دأبت «الوطن الآن» في بداية عطلتها الصيفية على إهداء قرائها عددا خاصا تنتقي فيه المواضيع الساخنة التي سبق نشرها على مدار العام، وهو «حصاد» من أهم المقالات السجالية، نقطف فيه من كل بستان زهرة لنضع بين أيديكم العناوين البارزة التي نشرتها «الوطن الآن». هذا العدد «الصيفي» لن نخرج عن هذا التقليد الذي تعود عليه قراؤنا الذين سيجدون فيه «طبقا» دسما من مقالات متنوعة حول مواضيع مختلفة. وبالمناسبة، نغتنم هذه الفرصة لنتمنى لقرائنا الأوفياء ولكل الذين وضعوا ثقتهم في «الوطن الآن» بداية عطلة سعيدة، ونضرب لهم موعدا مع بداية شهر شتنبر نجدد فيه اللقاء والوفاء لخطنا التحريري..
هل يعيد محمد السادس سيناريو «حرب الرمال» ويجتاح الجزائر؟
ثلاثة اعتبارات كانت لابد أن تدفع النظام الجزائري إلى البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي تعيشه الطبقة الحاكمة هناك عملا بمبدإ تصدير الأزمة إلى الخارج، الذي هو المغرب بحكم الاشتراطات التاريخية الجيو ستراتيجية:
* الأول: وضعية الرئيس الحي- الميت الذي يحكم الجزائر منذ شهور، وهو على كرسي متحرك، مع ما يستتبع ذلك من تجاذبات الخلافة، ضمن نسق سياسي مغلق لا يريد العسكر الجزائري أن يفوض السلطات فيه إلى الاختيار الديمقراطي.
* الثاني: حالة الشلل التي تطبع الجزائر ضمن محيط إقليمي تهدده وضعية تفتت الدولة في ليبيا، وعدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، وما ينتج عن المنطقتين من مخاطر تدويل العمل الإرهابي الذي يمس مباشرة جنوب الجزائر.
* أما الاعتبار الثالث فيهم الوضع الداخلي بالجزائر الذي يتسم بانحسار الأفق العام، على إيقاع الصراع القبلي العرقي في منطقة غرداية، وبتأثير المعطى الجديد في الحياة الجزائرية ممثلا في انتفاضة رجال الأمن، وهو أمر غير مسبوق حتى في الدول التي عرفت أكبر الاحتجاجات ضمن ما يعرف بـ «الربيع العربي». ولأن الحاكمين هناك لا يملكون مخارج ديمقراطية لتدبير هذه التجاذبات، فقد كان لا بد أن يصطنعوا أزمة ما في الجوار المغربي، تماما كما هو دأب السياسيين الجزائريين كلما انغلقت أمامهم اختيارات الداخل.
في هذا الإطار أقدمت عناصر الجيش الجزائري، يوم السبت 18 أكتوبر 2014، على إطلاق الرصاص على مدنيين مغاربة بالشريط الحدودي على شمال غرب مدينة وجدة بحوالي ثلاثين كلمترا وإصابة المواطن رزق الله بجروح بليغة في وجهه. الأمر الذي دعا السلطات المغربية، في اليوم ذاته، إلى إصدار بيان تعرب فيه عن أدانتها للحادث الذي عرض حياة أحد المواطنين إلى الخطر المحدق، وإلى استدعاء السفير الجزائري لاستيضاح الأمر.
بعد ذلك بيوم واحد، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا في الموضوع تؤكد فيه أن الحادث مبالغ فيه، وأنها ترفض ما رأته «تقديما مغلوطا» للوقائع، على اعتبار أن عناصر الحدود الجزائرية كانت قد «تعرضت إلى استفزاز مهربين مغاربة ردت عليها الشرطة بإطلاق الرصاص في الهواء»، متنكرة لما جرى على الأرض، وللأثر المادي لفعل إطلاق الرصاص. وبعيدا عن هذا التفسير المعلق أصلا في الهواء، تجدر الإشارة إلى أن واقعة مماثلة كان قد شهدها الشريط الحدودي في فبراير 2014. وقد كانت هي الأخرى مرتهنة بالتباسات الصراع داخل الحكم هناك.
إن خطورة ما يجري على الحدود لا تكمن فقط في تواتر هذه الأعمال العدائية المتكررة تجاه السيادة المغربية، وتجاه مواطنينا العزل، ولكن كذلك في طبيعة رد الفعل المغربي تجاه هده الانتهاكات.
من الواضح أن المغرب، باختياره هذا النوع من ردات الفعل، يكون منسجما مع سياسته الخارجية القائمة على إعطاء الأولوية إلى مبدإ حسن الجوار، وإلى استحضار حب الشعب الجزائري للمغرب والمغاربة وذلك من موقع احساسسه بمسؤوليته في إخماد كل عوامل الاحتقان، تقديرا للعلاقات الأخوية الرابطة بين الشعبين، واستحضارا لهشاشة الوضع الإقليمي الذي لا يمكنه أن يتحمل فائض الأزمة أكثر مما هو الوضع متازم أصلا. ومع ذلك فالمغاربة لا يمكن أن يقبلوا أن يتم دائما تلبيسهم وضع الضحية كضريبة لعقيدة المسؤولية، ولشعور الإيمان بالأخوة وبالتاريخ. ولذلك يرى كثير من المحللين أن استمرار المغرب في تبني هذا الموقف المتوازن في العلاقة مع حكام الجزائر لن يزيد هؤلاء سوى تعنتا مضاعفا هو أول وآخر ما يملكونه في سياق الجزائر الملتهب.
إن استدعاء السفير الجزائري لن يكون له من أثر ملموس ما لم ترافقه إجراءات دبلوماسية تنقل التحرش الجزائري المستمر إلى المنتظم الدولي. وبموازاة ذلك الرفع من درجات التصعيد من قبيل المبادرة بتعليق العلاقات الثنائية على سبيل المثال وإبعاد سفير الجزائر وإرجاع سفير المغرب من الجزائر.
إن النظام الجزائري المغلق لا يؤمن سوى بسياسات مغلقة تحيا على كرسي متحرك. والمغرب لا يمكن أن يظل ضحية هذا الانغلاق. ولذلك سيكون من المفيد أن نتساءل: لماذا لا يفكر المغرب في «فركَعة» هذه الرمانة، عملا بالمثل المغربي الأصيل «كبرها تصغار».
إننا لن نخسر شيئا أمام خصم يخسر يوميا مصداقيته التاريخية، ويسعى العسكريون داخله إلى أن يبددوا ثقافة الجوار وتاريخية المشترك بيننا، بعد أن بددوا ثروات الشعب الجزائري.
وزير صاحب الجلالة مكلف بالعدو الجزائري
واهم من يعتقد أن عدم إطلاق أي رصاصة منذ عام 1991 معناه أن المغرب ليس في حالة حرب. فالحرب ليست بالضرورة تقليدية (Conventionnel) بما تقتضيه من مواجهة مباشرة بين جيشي المغرب من جهة والجزائر والبوليزاريو من جهة ثانية، بل الحرب حاليا تتخذ أشكالا أفظع وأخطر. إما بإغراق وإرشاء المنظمات غير الحكومية الدولية بالدولار من طرف الجزائرلتعبئتها ضد المغرب وإما بتأطير وتموين العصابات الإجرامية على يد الآجهزة الجزائرية لإغراق المغرب بالقرقوبي وبالمخدرات القوية (انظر الصفحة: 9).
هذا المعطى (أي وجود عدو مزعج شرق المغرب) يتطلب تغييرا في منهجية التعامل بما يمكن المغرب من كل المعطيات والمعلومات حول الجزائر. إذ لا يعقل أن يبقى المغرب مكتوف الأيدي في كل محطة دولية (دورة حقوق الإنسان بجنيف، أو دورة أبريل بمجلس الأمن الدولي كمثال) يقوم برد فعل دفاعي بدل أن يكون السباق في الهجوم ومباغتة الجزائر.
لايعقل أن لا يتوفر المغرب الرسمي على إطار مؤسساتي مختص في الجزائر يتولى جمع كل ما يهم العدو الشرقي: من خروقات حقوق الإنسان وأعطاب التنمية وحالات الفساد ومراكز القوة ومراكز الضعف هناك، وتوزيع مراكز القرار والنفوذ، والعائلات الحاكمة هناك وجيوب الفقر ومراكز الثراء الفاحش ومعرفة أصدقاء المغرب وأعداء المغرب داخل الطبقة السياسية والحزبية بالجزائر، ورصد الجمعيات الحليفة والمناوئة للجزائر بمختلف دول العالم لكسب ود حلفاء عدو المغرب وتعزيز الثقة مع أعداء الجزائر بالعالم.
لا يعقل أن يختار المغرب عن طواعية وإرادة الانفتاح على ميكانيزمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويدفع ثمن هذا الانفتاح باستغلال عثرات أو عيوب متفرقة وفردية لتشويه صورة المغرب من طرف الجزائر وحلفائها، بينما المغرب لا يتوفر على أي خلية لضبط كل الانتهاكات الجسيمة التي تقع بالجزائر ودراسة مدى تفاعلها مع الميكانيزمات الأممية لاستغلالها في إحراج الجزائر وإلهائها.
لا يعقل أن يتوفر المغرب على 53 مؤسسة جامعية (معهد ومدرسة وكلية) ولا توجد خلية من الأساتذة والباحثين في الحرم الجامعي تضع الجزائر تحت رادار المراقبة في كل ما يجري بها (سياسيا واقتصاديا وعمرانيا ورياضيا وجغرافيا ومائيا وفلاحيا وصناعيا ومعدنيا إلخ... حسب تخصصات المعاهد والكليات).
لا يعقل أن يتوفر المغرب على 9 قنوات تلفزية وحوالي 700 جريدة ومجلة ولا تتوفر هذه المؤسسات الإعلامية على مكتب بالجزائر لمد القارئ والمشاهد المغربي بالمعطيات عما يمور بالجزائر بعين وبزاوية نظر مغربية تنتصر للطرح المغربي بذكاء ودهاء.
لا يعقل أن المغرب، حينما كان حديث العهد بالاستقلال، خلق وزارة خاصة بالصحراء وموريتانيا، مكلفة بتدبير ملف الأقاليم الجنوبية والمطالبة باسترجاع موريتانيا، في حين أن المغرب اليوم لما اشتد عوده ونضجت مؤسساته والتحمت أطرافه لم يفكر في خلق هندسة مؤسساتية مختصة في الجزائر، وفي الجزائر فقط.
فنحن كإعلاميين نعاين أن الحكومة الحالية، وتلك التي سبقتها، كانت تضم وزارات باهتة لا دور لها في المجتمع ولا قيمة مضافة حملتها للمغاربة، اللهم التهام وزرائها ودواوينهم وحاشيتهم للملايير كل سنة (أجور، تعويضات، تنقلات خارج الوطن، محروقات، سيارات، امتيازات...)، والأمثلة لا تعدمنا لإعطاء أسماء الوزارات »الزائدة« بحكم أن المقام لا يسمح الآن بذلك.
