قال مراقبون إن قلة عدد الجزائريين في صفوف داعش لا يمكن أن تحجب حقيقة أن جزائريين هم من يتولون الإشراف على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنهم يتولون استقطاب مئات الشبان وتدريبهم لينتقلوا في ما بعد إلى صفوف داعش.
وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي هو الحاضنة الأولى للتطرف في شمال أفريقيا، وسبق أن ساعد على تسفير عشرات الشبان إلى العراق بعد غزو العراق في 2003، ليلتحقوا بقاعدة أبو مصعب الزرقاوي.
وكشفت التحقيقات التي تجريها السلطات التونسية مع المجموعات المتشددة التي تقاتل في الجبال أن قيادات جزائرية هي من تتولى التدريب وتهريب الأسلحة من ليبيا، فضلا عن تقارير أخرى تؤكد وقوف متشددين جزائريين بارزين وراء شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات جنوب الصحراء، وتمركزهم في ليبيا، وانضواء بعضهم تحت لواء داعش مثلما هو الأمر مع أمير كتيبة المرابطون عدنان أبو الوليد الصحراوي.
وتتحدث السلطات الجزائرية عن جيوب إرهابية على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، ولا تزال المجموعات المتشددة تستهدف قوات الجيش والدرك في أماكن مختلفة، فضلا عن استهداف الأجانب.
وتقول الجزائر إن ضعف مشاركة مواطنيها في صفوف داعش قياسا بالتونسيين والليبيين ثمرة من ثمرات الاستقرار السياسي، لكن مراقبين يعزون ذلك إلى وجود دولة بوليسية متحفزة لمراقبة أنشطة الجماعات المتشددة، وكذلك بسبب الخبرات التي اكتسبتها في حرب العشرية السوداء التي خلفت قرابة مئتي ألف جزائري بين قتيل ومفقود.
وتقدم الدولة حوافز هامة لأجهزتها الأمنية للحفاظ على ولاء عناصرها، ففي عام 2010 زادت رواتبهم بنسبة 50 في المئة، ويتمتعون بمزايا هامة مثل السكن إلى جانب المكافآت، وبديل المخاطر الذي يصل أحيانا إلى 70 في المئة من الراتب.
وحدد المسؤولون الجزائريون عدد مواطنيهم الذين يقاتلون في صفوف الجماعات الجهادية في كل من العراق وسوريا (داعش وجبهة النصرة) في شهر يونيو الماضي بـ63 مقاتلا وهو عدد ضئيل جدا مقارنة بنظرائهم التونسيين.
وعلل المراقبون عدم التحاق الجزائريين بداعش وتبني خطاب العنف بالصدمة التي عاشوها طيلة عشر سنوات (1992/2002)، من تفجيرات ومجازر جماعية، ما جعلهم في خوف دائم من استعادة المشهد، وهو خوف تغذيه الصور القادمة من سوريا والعراق وليبيا.
ولا يبدو أن الجزائر ستكون في منأى عن الأزمات الاجتماعية العاصفة التي عاشتها تونس ومصر وليبيا نهاية 2010 وبداية 2011، والتي أفرزت صعود جماعات إسلامية إلى الحكم سهّلت أنشطة المجموعات المسلحة بالاستقطاب والتدريب والحصول على الأسلحة لتتولى في ما بعد استهداف مؤسسات الدولة.
وأشار محللون إلى أن تدني أسعار النفط سيدفع حتما إلى ارتفاع مستمر بالأسعار، يضاف إليه فشل السلطات في الإيفاء بوعودها في بناء آلاف المساكن والمضيّ في تنفيذ مشاريع كبرى في البنية الأساسية سبق أن تعهّدت بها ضمن حزمة بادرت إليها لمنع استجابة مواطنيها لموجة “الربيع العربي” في 2001.
وتمتلك الحركات المتشددة أرضية خصبة في الجزائر وبرعاية السلطات الجزائرية نفسها التي عملت على تقوية الحركة السلفية في صراعها السابق مع جبهة الإنقاذ الإسلامية.
ويقول مراقبون إن السلطات تلعب بالنار خاصة أن الحركات السلفية مثلت خزانا لمتشددي القاعدة وداعش في الدول التي تشهد اضطرابات، وقد كانت تبدو في السابق حركات دعوية مسالمة وفي خدمة السلطات.
ويتولى معظم علماء الحركة السلفية التدريس في الجامعات والمعاهد والمساجد بتنسيق كامل مع الدولة التي نجحت عبرهم في السيطرة على خطاب ديني مهادن يدعم مشروعها السياسي ولو إلى حين.
لكن هذه المجموعات تستقطب الآلاف من الشباب عبر خطاب آخر موجه إلى الخارج يحث على الجهاد، ويشن حملات التكفير على الخصوم وعلى المظاهر التي تتناقض مع تفسيرها المتشدد للدين. ويمكن لهذا الخطاب المهادن أن ينقلب بمئة وثمانين درجة إذا فكّت الحركة السلفية ارتباط المصالح بينها وبين النظام.
وما يزيد من احتمالات انتشار الفكر المتشدد هو تجدد الصراع المذهبي في منطقة غرداية بين الإباضية من أصول بربرية، وبين المالكية من أصول عربية، وتتخوف السلطات من أن يخرج هذا الصراع عن السيطرة ويتحول إلى صراع مسلح بسبب إحساس الإباضية بانحياز الدولة ضدهم.
وللجزائر تقاليد في تحول الخلافات إلى صراع مسلح مثلما حصل في الخلاف بين السلطات وجبهة الإنقاذ في التسعينات.
العرب اللندنية