فتورط هؤلاء الشباب من أصول مغربية في تلك العمليات المؤلمة واستمرار تهديد بعض العناصر التي استطاعت أن تنفلت من رقابة أجهزة الأمن جعلا وسائل الإعلام تسلط الضوء أكثر على المجندين المغاربة في هذا التنظيم. لذلك أرى أن سبب اهتمام الإعلام الغربي بالعناصر المغربية في هذا التنظيم يعود بالدرجة الأولى إلى تنفيذها لتلك الهجمات في قلب أوروبا، وليس لموقع هذه العناصر ونفوذها في بنية هذا التنظيم الذي لا يزال يهيمن على قيادته عناصر من جنسيات أخرى، وأما المغاربة فلا يزالون حتى الآن منفذين ومقاتلين وليسوا قياديين أو منظرين.
* ارتباطا بنفس الموضوع، نجد أن المغرب كلما أعلن عن تفكيك خلية إرهابية إلا ويثار السؤال الحارق: ما هي حصيلة هيكلة الحقل الديني وهل وزارة الأوقاف والمجالس العلمية المحلية تساير المجهود الأمني المبذول بالمغرب؟
** لا أتصور أن يكون لما يسمى هيكلة الحقل الديني دور في الحد من انتشار فكر هذه الجماعات التي تعتمد أساليب أخرى للتجنيد. والعناصر التي يستهويها مشروع هذه الجماعات لا تصغ السمع للفقهاء الرسميين ولا يقنعها خطابهم. كما أن جذور هذه الظاهرة ليس داخلية، بل هي وليدة أحداث خارجية وبعيدة جغرافيا عن المغرب. فما كنا نتصور وجود مقاتلين مغاربة وغيرهم في هذه التنظيمات أو حدوث هجمات في باريس لو حلت أزمة سوريا في بدايتها، لذلك لا يمكن حل هذه المعضلة ما لم تزل أسبابها. لذلك أتوقع استمرار هذه الظاهرة إذا ظلت أسبابه كما هي، بغض النظر عن نوعية إصلاح الحقل الدني وحجمه في الداخل.
* أعلنت فرنسا أنها ستعلق العمل بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بعد الضربة الإرهابية التي هزت باريس يوم 13 نونبر وبعد تطبيق حالة الطوارئ. هل الإجراء الحكومي الفرنسي يعد ترخيصا لشرعنة القمع وشرعنة الترخيص باستعمال الأساليب البوليسية في الضبط والمراقبة بكل دول العالم، بما في ذلك المغرب؟
** أصبحنا نتوجه اليوم نحو معادلة عكسية خاصة في الدول الغربية حيث كان قبل الموجة الأخيرة للهجمات التي استهدفت الدول الغربية يتم تقييد سلطات الأجهزة الأمنية لصالح الحرية، لنبدأ في حلقة جديدة تقيد فيه الحرية لصالح السياسات الأمنية الجديدة. وقد أثارت هذه العلاقة الجدلية بين الحرية والأمن نقاشا عاما في الغرب خلال الأسابيع الأخيرة. مأساة هذه السياسات الأمنية الجديدة التي تقيد حرية الأفراد تفترض أن سبب المشكلة هو داخلي، وبأنه بإعطاء مزيد من الصلاحيات لمختلف أجهزة الأمن، سيعزز أمن الدول والأفراد. والحقيقة غير ذلك، وهي أن العالم أصبح مترابطا فيما بين مكوناته ترابطا مركبا، ولا تستطيع أي دولة -لاسيما المنخرطة مباشرة في الحرب ضد هذه الجماعات- أن تنعم بالأمن والاستقرار، ما لم تحل الأزمات السياسية في هذه البلدان التي تشكل مرتعا لنشاط هذه الجماعات.
* فجأة انتبهت دول العالم إلى حاجتها إلى مساعدة المغرب في المجال الاستخباراتي والديني. كيف تفسر صحوة العديد من الدول نحو المغرب؟ وما الذي يمكن ان يجنيه المغرب من عوائد بفضل ها التحول؟
** لقد أظهرت المعطيات المهمة التي يفترض أن يكون المغرب قدمها لفرنسا ولبلجيكا أهميته في مساعدة هاتين الدوليتن وغيرهما من الدول الغربية في حماية أمنها. ويستمد المغرب هذه الأهمية من خبرة أجهزته في هذا المجال، واختراقها لهذه الجماعات سواء داخل المغرب أو في ساحات المعارك في سوريا والعراق أو في صفوف الجالية في أوربا. وسيستفيد المغرب بالتأكيد من هذا التعاون على المستويين السياسي والاقتصادي. ومن محاذر هذا التعاون الأمني أن يظل في إطاره الظرفي الذي تستدعيه الهجمات التي تنفذها عناصر الجماعات المسلحة في بعض الدول الأوربية التي تلجأ إلى المغرب لتقديم بعض الخدمات الأمنية.