لقد حان الوقت، لخلق رعشة قومية جديدة في دم المغاربة (على شاكلة الرعشة التي عشناها في عام 1975 لما نظمت المسيرة الخضراء). ونظن أن مجرد إحداث »وزارة خاصة بالجزائر في حكومة صاحب الجلالة« سيحدث انقلابا في منهجية التعامل وسيكون ميساجا للعدو الشرقي بأن الحرب بين المغرب والجزائر لم تنتهي. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (صدق الله العظيم).
باسم الأخوة وباسم الدين.. اقطعوا العلاقة مع حكام الجزائر!
مرت على ميلاد الجزائر كدولة 52 سنة، إذ حصلت على استقلالها عام 1962. ومنذ ذاك التاريخ إلى اليوم ظلت القاعدة في علاقة المغرب والجزائر هي الجفاء والحدود المغلقة، بينما الاستثناء هو فتح الحدود.
فمن خلال جرد لهذه العلاقة نجد أن الميزانية الزمنية لـ «الأخوة المشتركة» بين الدولتين لم تتعد 11 سنة في حين مثلت القطيعة بين البلدين 41 سنة. أي أن الجفاء يمثل 77 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر.
فبعيد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 سرعان ما دب الخلاف مع المغرب بعد نشوب حرب الرمال عام 1963 ودام الجفاء إلى عام 1969 بمناسبة القمة الإسلامية، حيث لم يدم الانفراج سوى 3 أعوام إذ أدت الأحداث المسلحة بمولاي بوعزة (إقليم خنيفرة) عام 1973 إلى توتر وإغلاق الحدود. بعدها بعام وقع انفراج على هامش قمة 1974، إلا أنه انفراج كاذب، لأن حرب الصحراء (1975) ستقود من جديد إلى إغلاق الحدود في عهد بومدين. وهو الإغلاق الذي دام إلى حدود 1989 تاريخ لقاء المرحوم الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بنجديد وما تلاه من إعادة فتح الحدود.
لكن هذه العملية بدورها لم تدم سوى 5 سنوات. حيث سرعان ما أعيد إغلاق الحدود عام 1994 بعدما تورطت الجزائر في الأحداث الإرهابية بفندق أطلس أسني بمراكش وإصابة سياح أجانب على يد مجموعة إرهابية ممولة ومدربة من طرف الجزائر. ومنذ ذاك التاريخ ظلت الحدود مغلقة وظل الجفاء رمزا للعلاقة بين البلدين. وهو ما يعني أن «زمن الأخوة المشتركة» و«زمن العروبة» لم يدم سوى 23 في المائة من عمر العلاقة بين المغرب والجزائر منذ عام 1962 إلى اليوم.
إذا كان الأمر كذلك، فباسم «الأخوة» وباسم «الدين» وباسم «التاريخ المشترك» وباسم «المصير المشترك» وباسم «اللغة» وباسم «الجوار» وباسم كل قواميس اللغة الخشبية الني تنهل منها حكومات البلدين تعابير البلاغات والرسائل، يحتاج المغاربة من حكومتهم إلى قرار يحدث رجة ويضع حدا لهذا النفاق الديبلوماسي. ولن تحدث تلك الرجة إلا إذا أدار المغرب نهائيا ظهره للجزائر وحسم مع ذاك الوهم الذي ما زال يروجه البعض من أن مصير المغرب »رهين« بمصير الجزائر.
فها هي كوريا الجنوبية لم تحقق إقلاعها إلا حين فجرت «الدمالة» مع كوريا الشمالية وأعلنت حكومة سيول القطيعة النهائية مع ديكتاتورية العسكر في بيونغ يانغ، لدرجة أن كوريا الجنوبية أصبحت اليوم - وفي ظرف ربع قرن- هي القوة الاقتصادية رقم 12 في العالم.
فقد جربنا أطروحة اليساريين في الستينات والسبعينات مع الجزائر ولم نربح من هذا الطرح سوى استقواء الجزائر بفصيل مغربي ضد الحكم وخلق جبهة البوليزاريو. وجربنا النموذج الإسلاموي في الثمانينات والتسعينات مع الجزائر ولم نربح من ورائه سوى تصدير الإرهاب نحو المغرب والتطرف وميلاد العديد من التنظيمات التكفيرية.
فلنجرب، إذن ولو خلال عشرية واحدة، نموذج كوريا الجنوبية في علاقتنا مع الجزائر، فلربما قد نربح رؤية تنموية مندمجة تؤهل المغرب لتوسيع الفجوة أكثر مع جاره الشرقي. وإلى أن ترزق الجزائر بحكماء من طينة حكماء أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية آنذاك يمكن للمغرب أن يدرس إمكانية إرجاع العلاقة معها.
18 حجة مغربية لفضح تورط الجزائر في حرب القرقوبي
تبعا لتصريحات المسؤولين الجزائريين بخصوص محاربة المخدرات، ردت الحكومة المغربية بالتوضيحات التالية:
«1 - عالج المغرب دوما قضية زراعة القنب الهندي بكل شفافية وحزم، دون أية مزايدة عقيمة.
2 - اتخذت السلطات المغربية خطوات إرادية بتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من أجل تقليص المساحات المزروعة وكذا الاتجار بهذا المخدر.
3 - تم في هذا الإطار، إجراء دراسة ميدانية مشتركة مع مكتب الأمم المتحدة السالف الذكر مكنت من تقدير المساحات المزروعة بحوالي 134.000 هكتار.
4 - منذ ذلك الحين، تم بذل جهود كبيرة مكنت من تقليص المساحات المزروعة إلى حوالي 47.000 هكتار (أي ما يعادل ناقص 65 %). هدفنا على المستوى القريب جدا هو تقليص هذا المساحة إلى أقل من 30.000 هكتار.
5 - بالموازاة مع ذلك، مكنت محاربة شبكات الاتجار بالمخدرات، خلال الستة أشهر الأولى من السنة الجارية، من حجز أزيد من 100 طن من الشيرا، وتفكيك 98 شبكة للاتجار بالمخدرات.
6 - أصبحت الجهود المغربية معترف بها ويتم الترحيب بها ودفعت بدول الجوار الأورو-متوسطي إلى الانخراط فيها، مما سهل إحداث مجموعة الأربعة (المغرب، إسبانيا، فرنسا والبرتغال).
7 - بينما، تلقى جهود المغرب ترحيبا من الشركاء الجهويين والدوليين، يستمر المسؤولون الجزائريون في تفضيل الجدال حول قضية بالأهمية بمكان باعتبارها تهم أمن وصحة الساكنة.
8 - و الأنكى، انخرطت الجزائر منذ مدة في منطق توجيه اتهامات ممنهجة للمغرب. وهذا غير مفهوم فيما يخص موضوع مكافحة المخدرات، لأن الجزائر هي من تترأس اللجنة الفرعية المكلفة بمكافحة المخدرات التابعة لاتحاد المغرب العربي.
9 - بدلا من السعي إلى الدعوة لاجتماع هذه اللجنة حتى تعمل على توحيد الجهود الجماعية لبلدان المنطقة، لم تتخذ الحكومة الجزائرية أية مبادرة واختارت بدلا من ذلك نهج سلوك لا يسعى سوى إلى التنقيص من جهود المغرب.
10 - وللأسف، فإلى حدود الساعة لا يوجد أي اتصال أو لقاء أو تبادل للمعلومات بين المسؤولين الجزائريين والمغاربة. فكيف يمكن إذن، في هذه الحالة، لبلدين لا يتواصلان بينها أن يتصديا بفعالية ونجاعة لشبكات إجرامية تنشط على جانبي الحدود. في هذا الصدد، فإن التعاون المثالي مع إسبانيا، الذي حقق نجاحا معترف به جهويا، قد يشكل مصدر إلهام.
11 - هذا الموقف ينم عن خيار سياسي نابع من قناعة لدى السلطات الجزائرية تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم الذي لا يخدم سوى مصالح الشبكات الإجرامية (ليس سرا أن تهريب السجائر انطلاقا من الجزائر يبقى هو مصدر التمويل الأساسي للشبكات الإجرامية بما فيها الشبكات الإرهابية التي تنشط بمنطقة الساحل).
12 - في نفس الإطار، تظل الجزائر المصدر الأكبر للأقراص المهلوسة المعروفة بآثارها الفتاكة على صحة وأمن المواطنين.
13 - يشار إلى أن المصالح الأمنية المغربية قامت منذ بداية سنة 2014 بحجز أكثر من 143.000 وحدة من الأقراص المهلوسة.
14 - للتذكير، فإن سنة 2013 عرفت حجز أكثر من 450 ألف قرص مهلوس، مما دفع السلطات المغربية إلى تكثيف جهودها لمحاربة هذه الظاهرة الآتية من الجزائر.
15 - وحيث أن السلطات الجزائرية تعترف حاليا بصفة رسمية بتطور زراعة الأفيون بها، فإننا نأمل من هذا البلد أن يتخذ الإجراءات الضرورية من أجل تفادي اكتساح هذا المخدر للمغرب كما هو الحال بالنسبة للأقراص المهلوسة. وكما هو معروف فإن هاتين المادتين تعتبران الأكثر خطورة.
16 - ندعو أيضا السلطات الجزائرية أن تنخرط في في نهج بناء يهدف إلى محاربة الجرائم العابرة للحدود، خصوصا، الاتجار في المخدرات. وفي جميع الحالات، فإن المغرب، كدولة مسؤولة، ستبقى منفتحة في منهجيتها للتعامل مع هذه الظاهرة.
17 - وكبلد عريق، فإن المغرب يطمح إلى العيش في ظل مناخ يتسم بالتفاهم والسلام مع جيرانه ولن يدخر جهدا في سبيل مد يده نحو كافة الشركاء بالمنطقة دون استثناء وذلك من أجل العمل سويا على ضمان استتباب الأمن والسكينة لفائدة شعوب المنطقة.
18 - ونطمح أن يجد هذا النداء آذانا صاغية لدى المسؤولين الجزائريين.».
حبة جزائرية من القرقوبي تساوي جريمة عنف
تكشف القراءة التحليلية للمؤشرات الرقمية الخاصة بظاهرة الاتجار في الأقراص المخدرة عن مجموعة من النتائج والمعطيات المهمة التي يمكن استخلاصها انطلاقا من الأرقام المقدمة، والتي نستعرضها على الشكل التالي: أن حجز أكثر من 458.176 قرصا مخدرا في حوالي 13 شهرا، معناه نجاح المصالح الأمنية في إجهاض رقم مماثل من الجرائم، لأن كل قرص مخدر يعني جريمة مرتكبة. وبمعنى أدق، فإن تعاطي قرص واحد يؤدي بالضرورة، وكنتيجة حتمية، إلى اقتراف جريمة معينة قد تختلف من حيث الخطورة والنعو. فالمتعاطي قد يعمد إلى السرقة بالعنف أو القتل أو العنف في حق الأصول أو ارتكاب شغب الملاعب أو زنا المحارم أو اغتصاب أو هتك عرض أو إلحاق خسائر مادية جسيمة بممتلكات العائلة أو الأغيار إلخ.
أن تسجيل مصالح ولاية أمن الرباط لأكبر عمليات الحجز في إطار قضايا ترويج الأقراص المهلوسة، بنسبة بلغت 288.850 قرصا مخدرا، أي أكثر من نصف المحجوزات على الصعيد الوطني. ليس معناه أن مدينة الرباط هي أكبر «سوق» وطني لهذه التجارة غير القانونية، وإنما معناه أن مجموعة من مسالك التهريب الوطنية والدولية تتقاطع بمدينة الرباط! وبتعبير أكثر وضوحا، فإن شبكات التهريب القادمة من الحدود الشرقية للمملكة غالبا ما تجند مهربين يعمدون إلى نقل شحناتهم إما عبر القطار أو حافلات النقل الطرقي انطلاقا من مدينة وجدة في اتجاه مدينة الرباط قبل الانتقال إلى باقي المدن المستهدفة. ولعل هذا ما يفسر تسجيل أغلب عمليات الحجز إما بجوار المحطة الطرقية (القامرة) بالرباط أو بمحاذاة محطة القطار بالعاصمة الإدارية للمملكة.
تمكن مصالح ولاية أمن وجدة من توقيف 196 مهربا للأقراص المخدرة، وضبط 13.960 قرصا مهلوسا. مما يعني حلولها في المرتبة الثالثة بعد الرباط والدارالبيضاء، له مدلول واحد وهو أن مسالك التهريب تنطلق من الحدود الشرقية للمملكة في اتجاه الرباط والدارالبيضاء. ويعزز ذلك معطى أساسي مؤداه أن الصنف الأكثر حجزا بالمغرب غير مرخص بتصنيعه وطنيا لأغراض صيدلانية وإنما يتم تهريبه من الخارج.
ردا على اتهام المغرب بـ «نهب الثـروات» بالأقاليم الجنوبية
هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء
ما هي فاتورة استرجاع المغرب للمنطقة الجنوبية؟ ما هو الثمن الذي أداه المغرب منذ استرجاعه لمنطقة الصحراء؟ وهل هناك بالفعل استغلال لثروات هذه المنطقة دون أن ينتفع بذلك سكانها؟
هذه الأسئلة قد تبدو مستفزة، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان أن توحيد الأرض واسترجاع أجزاء من الوطن من أيدي الاستعمار لا نقاش بحساب الربح والخسارة كأي صفقة تجارية. ولكن الحقيقة هي أن إعادة إدماج أطراف من البلاد تم استرجاعها بعد فترة من الاستقلال الرسمي هي عملية لها ثمن. وهذا الأمر لا يخص المغرب لوحده. بل وقعت تأدية ثمن هذه العملية في عدد من البلدان التي اضطرتها الظروف التاريخية للقيام بنفس ما قام به المغرب لإعادة تجميع أطراف كانت خارجة الوحدة الوطنية من قبل.
فألمانيا، أو بشكل أدق قسمها الغربي (ألمانيا الفيدرالية سابقا)، أدت ثمنا باهظا لإعادة لم شمل الألمانيتين الشرقية والغربية. وهذا الثمن كان هو 2000 مليار أورو، دون احتساب نتائج الوحدة الألمانية على الأوضاع الاقتصادية في أوربا. هذا الثمن يمثل في جزئه الأكبر، أي % 65 المساعدات التي تم منحها لجهات ألمانيا الشرقية سابقا.
عندما استرجع المغرب منطقة الصحراء في سنة 1975، كانت الأوضاع الاقتصادية والتجهيزات التحتية والخدمات في هذه المنطقة في مستوى متدن، وكان من الضروري بذل جهد مالي كبير لتحسين الأوضاع حتى تلتحق الساقية الحمراء وواد الذهب بمستوى التطور الذي عرفته باقي مناطق المغرب وحتى يتحقق لهذه الجهة شرط الإندماج في النسيج الوطني. ومنذ ذلك التاريخ وحتى حدود نهاية العشرية الأولى من سنوات 2000 وصل المجهود المالي المقدم إلى 1200 مليار درهم و%3 من الناتج الداخلي الخام السنوي للمغرب.
الفرق بين الحالة الألمانية والمغربية وبين ما صرفته كل دولة لإعادة إدماج جزئها المسترجع يتلخص في ملاحظتين اثنتين:
1 - على عكس شرق ألمانيا الذي كان يتوفر على مقومات اقتصادية وبنية تحتية وفيرة، منطقة الصحراء حين سلمها الاستعمار للمغرب كانت ضعيفة البنية التحتية، بل في معظم مناطقها، كانت هذه البنية منعدمة تماما. فالطرق التي هي شريان الحياة لم يكن يتجاوز طول شبكتها 70 كلم في 1975. وهي الآن تتعدى 9457 كلم، وتغطي الجهات الثلاث التي تكون هذه المنطقة. والتعليم الذي هو عصب بناء الإنسان كان محدودا جدا. فمثلا بالنسبة لشهادة الباكلوريا، عرفت الفترة السابقة (ما بين 1960 و1975) تخرج 3 أشخاص هم الحاصلون على شهادة الباكلوريا في كل هذه الفترة على مستوى الصحراء. وهؤلاء حصلوا على شهادة الباكلوريا، بعد ذهابهم لإتمام دراستهم الثانوية بإسبانيا.
بعد 1975، كان من الضروري بناء المؤسسات التعليمية غير المتوفرة، وتغطية كل أقاليم المنطقة في هذا المجال. ولهذا لم تتخرج أول دفعة من خريجي شهادة الباكلوريا بالمنطقة إلا في سنة 1987.
2 - ألمانيا الدولة الصناعية المتقدمة لم تكن في حاجة إلا إلى تقديم مجهود على مستوى تطوير المقومات الاقتصادية لألمانيا الشرقية وتحسين ظروف العيش والوضعية الاجتماعية للسكان في جو من السلم والأمان. بينما المغرب دولة العالم الثالث كان في حاجة إلى تقديم جهد حربي بالإضافة إلى مجهود بناء البنيات التحتية والمقومات الاقتصادية والإنسانية للمنطقة المسترجعة. وهذا زاد من عبء وحجم الفاتورة.
وقد وضع المغرب هذا التحدي بالتضحية التي قبل المغاربة القيام بها على حساب قدراتهم الشرائية ومستوى عيشهم للسماح بتنمية منطقة الصحراء وحماية الوحدة الوطنية والترابية. هل مكنت هذه التضحية من الوصول إلى الأهداف المسطرة؟ كيف تم تصريف الجهد المالي الذي تم رصده لمنطقة الصحراء؟ التقرير الذي قدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أمام جلالة الملك في أكتوبر2013 يقول إن مفعول الإطار التحفيزي والنفقات العمومية على القطاع الخاص في هذه المنطقة بقي محدودا ولم يسمح بتحقيق إقلاع اقتصادي في الجهات الجنوبية. وبسبب هذه المحدودية بقي مستوى البطالة مرتفعا بالمقارنة مع المعدل الوطني (15 %من منطقة الصحراء مقابل 9%على المستوى الوطني).
لكن هذا التوصيف الذي يحلل الأوضاع في أفق وضع النموذج التنموي المستقبلي لمنطقة الصحراء: يجب أن لا ينسينا أن الهدف الأول للمجهود المبذول على مدى أربعين سنة. هذا الهدف كان هو محو آثار مخلفات الاستعمار وقد تحقق هذا الهدف.
فقد أصبحت المؤشرات المتعلقة بالتربية والصحة وتراجع الفقر وتحسين الخدمات والبنيات التحتية في منطقة الصحراء هي الأعلى على المستوى الوطني.
السياسة الإنمائية قد اعتراها الكثير من المشاكل ومردودية ما تم صرفه من استثمار قد تكون أقل من حجم الأموال التي صرفت، ولكن الأكيد هو أن المجهود المبذول قد سمح بتغيير وضعية الضعف والتهميش التي كانت تعرفها ظروف العيش في منطقة الصحراء.
فهذه المنطقة تبوأت المركز الأول وطنيا على مستوى مؤشرات الصحة وإنجاز البنيات التحتية كإنجاز موانئ ذات مستوى رفيع ومطارات بمدن الصحراء الرئيسية، وقد عرفت المنطقة أيضا تمدنا هو الأعلى وطنيا، فنسبة الكسان الحضريين في المنطقة تبلغ 74% مقابل 60 % في باقي جهات المغرب. الطفرة المنشودة قد تحققت بالنسبة لشروط الحياة في هذه المنطقة التي كان معظم سكانها قبل 1975 يعيشون في البادية.
ولكن لماذا نواجه وضعية متوترة برغم حصول هذه الطفرة على الخصوص على المستوى الاجتماعي الذي يشكل المجال الذي حصلت فيه منطقة الصحراء على امتيازات لا توجد في المناطق الأخرى؟
الجواب على هذا السؤال هو بالضبط ما يقدمه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. حين يلاحظ أن الشروط التي أسست للنموذج الذي تم نهجه خلال الأربعين سنة السابقة لم تعد قائمة. بل إن إعمال هذا النموذج السابق بماله وما عليه هو بالضرورة الذي غير سواء بما أنجز أو بالأهداف التي حققها معالم الظروف التي كانت قائمة ووصل إلى نهاية صلاحيته، وبالتلي أنتج شروط ومطلب استنباط نموذج جديد يتجاوز التأثيرات المعاكسة لما سبقه ويجيب على الاشكالات الجديدة المطروحة ويكون مرافقا للدينامية التي أطلقها اقتراح المغرب في سنة 2007 للحل السياسي، أي مشروع الحكم الذاتي.
فالمغرب وبشكل عام، وساكنة الصحراء بشكل خاص، يرفضون مواصلة حالة الجمود التي يريد الطرف الآخر الجزائر والبوليساريو بأي ثمن المحافظة عليها.
فحالة الجمود هي في الحقيقة كل ما تبقى لاستراتيجية لهذا الطرف الذي أفلست كل خططه السابقة بفعل التحولات التي عرفتها المنطقة والعالم، إذن فاستراتيجية الحركة والالتصاق بواقع التحولات التي يعرفها العالم التي يطبقها المغرب لم يعد بالإمكان مواجهتها بالنسبة للطرف الآخر إلا باستراتيجية الجمود (Statut quo) ولكن يجب أن لا نسمح لهذه استراتيجية بالنجاح، لأنها في نهاية المطاف لن تنتج إلا تأزيم أكبر للوضع في كل المنطقة المغاربية وفي الساحل ومزيد من المعاناة لشعوب المنطقة كلها.
الصحراء في أرقام الصحراء
تمتد على مساحة 416.474 كلم مربع أي ما يمثل 59% من التراب الوطني ساكنة الصحراء تشكل 2% من سكان المغرب وتبلغ 1.028806 نسمة (باحتساب كلميم وأسا الزاك) ساحل الصحراء يمثل 40% من ساحل المغرب (1500 كلم من أصل 3500 كلم) 3580 كلم من الطرق أنجزت بالصحراء منذ استرجاعها البطالة في الصحراء تصل إلى 15 في المائة (9 في المائة بباقي التراب الوطني) 41% من حاملي الشهادات بالصحراء معطلين
* في عام 1975 كان عدد الصحراويين المرتبطين بشبكة الكهرباء يعد على رؤوس الأصابع، وفي عام 1985 وصل العدد إلى 19.915. ثم قفز الرقم إلى 211560 عام 2006 (ارتفاع بنسبة 963 في المائة).
* كلف الاستثمار في التجهيزات التحتية الكهربائية (وسائل التوزيع فقط) في الصحراء مبلغا قدره 620 مليون درهم بين 1976 و2006 (منها 220 مليون درهم للمحطة الحرارية بالعيون). * الماء، ذلك المورد المفقود في الصحراء، ابتلع لوحده ما بين 1975 و2006 ما قيمته 1624 مليون درهم لتزويد العيون وبوجدور وطرفاية والداخلة والسمارة بالماء الصالح للشرب.
* في مجال التعمير هناك ثلاث محطات أساسية لإعمار الصحراء: - من 1979 إلى 1991 شملت تهيئة بقع استفادت منها 4400 أسرة. - 1996-2005: استفادت 10,100 أسرة - 2008-2010 : تهيئ 68 ألف قطعة اسفرت عن إنتاج 124 ألف وحدة سكنية بكلفة 4,5 مليار درهم. أهمها بالعيون التي عرفت فتح 1000 هكتار لإيواء ساكنة المخيمات (10 آلاف براكة كانت تضم 50 ألف نسمة).
المواصلات السلكية واللاسلكية
شكلت الاستثمارات المتعلقة بقطاع المواصلات السلكية واللاسلكية أداة لتحقيق تنمية الجهة، حيث مكنت من تحديث وتقوية الشبكات في المنطقة. حيث وصل مجموع تجهيزات منصات الصوت، مثلا، إلى 89029 منصة موزعة على جهات الصحراء. كما عرفت المنطقة، منذ استرجاعها، إنجاز عدد من المشاريع همت على الخصوص وضع مراكز للهاتف الرقمي بطاقة إجمالية تصل إلى 43.350 تجهيزا مستخدما و30.000 مشترك.
الكلفة السياسية للصحراء
في خمس أقاليم صحراوية خصصت الدولة 17 مقعدا برلمانيا (العيون، بوجدور، أوسرد، الداخلة والسمارة)، وفي الجماعات التابعة لهذه الأقاليم خصصت 522 مقعدا بينما لم تخصص للدارالبيضاء سوى 147 مقعد ولوجدة 118 وإنزكان 152 مقعد. علما أن جماعات الصحراء تعطي 31 مقعدا بالغرفة الثانية منهم 21 قادم من الجماعات، بينما فاس ذات 2.5 مليون نسمة لا تنعم سوى بـ 15 عضوا منهم 10 برلمانيون قادمون من الجماعات المحلية.
مجرد سؤال
لم نسمع طيلة 38 سنة عن لاعب صحراوي أو مغني صحراوي أو مصلح صحراوي فعوض أن نقتصر على صرف الملايير في الطرق والقناطر كان الأولى أيضا الاستثمار بكثافة في قنوات التواصل والاندماج الاجتماعي. فهل ستتكلم القناطر لتصدح بالمغرب؟ ولماذا لا تتم عملية تبادل الزيارات بين الطلبة من الشمال إلى الجنوب والعكس صحيح، بل حتى المحاولات الفردية تصطدم بغلاء التذاكر، وكأن الدولة تخاف من أن الشماليين سيغسلون دماغ الجنوبيين، وبأن الصحراويين سيغسلون دماغ الشماليين.
نعم، لسنا السويد لكن أيضا لسنا الجزائر
حين نقرأ بعض تقارير الهيئات الحقوقية أو المتابعات الإعلامية المتعلقة بتطورات واقع حقوق الإنسان في المغرب نصعق إلى درجة الغثيان، لا لأن الوقائع المدرجة بخصوص هذا الواقع، وما يكتنفه من حديث عن خروقات تهم منع التظاهر، أو ممارسة التعذيب، أو العسف والشطط في استعمال السلطة، على قدر بالغ من الخطورة، ولكن لأن بعض التقارير والمتابعات (المغربية والأجنبية) تعطي الانطباع كما لو أنها تتحدث عن بلد آخر غير المغرب الذي نستفيق يوميا على سمائه وأرضه وهوائه، بلد بعيد لم يراكم أية مكتسبات، ولم ينشئ أية مؤسسات، ولم يعرف مخاضات عسيرة كلفته غلافا زمنيا قاهرا، وأرواحا وتضحيات جساما، ولم يشهد دستور 2011... بل إن تلك التقارير تصور الخروقات التي تطال حقوق الإنسان اليوم كما لو أنها صناعة مغربية خالصة. والحال أن المغرب مثل غيره من دول العالم قد خطا خطوات ملموسة في هذا المجال، وخلال ذلك الخطو سيكون من الطبيعي أن تعتري سيره نواقص عديدة ذاتية وموضوعية، بعضها يعود إلى حداثة التجربة الحقوقية في بلادنا، والبعض الآخر يعود إلى أعطاب الانتقال الديمقراطي المتعثر، وإلى مختلف تمظهراته، سواء على مستوى التطبيق الإداري حيث لا يزال تترسخ لدى البعض تقاليد سلطوية عريقة، أو على مستوى ما قد يصدر عن «جيوب» لا تزال تحن إلى سنوات الرصاص. ولذلك تقتضي الموضوعية النظر إلى الواقع ببعض التنسيب الضروري لفهم وقراءة الظواهر. وفي هذا الإطار لا ينبغي إسقاط الموقف السياسي الراديكالي تجاه المؤسسات القائمة على الموقف الحقوقي، لأن السياسة مجال الممكن المتغير، فيما الحقوق والحريات هي مجال الثابت المبدئي الذي لا يخضع لتغيرات الطقس السياسي، ولأهوائه المرتبطة بالمزايدات السياسوية أو الاعتبارات الانتخابية أو غيرها. كما لا ينبغي أن ننظر إلى واقعة محصورة في زمن ومكان ما، ومحكومة بسياق محدد ما، على أنها المنظر العام لأن الواقعة ليست هي الواقع بالضرورة.
إننا لا نريد أن »نجير« حائط جهة ما. لكننا ندافع عن سقف الوطن وصورته التي بناها المغاربة على امتداد تاريخنا الحديث عبر قواه الديمقراطية والوطنية، منذ الصراعات الأولى حول شرعية الحكم في فجر الاستقلال، ومنذ إطلاق »المسلسل الديمقراطي« في سبعينيات القرن الماضي وصولا إلى اليوم. ولذلك فإن ما تحقق في مغرب اليوم ليس منة من أحد، وليس كرامة أولياء صالحين عثرنا عليها في مكان ما في التاريخ أو الجغرافيا، ولكنه ثمرة نضال وتوافق بين كل مكونات الشعب المغربي التي تملك على قدم المساواة حق الفخر بالانتماء إلى هذا المغرب الناهض.
لقد تحققت للمغرب، بالفعل، ترسانة تشريعية هامة في مجال حقوق الإنسان، وتم بموازاة ذلك إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان. كما تم الإعلان رسميا عن طي صفحة الماضي الأليم وجبر الضرر المادي والمعنوي للأغلبية الساحقة من ضحايا سنوات الرصاص. وكل هذه الدينامية أثمرت التحولات العميقة التي عبر عنها النص الدستوري، والتي تنتظر أن يتم بلورتها على مستوى التنزيل والتطبيق لتتطابق النصوص مع الواقع. ومع ذلك لا يعني كل هذا التحول إننا »قطعنا الواد ونشفو رجلينا«، وأننا صرنا السويد أو النرويج أو الدنمارك. لكننا أيضا لسنا إثيوبيا أو نيجيريا أو الجزائر أو كوريا الشمالية.
ومع ذلك مرة أخرى، فإن التوتر داخل المجال الحقوقي يسجل حضوره حتى داخل الدول الكبرى التي قطعت أشواطا هامة في بناء التجربة الحقوقية الكونية. لقد تم منع بعض التظاهرات التضامنية مع غزة في فرنسا، على سبيل المثال، بسلطة القانون، دون أن يعتبر ديمقراطيو وحقوقيو تلك البلاد بأنها تراجع عن الحقوق والحريات. وفي باريس وحدها تم سنة 2013 منع تنظيم 28 تظاهرة مقابل الترخيص بتنظيم 3500 تظاهرة. وتم في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية، مؤخرا وفي عز النهار، اعتداء أودى بحياة شاب أسود من طرف رجال الأمن، ومع ذلك لا أحد هناك يتحدث عن نكسة الحقوق الكونية، وكذلك الحال في انجلترا التي أعلن رئيس وزرائها أن الحريات تنتهي، داخل الشارع العام، حين يتم خرق القانون. وها هي أوروبا كاملة تطور ترسانتها التشريعية والقانونية، مع اعتماد الإجراءات الأمنية والقانونية المشددة لمواجهة احتمالات الإرهاب القادمة، دون أن يعلن اتهام من المجتمع باغتصاب حريات التنقل أو التجمع أو غيرها.
كل هذه الأمثلة المنتقاه من خارج سياقنا الوطني تؤكد أن وتيرة حقوق الإنسان لها فضاؤها الممتد، لكنه المحدود في نفس الوقت بمقتضيات دينامية الحياة التي لابد أن يعتريها خلل ما في جهة ما، وكذلك الحال في المغرب. وبهذا الخصوص، فإن ما ينبغي عمله هو الالتفات إلى ما يحدث من خروقات حقيقية بتوضيح سياقه، ومواجهته ضمن الآليات التي يتيحها لنا القانون. وفي مقدمة هذه الآليات التوجه نحو القضاء من أجل التدليل في الميدان على سلامة هذه المؤسسة، واختبار مدى أهليتها واستقلاليتها، وفضح كل تقصير في هذا الجانب.
إننا نعتبر أن إنضاح التجربة الحقوقية المغربية ليست فقط مسؤولية وزارة العدل أو الداخلية، أو غيرها من المصالح الحكومية المرتبطة بالموضوع، وليست فقط مسؤولية المؤسسة التشريعية، ولكنها أيضا مسؤولية المجتمع بروافده الجمعوية والإعلامية. وهو ما يعني أن لا مكان لمقاعد التفرج في مسلسل البناء، فالكل يقوم بدوره التاريخي من الموقع الذي يوجد فيه، والكل ينبغي أن يحاسب حول التقصير الذي قد يطال أداءه في هذا المستوى أو ذلك. كما يعني ذلك أمرا جوهريا: الحرص على إنجاح تجربة التحول التي يعيشها المغرب، ومواجهة الأعطاب بروح المستقبل، وبفضيلة ممارسة النقد والنقد الذاتي، لكن بمنظار المغرب الآن وهنا، لا بمنظور الآخر الذي يريد أن يجعلنا رهائن أجندته وتصوره للمنظومة الكونية لحقوق الإنسان.
جنيف.. العاصمة الدولية للاتجار في البشر
في كل فصل من كل سنة تتحول مدينة جنيف إلى كعبة الحقوقيين في العالم. ففي مارس ويونيو وشتنبر من كل عام يعقد مجلس حقوق الإنسان الأممي دورته التي تكون عادة دورة جلد وسلخ الدول والحكومات وتقييم سياساتها العمومية في احترام حقوق الإنسان والتقيد بالمعاهدات الدولية ذات الصلة.
المفارقة تكمن في أنه في الوقت الذي تحج فيه الوفود الرسمية والجمعوية نحو جنيف من كل بقاع العالم للمشاركة في هذا الجلد، نجد أن أفظع الانتهاكات المرتكبة في حق الإنسان ترتكب كل ليلة في وسط جنيف، دون أن تجرؤ منظمة غير حكومية أو حكومة معينة لتسجيل احتجاج أو المطالبة بمحاسبة الحكومة السويسرية على الفظاعات التي ترتكب فوق أراضيها كل يوم. وأين؟ إليكم الجواب:
فعلى بعد بضعة أمتار من مقر مجلس حقوق الإنسان بجنيف (وا حسرتاه!) وبالضبط في حي »لي باكي« تزدهر أبشع تجارة للبشر تحت حماية البوليس السويسري وتحت أنظار السلطات العمومية السويسرية. فتيات من مختلف الأعمار ومن مختلف الجنسيات يسخرن من قبل شبكة منظمة في »القوادة« والدعارة يؤثثن أزقة وشوارع حي »لي باكي« (قرب محطة القطار كورنافان)، كل واحدة بثمن وكل واحدة مخصصة لنوع معين من الاتجار من طرف العصابات المنظمة التي يتحكم في معظمها أشخاص ينحدرون من دول شرق أوربا. والويل ثم الويل لبائعة هوى أن تتخذ المبادرة من تلقاء نفسها لـ»تخطف بلاصة« مع زبون ما بشكل سري وبدون إخطار السمسار الذي يقتطع عمولة عن كل خدمة جنسية »باعتها« الفتاة. وهذا هو بيت القصيد.
فالتعريف القانوني لجريمة الاتجار في البشر يتلخص في: »استغلال أشخاص عن طريق الاستعمال بهدف الحصول على أرباح«، علما أن هناك استغلالا -في حالة جنيف- للمئات من الفتيات بشكل تجاري رخيص في الدعارة، حسب تعريف معاهدة الأمم المتحدة حول الجريمة المنظمة وحسب بروتوكول »باليرمو«. وحينما تنتصب بعض الأصوات باحتشام ضد سويسرا لاستنكار صمت السلطات عن هذه الانتهاكات، تجيب سويسرا بتحايل بأنهن (أي بائعات الهوى) »أحرارفي أجسادهن«. وهذا عذر أقبح من الزلة، لأن بائعة الهوى الحرة في جسدها تقوم بذلك برضاها ودون عنف أو إخضاعها لابتزاز المافيا أو شبكات الجريمة المنظمة، كما أنها تتقاضى »أتعابها« لوحدها دون أن يتقاسم معها »مدخولها« سمسار أو »قواد« أو مافيوزي. وبالتالي فالوضع الذي تعرفه جنيف (والذي عاشت تفاصيله »الوطن الآن« و»أنفاس بريس« ليلة كاملة وسط هذا العالم السفلي) يدخل في باب جريمة الاتجار بالبشر المحرمة دوليا. لكن للأسف تسكت المنظمات الغربية عن فضح ذلك طالما أنها تحصل على الدعم المالي من الحكومات الأوربية ومن المانحين المرتبطين بشبكة اللوبيات والمصالح، أما المنظمات غير الحكومية المنتمية للعالم الثالث فتخاف من الحرمان من »الفيزا« والحرمان من ألا تحصل على صفة ملاحظ أو مراقب بمجلس حقوق الإنسان، فيحدث التواطؤ وتخرس الألسنة لفضح سويسرا وما يجري في عاصمتها »الدبلوماسية«.
الاتجار بالبشر في جنيف مقسم إلى ثلاثة أنواع:
هناك الفتيات اليافعات (19-23 سنة) اللواتي يسخرن في كاباريهات حي »لي باكي« في »الستريبتيز« والتعري (دون عملية جنسية) مقابل 100 فرنك سويسري (حوالي ألف درهم مغربي) يدفعها الزبون لمدة 15 دقيقة من »الاستمتاع« تقتطع منها عمولة لفائدة زعيم الشبكة على أساس أن الفتاة مطالبة بأن تظهر »حنة يديه« كل ليلة لجلب مدخول محدد السقف تحت طائلة التنكيل بها.
وبعد أن »تعصر« الفتاة لمدة معينة وتفقد بريقها في الستريبتيز تحول إلى »الفيترينا« (وهي محلات بالزجاج تعرض فيها الفتيات عاريات لاستقطاب »فيكتيم« من أجل عملية جنسية مقابل نفس الثمن، أي 100 فرنك سويسري، لكن لمدة أطول (20 دقيقة).
ولما يزول توهج الفتاة بعد مدة من الاستغلال في »الفيترينا« تحال على الزنقة »الطروطوار« لاصطياد الزبائن مقابل 100 فرنك سويسري لمدة 20 دقيقة، لكن مع خدمة إضافية تتجلى في أن الشبكة الإجرامية توفر لبائعة الهوى الغرفة مقابل عمولة عن كل زبون.
المثير في الأمر أن مسرح الجريمة بجنيف، حي »لي باكي«، لا تتعدى مساحته ثلاثة هكتارات تقريبا (للمقارنة حديقة مردوخ بالبيضاء مساحتها 4 هكتارات)، لكن رغم صغر المساحة فإن الاتجار في البشر بجنيف يدر الملايير على العصابات المنظمة هناك.
فالفتيات يشتغلن بمعدل ثماني ساعات في اليوم، وكل واحدة تجلب في المعدل حوالي 2000 فرنك سويسري يوميا (أي ما يعادل 20000 درهم). وإذا علمنا أن هناك 17 كرسيا ل 17 فتاة في »الفيترينا«، من قبيل تلك التي توجد في زنقة »بيلليغرينو روسي« بجوار كاباري »الصقر الأسود«، فمعنى ذلك أن كل مناوبة (ثماني ساعات) تضخ في خزينة الشبكة الإجرامية 340000 فرنك سويسري، أي في اليوم الواحد 1020000 فرنك (حوالي 10200000 درهم).
واسترسالا في »لحساب«، نجد أن »فيترينة« واحدة من بائعات الهوى تدر 3723000000 درهم سنويا (300 مليار و723 مليون سنتيم،) أي ما يفوق ميزانية الدارالبيضاء التي لا تتجاوز 340 مليار سنتيم. وإذا استحضرنا عدد الفيترينات والكاباريهات واستوديوهات »الخدمة الجنسية« المنتشرة في وسط جنيف آنذاك سنعي الحجم الهائل للملايير التي تروج بسبب استغلال الفتيات (من أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية بالأساس) في إطار جرائم الاتجار بالبشر. علما أننا لم نحتسب الموارد التي تضخها تجارة الشواذ والمتحولين جنسيا التي تعج بهم جنيف والذين يخضعون بدورهم لشبكات منظمة، أي أن ما تجنيه هذه الشبكات في جنيف قد يتجاوز 8000 مليار سنتيم سنويا. وهذه الأموال قد يذهب جزء منها للسياسيين لتمويل حملاتهم، وجزء قد يذهب للأمن لضمان تواطؤهم، والجزء الآخر للمنظمات غير الحكومية -عبر حسابات تمويهية للمانحين- لإخراسها أو لتوجيه كشافات ضوئها نحو دول أخرى بالعالم الثالث. الخطير في الأمر أن كل هذه الفظاعات التي ترتكب على مقربة من مجلس حقوق الإنسان بجنيف، بل وعلى مرمى قصر ويلسون (مقر ملحقة الأمانة العامة للمجلس الأممي)، لا تثير قلق المجتمع الدولي ولا تسائل الضمير الأممي ولا تحرك وجدان العقل الحقوقي العالمي، لكن إذا »نعس« جندي مغربي في قوات حفظ السلام مع بائعة الهوى بالكونغو أو الكوت ديفوار وبرضاها وموافقتها التامة وبمقابل مادي وبدون عنف أو ضرب، تقوم القيامة في جنيف وفي مجلس الأمن الدولي ضد الجندي المغربي وضد المغرب. (يا للمفارقة ويا للنفاق)!! جنيف التي تسوق على أنها مهد الديمقراطية المباشرة، ليست في نهاية المطاف سوى »عاصمة الاتجار في البشر«، وعاصمة »تبييض الأموال«، وعاصمة احتضان »الأموال القذرة المتأتية من المخدرات والنهب والسرقات«.
وظائفه، سياقاته، أبعاده الحقوقية والدولية ما لا تعرفونه عن ميلاد الذراع القضائي لـ «الديستي»
ابتداء من اليوم لم يعد مقبولا أن ينتصب فرد ما بالادعاء أنه تعرض للتعذيب وبأنه جلس بالقوة فوق «القرعة» في مخفر أو مركز اعتقال لانتزاع اعتراف أو للحصول على توقيع على محضر.
وإذا حدث أن زعم أنه كان ضحية «القرعة»، هناك مدخل واحد لدحض ادعاءاته، ألا وهو استدعاء أطباء أوروبيين أو آسيويين أو أمريكيين أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو ملحدين، لفحص «مؤخرته» للتحقيق من مزاعمه!! هذا التحول مسنود بثلاث شرعيات:
أولا: إن الدانمارك، وهي دولة راقية وذات تقاليد عريقة في الديمقراطية، اقترحت على المغرب في مارس 2015 بجنيف أن يكون شريكا لها في مبادرة لحشد الدعم والمصادقة الكونية على الاتفاقية الخاصة لمناهضة التعذيب، والتي سبق أن صادق عليها المغرب كما صادق منذ شهرين على البروتوكول الاختياري الملحق بها. ليس هذا فحسب بل وتم إشراك المغرب من طرف الدانمارك في رئاسة مجموعة أصدقاء اتفاقية مناهضة التعذيب.
والدانمارك ليست بليدة إلى حد أن تلطخ سمعة تاريخها ورصيدها الحقوقي للمناداة على بلد مثل المغرب ليكون شريكا قويا لها في مثل هذه المبادرات، خاصة وأن كشافات الدول الاسكندنافية (وعلى رأسها الدانمارك) مسلطة بشكل كبير على المغرب منذ مدة وتراقب الحراك السياسي وانفتاح المغرب المتزايد على المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وتابعت زيارة المقرر الخاص الأممي خوان مانديز حول التعذيب، وكذا زيارة فريق العمل الأممي الخاص بمناهضة الاعتقال التحكمي للمغرب بشكل ولد القناعة لدى الدانمارك بأن المغرب هو البلد الوحيد في الجوار الممكن الاعتماد عيه بدون مركب نقص خاصة في تيمات لها حساسية خاصة في الوسط الحقوقي الدولي (تعذيب - اختطاف - مكافحة الكراهية - مكافحة التطرف بجميع أشكاله - الاعتقال التحكمي - محاربة الإرهاب).
الشرعية الثانية تتجلى في خطة الرباط ضد الكراهية والعنف، وهي الخطة التي ترتبط بانشغالين يؤرقان العالم اليوم، وهما الانشغال حول حرية التعبير وحرية المعتقد اللذين يؤديان في كل محطة أزمة إلى ترويج خطاب الكراهية واللاتسامح.
وهنا أيضا علينا أن ننتبه إلى أن العقل الكوني لم يختر الرباط عبثا ليصدر منها خطة أممية منذ عام 2012، بالنظر إلى أن المغرب - مقارنة مع دول المنطقة - هو الأفضل ليكون محطة مهمة في النقاش الكوني حول خطاب الكراهية وحرية التعبير واللاتسامح والعنف. وتعزز ذلك بإعطاء مجلس حقوق الإنسان بجنيف في مارس 2015 الضوء الأخضر لبدء إحصاء عداد تطبيق خطة الرباط.
ثالثا: إقدام المغرب على خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية التابع لمديرية مراقبة التراب الوطني يوم الجمعة 20 مارس 2015، وهو المكتب الذي رأى النور ليس لوجود همزة عقارية بيد «الديستي» تتمثل في حيازة أرض بجوار مقر عمالة سلا أو لوجود منحة مالية دولية حصلت عليها الداخلية لبناء المقر، بل إن إحداث المكتب المركزي للتحقيقات القضائية يندرج في المسار الواسع لتحديث الدولة، بما في ذلك مجال الحريات والأمن. وهو المسار الذي انطلق منذ صيف 1999 بهدف واحد ألا وهو الجواب عن سؤال التوفيق الأمثل بين متطلبات حفظ الأمن والنظام العام وحماية التراب الوطني من جهة، وضرورات تأمين حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما يساعد على تحرير الطاقات وانصرافها نحو التنمية من جهة ثانية.
إن تعيين الوالي عبد الحق الخيام رفقة نخبة من الأطر الأمنية، لإدارة هذا المكتب ليس بالحادث المعزول، بل هو تتويج لإصلاحات تراكمية بالمغرب بدأت منذ تقعيد العدالة الانتقالية وإنشاء مؤسسات حقوقية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط، المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان)، وفي التفاعل المتزايد للمغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان.
كما يأتي خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية في إطار مراقبة شمولية مترابطة العناصر في مجال مكافحة الإرهاب، العدو رقم واحد لحقوق الإنسان. هذه المقاربة مبنية على أربعة أضلع:
1 - تطوير الحكامة الأمنية من خلال تطوير القوانين أو تعزيز القدرات في التكوين في مختلف المعاهد الأمنية (جيش - درك - شرطة - قوات مساعدة)
2 - مراجعة المنظومة الجنائية سواء على مستوى المضمون (القانون الجنائي) أو الشكل (المسطرة الجنائية)، وهنا علينا أن نستحضر التحول الفاصل بتخويل ضباط «الديستي» الصفة الضبطية.
3 - اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتجفيف معظم منابت الهشاشة والإقصاء التي (أي المنابت) يغرف منها الإرهابيون وشبكات الجريمة المنظمة زبناءهم.
4 - تأهيل الحقل الديني عبر تأهيل فضاءات المساجد وتحيين التكوين وترسيخ الاعتدال بالارتكاز على موروث مغربي خالص غير موجود في بلد آخر، ألا وهو مرجعية إمارة المؤمنين التي أضحت الحارس الأمين للقلعة المالكية لتطويق كل اشكال الغلو القادمة من محاضن الأصولية والتمثلات المتطرفة للدين. بدليل أن دولا إفريقية وعربية وأوروبية بدأت تطلب اقتباس التجربة المغربية في الحقل الديني، آخرها بلجيكا وفرنسا وإسبانيا بعد حالات تونس ومصر وغينيا ومالي والنيجر والسينغال وليبيا بشكل أعطى مصداقية للمقاربة المغربية..
والقرائن لا تعوز المراقب اللبيب، فبين الأحداث الإرهابية لعام 2003 بالبيضاء والتفجير الإرهابي لمقهى أركانة بمراكش عام 2011 مثلا، نجد أن معظم المؤشرات تصب في خانة تجويد وتطوير الحكامة الأمنية، وحسبنا هنا التوقف عند 5 مؤشرات:
1 - بين 2003 و2011 نجد أن الأجهزة الأمنية كانت أسرع في التحري وفي إعلان النتائج
2 - إذا استحضرنا عدد المعتقلين سنجد أن الفرق واضح بين 2003 و2011
3 - التدبير الشمولي للحالة سواء في مواجهة الأظناء أو الضحايا
4 - تأمين كل متطلبات المحاكمة العادلة
5 - تبني برنامج حذر واعتماد خطة استباقية، بدليل أن كل تصريحات كبار المسؤولين الأمنيين بفرنسا تضمنت الندم على قطع حبل السرة الاستخباراتي مع المغرب قبل أحداث «شارلي إيبدو» وهو ما دفع باريز إلى تصحيح موقفها بعد أحداث 7 يناير 2015 لاستئناف تعاونها مع المغرب (راجع تصريحات شارل باسكوا + سكوارسيني + ساركوزي...إلخ.). أبعد كل هذا يحق لأي واحد ليزعم أن المغرب يتبنى سياسة عمومية في التعذيب؟ نعم، قد تقع حالات تعذيب، لكنها فردية وليست مملاة من طرف الدولة. خذ مثلا فرنسا التي تكتشف فيها من حين لآخر حالات تعذيب أو سوء معاملة (آخرها اغتصاب كندية على يد ثلاثة من نخبة البوليس الفرنسي داخل مقر الشرطة القضائية في باريز)، أو الولايات المتحدة التي تهتز منذ أسابيع بسبب تعذيب السود بمدينة فيرغسون على يد بعض البوليس. لكن الساذج من يدعي أن فرنسا أو أمريكا تعتمد سياسة رسمية في التعذيب. إذا كان الأمر كذلك، فلم الخجل إذن من إشهار هويتنا الحقوقية الكونية في وجه الحساد والحاقدين من جيراننا؟!
محمد بنعلال، خبير في العلاقات الدولية المغرب أخرج الجيش من ثكناته للاستفادة من مرونته وحرفيته لمحاربة الإرهاب
* لماذا لجأت السلطات العمومية إلى إخراج الجيش من الثكنات لتأتيث الشوارع ولماذا مزجت بين الشرطة والعسكر؟
** لأن المغرب يعتمد مبدأ أساسيا في تعامله مع قضية الأمن العام، ألا وهو مبدأ الحذروالاحتياط. وهذا المبدأ ليس خاصا بالمغرب لوحده بل تعتمده العديد من الدول، ومنها السلطات الفرنسية التي تلجآ إلى خدمات الجيش كلما ارتفع مستوى الخطر، إذ نجد فرقا أمنية تجوب شوارع مدن فرنسا تؤثث بشكل ملفت في معظم الأماكن الحساسة والإستراتيجية كالمطارات والقطارات والمرافق السياحية. فمنطلق هذا المبدأ هو الاحتياط واتخاذ جميع التدابير الوقائية قبل حدوث أي تهديد إرهابي يهدد الامن العام. أما جوابا على سؤالك لماذا فرق أمنية تتكون من عناصر أمنية وعسكرية، فالنمو العمراني وتمطط المدن واتساعها لا يسمح لجهاز أمني واحد أن يقوم بتغطية كل الأماكن الإستراتيجية بمفرده، وهذا ما يجعل الدولة تعتمد في تشكيل وحدات مخطط «حذر» على الشرطة والدرك الملكي والجيش والقوات المساعدة، الملاحظ في السنوات الأخيرة أن الأجهزة الأمنية المغربية بدأت تعتمد بشكل كبير على العمليات الاستباقية، التي مكنتها من اعتقال وتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية قبل أن تنتقل لمرحلة الفعل وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، وهذا ما نسميه العمل الاستباقي المعتمد على الوقاية. لكن هذه الإستراتيجية الاستباقية تحتاج كذلك إلى ترسيخ التنمية البشرية، كي لا تلجأ التنظيمات الإرهابية إلى استغلال البسطاء الذين يعيشون ظروفا مزرية وتجنيدهم لتنفيذ مخططاتها الإجرامية.
* لكن ما هو دور هذه الوحدات الأمنية المشكلة في إطار مخطط «حذر» هل ستتجول في الشوارع فقط أم ستقوم بالتفتيش والتحقق من الهوية ومطاردة الخارجين عن القانون؟
** بالإضافة لمبدأ الحيطة والحذر، هناك كذلك التدخل السريع إذا اقتضت الضرورة ذلك، خاصة إذا توفرت معلومات استخباراتية تؤكد أن هناك أشخاصا يخططون للقيام بأعمال تخريبية، فإن هذه الفرق ستتدخل بسرعة بحكم تواجدها في الشارع وربما تكون قريبة من الحدث.
* استشهدت في جوابك بفرنسا، لكن الملاحظ في فرنسا أن السلطات هناك تحدد مقياسا يتضمن ألوانا متعددة "أصفر، برتقالي، أحمر"، وكل لون يتناسب مع حجم معين من المخاطر.لماذا في المغرب لم يتم اعتماد مقياس لاخبار المواطنين بنوعية كل خطر؟
**أعتقد أن الدولة اعتمدت مخطط «حذر» كإجراء احتياطي، وبالتالي لا أظن أنها يجب أن تحدد لون معين لمستوى الخطر...
* هناك توجه دولي في إخراج الجيش من الثكنات إلى الشارع لمحاربة الارهاب والجرائم. لماذا؟
**عندما نقول «الحرب ضد الإرهاب»، فالحرب تعني حضور الجيش، لأن هذا الأخير في كل الدول، يتوفر على أسلحة متطورة ويتوفر على استقلال ذاتي كما يتوفر على مرونة كبرى، وهذا كله لا تتوفر عليه الأجهزة الأمنية الأخرى من شرطة وقوات مساعدة. فجميع دول العالم تستعين بالجيش لاحترافيته القتالية ولاستعداده الجيد في حماية الأمن العام وحماية المنشآت الاستراتيجية.
* ألا يخلق نزول الجيش للشارع بعض الحزازات لدى الأجهزة الأمنية الأخرى؟
**لا أظن ذلك لآن الأجهزة الأمنية تدرك كلها المخاطر التي تتهدد المغرب، فضلا عن ذلك فهناك خلية تنسيق مهمتها السهر على ضمان الفعالية والجودة في أداء هذه الوحدات المختلطة.، ونفس هذه الادعاءات سبق وتم تداولها في فرنسا عندما نزل الجيش للشارع منذ ما يزيد عن 20 سنة لمحاربة التفجيرات الإرهابية في الميترو، ولكن لا شيء حدث من هذه الحزازات بين الأجهزة الأمنية الفرنسية، لأن هناك مبدأ عاما يطبع عمل الأجهزة الأمنية، هو التنسيق المحكم بينها.. وهذا التنسيق يتم عبر خلية دائمة ممثلة بجميع الأجهزة الأمنية تجتمع بشكل يومي. وبطبيعة الحال ستكون نفس هذه الإستراتيجية معتمدة كذلك في المغرب.
* ما هي خريطة الإرهاب التي تجعل المغرب هدفا للتنظيمات الجهادية؟
** لابد من الإشارة لنقطة مهمة، وهي أن المغرب في حرب ليس مع التنظيمات الإرهابية فقط، بل نجد كذلك أن الجارة الجزائر بدورها تفرض علينا هذه الحرب. فالتهديدات الإرهابية التي توجه للمغرب نسبة كبيرة منها قادمة من جهاز المخابرات الجزائرية. * لماذا تفرض الجزائر علينا الإرهاب؟ **لسبب بسيط كي تنهك قوانا وتضعفنا داخليا وخارجيا...
* هل تقصد بإضعاف المغرب تصدير الجزائرللخلايا الإرهابية نحو المغرب أو تمويلها؟
**لا، ما قصدته برغبة الجزائر في إضعاف المغرب، هو ببساطة أن الجزائر بإمكانها القضاء على الخلايا الإرهابية التابعة للقاعدة وغيرها في حدودها مع دول الساحل.. لكن الجزائر لا تعمل بما فيه الكفاية أولا تتوفر على الخبرة اللازمة لمحاربة الارهاب عندها وعند حدودها الجنوبية. بدليل أنه لو عدنا للأحداث التي عرفتها مالي مؤخرا نجد أن فرنسا تدخلت ضد الإرهابيين في المنطقة لسحق التنظيمات التابعة للقاعدة، بعد آن سئمت فرنسا من بطء الجزائر للقضاء على خلايا القاعدة بالمغرب العربي.. إذن الجزائر تحسدنا كي لا يلعب المغرب دورا مهما ضد الإرهاب في المنطقة، في نفس الوقت الجزائر غير قادرة على القضاء على الإرهاب الذي ينشط بقوة في حدودها مع مالي.
محمد السادس يعيد الاعتبار للباس المغاربة التقليدي
يحرص الملك محمد السادس خلال شهر رمضان على اللباس التقليدي خلال شهر رمضان، إذ تؤكد مصادر أن عمل خياط الملك المختص في اللباس التقليدي المغربي يعرف وتيرة نشاط متزايدة قبل وخلال هذا الشهر، حيث ظهر خلال بداية الشهر الكريم أثناء تدشين مشروعين تضامنيين بالقنيطرة بجلباب بلون بني ساطع وطربوش مغربي باللون الأحمر وبلغة باللون البني جاءت متناسقة مع طلة الملك محمد السادس خلال الشهر الكريم، كما حرص على الظهور بلحية خفيفة جدا تماشيا مع الأجواء والطقوس الروحانية لشهر رمضان. وخلال حضوره الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، ظهر الملك محمد السادس بجلباب أبيض مصنوع من قماش من النوع الرفيع يدعى «البزيوي» الذي يصنع بالآلة اليدوية «البزو»، وطربوش مغربي باللون الأحمر، وهي نفس الطلة التي ظل يحافظ عليها خلال مختلف المناسبات مثل أداء صلاة الجمعة.
كما يفضل الملك محمد السادس خلال شهر رمضان ارتداء الجلباب الأبيض ذا اللون البراق الساطع الذي يدل على الصفاء والإخلاص والأمان، وهي ذات قصة تقليدية عادية مصنوعة من قماش من حرير والمنسوج باليد بمدينة فاس بطريقة «السفيفة والعقاد»، وهو ما يدل على ذوقه الرفيع.
وخلال تدشين الملك لمشروعين تضامنيين بالصخيرات لفائدة الشباب، ظهر بجلباب تقليدي بالكامل سواء على مستوى القصة المخزنية أو على مستوى طريقة صنعه التي تمت باليد وغالبا ما يتم صنع هذا النوع من الجلابيب بمدينة وزان المشهورة بجلابيبها عبر ربوع التراب الوطني، وهو جلباب من القماش الحريري الرفيع المخطط باللون الأسود المفتوح، كما حرص على ارتداء الطربوش المغربي باللون الأحمر والبلغة بلون أسود والتي جاءت جد متناسقة مع طلته الرمضانية.
وخلال تدشين الملك لمشاريع تضامنية في الشهر الفضيل بالدار البيضاء، حرص على الظهور بجلباب ذي قماش حريري مخطط باللون البني الفاتح والمتميز بقصته المخزنية التقليدية. ويتم صنع هذا النوع من الجلابيب باليد وتسمى بصنع «القطيب» وترتديه الفئات الراقية جدا. كما أطل الملك محمد السادس بطربوش أحمر على غرار طلاته السابقة في شهر رمضان، مع إضفاء لمسة عصرية من خلال ارتداء نظارات شمسية باللون البني جاءت جد متناسقة مع شكل وجهه الدائري ولون جلبابه.
«تامغربيت».. تعاقد جديد بين الملك والشعب
شكل موضوع الاعتزاز بالانتماء الوطني، أو بـ «التمغربيت» كما في لساننا الدارج، إحدى اللحظات القوية في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، يوم الجمعة 10 أكتوبر 2014، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة. مصدر القوة متأت، أولا، من الطبيعة الخاصة لهذه الدورة المحاطة بسياق سياسي واجتماعي يعرف الكثير من مظاهر الاحتقان بعد تواصل الهجمات على القدرة الشرائية للمواطن، وتجميد الحوار الاجتماعي، وانسداد العمل السياسي، وضحالة الحصيلة التشريعية... كما هي محاطة باستمرار التوترات العاصفة بكيانات الدولة في المحيط الإقليمي والعربي والدولي.
ومصدر القوة يعود، ثانيا، إلى كون الدورة تنعقد على مقربة من إجراء استحقاق الانتخابات المحلية والجهوية، وما سيترتب عنها من انبثاق معادلات جديدة في طبيعة إدارة الشأن المحلي، وفي ظهور هيئات وتوازنات جديدة. وتبرز أهمية الموضوع، من جهة ثالثة، في كون الاعتزاز بالشعور الوطني ينبغي أن يكون، وفق الخطاب الملكي، هو الإطار السياسي والأخلاقي الذي يضبط سلوك المغاربة، فاعلين سياسيين واجتماعيين ومواطنين بشكل عام، تجاه الرهانات والتحديات المطروحة على الكيان المغربي بمختلف مؤسساته وأطيافه السياسية والاجتماعية.
في هذا الإطار نبه الخطاب الملكي إلى ما معناه أن الاعتزاز ليس ترفا هوياتيا، و«لا يباع ولا يشترى، ولا يسقط من السماء» كما ورد في الخطاب بالضبط، ولكنه مقام سياسي وأخلاقي يلزم المغاربة، في مختلف المواقع، بـ «دفتر تحملات» يؤسس لتعاقد اجتماعي ملزم لكل المتعاقدين. وفي مقدمة بنود هذا الدفتر ما يخص الفاعل السياسي، وعموم المواطنين على قدم المساواة.
لقد وضع الخطاب الملكي، في المستوى الأول، ذلك الفاعل أمام مسؤولياته الحقيقية في ضرورة مطابقة الخطاب للسلوك، وفي تمثل جسامة المسؤولية المناطة به، سواء كنائب برلماني، أو كمستشار جماعي، أو كعضو في الحكومة، وغيره من المعنيين بتنفيذ السياسات الحكومية، وفي الرقي بالممارسة السياسية لتتجاوب مع انتظارات المواطن، وتعيد له الثقة في المؤسسات، وفي العمل السياسي وذلك بإنضاج الممارسة والتعامل مع الاستحقاقات ونتائجها بنزاهة، وليس باعتبارها ريعا سياسيا أبديا. وفي هذا الإطار توجه الملك إلى جميع الفاعلين السياسيين بالسؤال: «ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام»؟ كما دعا المواطنين، في المستوى الثاني، إلى تحمل مسؤولياتهم عبر تجسيد مفهوم المواطنة الحقة، «بالانخراط في كافة مجالات العمل الوطني، وخاصة من خلال التصويت في الانتخابات، الذي يعد حقا وواجبا وطنيا، لاختيار من يقوم بتدبير الشأن العام».
كان واضحا إذن أن خطاب افتتاح الدورة التشريعية ينهج نفس الرؤية الواقعية التي طبعت الخطابات الملكية في الآونة الأخيرة، القائمة على تفادي لغة الخشب، واعتماد فضيلة النقد والنقد الذاتي، واعتبار المغرب ورشا مفتوحا أمام رهانات كبرى لا يمكن أن تكتمل ما لم يتحمل جميع المغاربة مسؤولياتهم التاريخية.
قوة الخطاب لها بعد إقليمي كذلك يتمثل، هذه المرة، في الربط الضمني بين الاعتزاز بالانتماء إلى المغرب، وما يجري في محيطنا الإقليمي، خاصة ما تتعرض له وحدتنا الترابية من تحرشات يقترفها البلد الجار. من هنا فالتأكيد الملكي على هذا الربط يعني أن «التمغربيت» ليست فقط رهانا مغربيا خالصا، لكنه رهان إقليمي حاد. وهو ما يفيد رسالة واضحة لكل من يعنيه الأمر: إننا مغاربة معتزون بانتمائنا المشترك إلى هذا الفضاء الجيو-ستراتيجي، وشاكرون الله على ما يمثله الاستثناء داخل هذا الفضاء، ولذلك كان من الطبيعي أن يتكاثر حسادنا الذين ينعمون بالخيرات المادية، وبشساعة الأرض، لكنهم بؤساء من حيث استيعاب درس التاريخ، ومن حيث افتقارهم للثروات اللامادية، وضمنها أن يشعر المغربي بسعادته على هذه الأرض.
إن الجزائر لا تعادي فقط بمواقفها تجاه المغرب روابط التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة، لكنها تعادي نفسها بتماديها في إغلاق سبل الحوار، وفي رفض إطار متوازن للمصالحة بين البلدين.
إن تفعيل «التمغربيت»، سلوكا وخطابا، هي وصفتنا لتجاوز حالات الارتباك التي تعيق تطور مجتمعنا، وهي كذلك وصفتنا للاستمرار في مجابهة الخصوم، وفي قدرتنا على إنجاح هذه المجابهة، لا فقط لأننا أصحاب قضية عادلة، ولكن لأن كل مواطن مغربي يجب أن يشعر بالقوة وبالفعل بأنه «مغربي... وبخير». فهل يستوعب كل من يعنيه الأمر في الداخل والخارج مضمون هذا الدرس الجديد في الوطنية؟
السكن الاجتماعي أم السكن الإرهابي؟!
تنشغل الطبقة السياسية والحقوقية بفرنسا حاليا بملف مؤرق يتمثل في وجوب امتثال فرنسا للتوجيهات الأوروبية الخاصة بتوفير 11 متر مربع لكل سجين بزنزانة فردية. هذا الملف طرح في البرلمان الفرنسي وفجر أزمة بين الفاعلين السياسيين بشكل أدى بوزارة العدل إلى سحب المشروع يوم 28 أكتوبر 2014، وكلف الوزير الأول مانويل فالس النائب الاشتراكي دومنيك رايمبورغ يوم 10 نونبر 2014 بإنجاز تقرير محددا له أجلا لا ينبغي أن يتجاوز 30 نونبر 2014 لتعديل الصيغة وعرضها من جديد على أنظار البرلمانيين للبت في الموضوع قبل 2015.
إصرار الحكومة الفرنسية على تمرير هذا القانون قبل نهاية السنة الحالية أملته التخوفات من تسونامي الدعاوي المحتملة ضد الحكومة من طرف السجناء والمنظمات الحقوقية الفرنسية بتهمة عدم احترام كرامة السجين وعدم تقيد باريز بالضوابط الأوروبية، وهي الدعاوي الممكن أن تكبد الخزينة الفرنسية ما يقرب من 20 مليون أورو سنويا كتكاليف تعويض السجناء المتضررين من التكدس والازدحام في زنازن فردية تقل عن 11 متر مربع للسجين! استحضرت هذا النقاش بفرنسا في سياق مؤامرة الصمت بالمغرب والتواطؤ الواضح بين الطبقة السياسية والمالية والحكومية والبرلمانية ليس لـ»إسعاد« السجناء بفسحة إضافية من الأمتار المربعة (فهذا من باب الخيال العلمي ببلادنا)، بل لإجبار شركات الإنعاش العقاري (الخاصة والعامة) على عدم بيع شقق أفظع من الزنازن العقارية.
فالدولة لحد الآن ترفض أن تصدر تعريفا لمفهوم السكن الاجتماعي: أي هل هو ذاك السكن المرتبط بالثمن أم ذاك المرتبط بالمساحة أم ذاك الذي يعني بناء مشاريع تلغي حق المغربي في الأشجار والحدائق والساحة العمومية والملعب والحمام والسوق والثانوية والمسبح أو ذاك الذي يبني في قاع الشمس دون مواصلات؟
فشقق السكن الاجتماعي كما ترخص بذلك كنانيش وزارة نبيل بنعبد الله ووكالات العنصر وحصاد وتنفذها بعض الشركات العقارية الكبرى تتراوح مساحتها في الأغلب الأعم بين 45 و55 متر مربع للشقة. أي أن شقة 45 متر مربع مثلا تؤوي أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال تسمح فقط بـ 9 أمتار مربعة للفرد، بمعنى أقل من ما هو مخصص للسجين في أوروبا (11 متر مربعا)، علما أن السجين ارتكب جرما وأقر بذنبه وتسبب في ضرر للفرد والمجتمع، ومع ذلك توفر له أوروبا 11 مترا مربعا، لأن الخبراء أثبتوا أن »الطوبة« و»سراق الزيت« و»الفئران« هي التي يمكن أن تعيش في مساحة أقل من ذلك.
بينما المغربي الذي يشتري شقة »السكن الاجتماعي« بعد أن »يحلبه« البنك ويدفع دم «جوفه» كتسبيق لبعض المنعشين العقاريين، هو مواطن صالح ينتج الثروة وينمي اقتصاد بلاده عبر العمل الذي يقوم به سواء في القطاع الخاص أو العام أو بامتهان مهنة حرة، ومع ذلك تتآمر الدولة (في شخص الحكومة والبرلمان والجماعات والوكالات والعمالات) وبعض شركات الإنعاش العقاري العامة والخاصة على إنتاج شقق هي أقرب منها إلى زنازن القرون الوسطى من سكن لائق وآدمي.
إن المغرب بقدر ما نجح في تجاوز سنوات الرصاص بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة، في حاجة ماسة اليوم إلى إحداث هيأة للمصالحة والإنصاف العمراني لتحقيق المصالحة مع المتضررين الذين تم استبلادهم بالشعارات والإشهارات حتى اقتنوا الشقق في مشاريع السكن الاجتماعي. وذلك عبر تمزيق كناش التحملات الحالي الخاص بمواصفات الشقة في السكن الاجتماعي الذي يعتبر بمثابة »تذكرة نحو الجحيم«، والحرص على إعداد كناش جديد يحدد الحد الأدنى لمساحة الشقة في أكثر من ذلك، أوعلى الأقل ربط المساحة بعدد أفراد الأسرة الواحدة. ثم الحرص ثانيا على استرجاع فائض الأرباح الخيالية التي حققها بعض المنعشين على حساب سكان هذه المشاريع السكنية لإعادة استثمارها في إنجاز المرافق الضرورية وترميم الأعطاب الحضرية التي ظهرت بهذه المجمعات السكنية.
وإذا لم تقم الدولة بهذه الإجراءات الاستعجالية، فلتمسك غدا أو بعد عن إخبارنا بتفكيك شبكات الإجرام والمجرمين وخلايا الإرهاب والإرهابيين بهذه التجمعات الإسمنتية الخالية من كل مسحة إنسانية أو بصمة آدمية. فلا فرق بين كاريان طوما والسكويلة وكاريانات السكن الاجتماعي الاسمنتية الحالية!!
في الحاجة إلى «أوطوروت» محمد السادس لربط الريف بالصحراء
هل مات الجنيرال ليوطي؟
عمليا وإداريا نعم، لكن سياسيا لم يمت ليوطي، ما دامت الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم تعتنق ديانته الإقصائية، وتعتنق مبدأ عزل المجالات المغربية بعضها عن بعض.
فالجنيرال ليوطي لما دخل إلى المغرب على ظهر دبابة في بداية القرن العشرين، سن سياسة تقوم على إقصاء مناطق الأطلس والريف والصحراء عن المغرب الأطلسي (أي المغرب النافع)، وهو ما يفسر لماذا ظلت الأمة المغربية مفككة طرقيا إلى اليوم بدون تلحيم وبدون تجميع، على اعتبار أن الطرق، وما تسمح به من كثافة الحركة والتنقل للأفراد والسلع والسلوكات، تساعد على تذويب الخلافات وتعضد الاندماج الوطني داخل الأمة الواحدة.
صحيح أن الاندماج يتحقق عبر الملكية وعبر النشيد الوطني والدرهم والطابع البريدي والراية، لكن رغم وجاهة هذه المكونات، فإن المأمول هو تحقيق تدفق المغاربة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب والعكس صحيح عبر مسارب طرقية فعالة وآمنة وسريعة.
وهذا ما يتساءل حوله كل مغربي حينما يرى أن مناطق شاسعة من ترابنا مازالت معزولة من الريف في الشمال إلى الواحات جنوبا، مرورا بسلسلة الأطلس المتوسط والكبير والصغير (أنظر الملف الذي سبق لنا نشره العدد 320 بتاريخ 8 يناير 2009).
الفاجعة التي عرفها المغرب مؤخرا بسبب الفيضانات التي أودت بحياة العديد من المواطنين بالجنوب وعزلت جهات كاملة عن باقي التراب الوطني، أظهرت وجاهة الحاجة إلى تبني مشروع ضخم Mega projet المتمثل في إنجاز أوطوروت تمتد من الحسيمة إلى طاطا لربط الشمال بالجنوب حتى لا نصدم غدا أو بعد غد بعزل 45 في المائة من التراب الوطني بعلة انقطاع الطريق أو انهيار قنطرة أو جرف السيول للمسالك عقب تساقط المطر.
فالمغاربة الذين روضوا البحار لنشر الإسلام في أوربا في البدايات الأولى لعهد الفتح الإسلامي وتحدوا الصحاري لنشر الإسلام في إفريقيا، لن يرضوا أن يقال عنهم إنهم إلى غاية القرن 21 لم يتمكنوا من ترويض الجبال، لا لشيء إلا لأن المسؤولين الذين يسيرون الشأن العام عجزوا عن تحطيم حاجز سلسلة الريف والأطلسla barrière du rif et de l'atlas.
نعم، برمجت السلطات العمومية المقطع الأول من هذا »الحلم« في يونيو 2010 بالإذن في إنجاز الطريق السريع (ليس أوطوروت ولكن طريق سريع آمنة) بين الحسيمة وتازة بغلاف 2.5 مليار درهم. لكن للأسف خاب أملنا في الانتفاع من خدمات هذه الطريق (148 كلم) لكون الحكومة عطلت المشروع وفشلت إلى حدود اليوم في إتمام الورش في الموعد المحدد، ألا وهو عام 2015، كما قدم للملك محمد السادس في أجدير يوم 15 يونيو 2010. اللهم إذا كانت الحكومة تقصد 2015 هجرية!!
إن فاجعة فيضان نونبر 2014، تنهض كحجة للبدء في إنجاز الدراسات التقنية والمالية والهندسية والعقارية والمجالية والاقتصادية لتبشير المغاربة بأوطوروت محمد السادس بطول 1200 كلم من الحسيمة إلى طاطا، مرورا بتارجيست وتاونات وفاس وإفران وخنيفرة وبني ملال وآزيلال وورزازات.
والأجمل أن يتم زف هذا الخبر إلى المغاربة مرفوقا بأربعة أوراش: أوطوروت فاس طنجة لفك العزلة عن الريف الغربي، وأوطوروت بني ملال مراكش لإنصاف المنطقة التي تغذي سلة المغرب، وأوطوروت طاطا اكادير لتسهيل الولوج إلى مغرب الواحات من طاطا إلى فكيك عبر فم زكيد، ثم نفق تيشكا لتحقيق المصالحة مع زاكورة وتنغير وسكورة.
فالمغرب عاش رعشة قومية عام 1975، بتنظيم المسيرة الخضراء. ومن حق المغاربة أن ينتشوا بجرعة أخرى من الرعشة الوطنية التي ستجلبها منافع إنجاز الأوطوروت الرابطة بين الريف والصحراء.
البيضاء تسدد ضريبة الصراع بين «البام و«بنكيران»
لما استقبل الملك محمد السادس زعيم حزب المصباح عبد الإله بنكيران في ميدلت وعينه رئيسا للحكومة، بادر هذا الأخير في أول تحرك له بإعلان تشبت حزبه بحقيبة التجهيز حتى قبل أن تبدأ المشاورات مع الأحزاب والبحث عن حلفاء لبناء ائتلاف حكومي
ومع انطلاق المشاورات جدد حزب بنكيران تمسكه بحقيبة وزارة التجهيز لدرجة أن المواجهة كادت أن تحتد بين هذا الحزب وحزب الاستقلال. الحرص على إسناد وزارة التجهيز لوزير من حزب العدالة والتنمية فجر أحلاما بأن الوزارة في عهد عزيز الرباح ستحقق وثبة لتشبيك التراب الوطني وتوسيع شبكة الطرق وصيانة المتهالك منها.
لكن للأسف، أظهرت الممارسة أن سر تمسك حزب بنكيران بهذه الوزارة نابع من الرغبة في تقويض الخصوم ومحاصرة القلاع الانتخابية للأحزاب المتنافسة.
الدليل على ذلك أن عزيز الرباح وزير التجهيز أصر على رفض إنجاز كل الطرقات المحورية الرابطة بين الأقطاب الحضرية بالدار البيضاء وتم إقبار كل المشاريع المسطرة على عهد أسلافه في المخططات التعميرية للعاصمة الاقتصادية بدعوى أن هذه الطرق توجد في مناطق ينجح فيها برلمانيين من حزب البام وبالتالي إذا تم الترخيص بإنجاز هذه المشاريع »سيطلع الجوك« لمنتخبي حزب »التراكتور«.
الدليل على ذلك أن الطريق الرابطة بين الأوطوروت ومطار محمد الخامس المارة عبر تيط مليل وسلام أهل الغلام وثكنة مولاي يوسف تم تعطيل إنجازها من طرف وزارة عزيز الرباح لأنها ستهيكل تراب ثمان جماعات محلية بضاحية الدار البيضاء كلها تنتمي لحزب »البام« وهي: المحمدية + سيدي مومن + عين حرودة تيط مليل + الهراويين + النواصر + مديونة + المجاطية.