الجمعة 22 نوفمبر 2024
ملفات الوطن الآن

بعد أن حولوا الفضاء السياسي إلى «بورديل» حقير.. حكومة «التشرميل» و«المشرملين»!

بعد أن حولوا الفضاء السياسي إلى «بورديل» حقير.. حكومة «التشرميل» و«المشرملين»!

حين طلع علينا، في سنة 2014 شباب مسلحون، بشعر مرسل أحيانا، أو بصلعات مدهوشة أحيانا أخرى، وبزي «مشمكر» مثير، كنا نعتقد أن الظاهرة التي سماها المغاربة بـ«التشرميل» هي تعبير عن إحدى صرعات شباب اختاروا أن يتمردوا على الذات والمجتمع بتبني هذا السلوك العنيف. وكنا نعتقد أن ذلك آيل للزوال بمجرد ما تصحو الأجهزة الأمنية من ارتخائها في الشوارع الآمنة. وذلك ما حصل فعلا نسبيا بعد أن استعاد الأمن سلامة الفضاء العمومي وحرره من ذلك النزوع العابر. لكن الذي لم ندركه في تلك اللحظات هو أن ذلك «التشرميل» كان تعبيرا سوسيولوجيا عن ظاهرة أخطر تمس كيان المجتمع برمته، وتمس بالخصوص نخبه السياسية التي صارت تنزل باللغة وبالسلوك والمواقف ما تنزله الشواقير والسيوف بالأجساد والعقول. وربما نحتاج فقط لبعض الوقت ليقدم لنا علماء الاجتماع والإجرام (بمعناه العام، المادي والرمزي) إفادات عميقة حول هذه الظاهرة التي ارتبط ظهورها الصارخ بما بعد دستور 2011 الذي اعتبره المراقبون نقلة نوعية في البناء الدستوري المغربي، وتطويرا للمكتسبات المتحققة، بما فيها من بنود أسست إقامة سبل التسامح، واحترام التنوع والاختلاف في السلوك والأفكار والنصوص التشريعية.

لكننا للأسف، وجدنا أن المشهد السياسي يسير ضد هذا التيار الدستوري بتعميق مسلسل «التشمكير» السياسي، لا من طرف الحكومة فقط، بل وتشترك المعارضة في هذا الانحدار والإسفاف، تماما كما لو أن التنافس المفروض أن يجري بين السلط (الأغلبية والمعارضة) على قاعدة البرامج والاختيارات، وعلى المعطيات والأرقام وعلى النقد والتوجيه، صار يتم في «بورديل» الألفاظ والمعاني وماخور المواقف. إنه «التشرميل السياسي» غير المسبوق في تاريخ الحكومات والمعارضات التي تعاقبت على المغاربة منذ الاستقلال إلى اليوم.

ولنعطي لحكمنا بعدا نسبيا نشير إلى أن ما مضى من سلوك الفاعلين السياسيين كان دائما يتم في إطار احترام مشاعر المغاربة، وإن كنا من قبل نلاحظ استثناءات لا حكم لها، مثل حالة وزير شارد، أو نائب تالف كان يتعثر في كلماته ومواقفه. أما اليوم فالمصيبة قد عمت، دون أن تهون، حيث صار للتشرميل أكثر من وجه، وإليكم الدليل:

1- «تشرميل» اللغة: اللغة ليست ناقلة لأفكار فقط كما يرى ذلك اللغويون وعلماء النفس والاتصال، لكنها صورة لهذه الأفكار، وللناطق بها. ولذلك فالمتحدثون اليوم، من الجهاز الحكومي أو من المعارضة، يقدمون صورة منحطة جدا عن أحزابهم، وأفكارهم وسلوكهم الشخصي لدرجة صار المغاربة يتساءلون معها حول ما إذا كان بعض هؤلاء قد قرأوا القرآن وسيرة الرسول الكريم وهل دخلوا المدارس والجامعات من قبل، أم أنهم تربوا داخل «البارات الكريهة» و«البورديلات الخانزة» و «السيلونات العفنة» وحمامات النساء في الدروب الشعبية..

وخير مثال على ذلك ما ينطق به رئيس الحكومة والعديد من الوزراء، وأعضاء المعارضة من معجم يعبر عن حقول دلالية موغلة في التخلف و«التسلكَيط» والكلام البذيء الذي يدفع المرء إلى التقيؤ على هذه النخبة.

2ـ «تشرميل» المظهر: إلى جانب انحطاط اللغة والخطاب، هناك الترجمة السلوكية التي يبدو معها هؤلاء الفاعلون كما لو كانوا قطاع طرق بوجوه وقسمات مرضية تغري علماء التحليل النفسي بالدراسة والاستنتاج المفضي إلى أننا إزاء حالات تعاني من الرهاب والانفصام، وغيرها من باقي الأمراض النفسية.

من يرى رئيس الحكومة وهو يتحدث في لقاء حزبي ينزل من المنصة في اتجاه أحد المواطنين مخاطبا إياه «هانا قدامك صرفقني»، ومن يراه في جلسة المساءلة الشهرية الأخيرة (المجهضَة)، سيجد أن الرجل يعطي الانطباع بأنه لم يأت إلى حكومة لها حرمتها، وضمن ممارسة دستورية راقية، ولكنه قادم إلى حومة لاقتناء القرقوبي أو «المعجون» أو «الروج مدرح». وفي هذه الحالة ستكون أمام أحد الاحتماليين: إما أن عبد الالاه بنكيران لا يفهم أنه بصدد ممارسة مسؤولة تتطلب حكمة رجال الدولة الذين يعدون ألف حساب لصورتهم أمام الله وأمام الرأي العام الوطني والدولي، أو أنه يتعمد «تشرميل» الملك والمواطنين، غير مكترث بحرمة الحكومة أو البرلمان، أو بمشاعر المواطنين، أو بصورة المغرب في الخارج. ولعل لمنظره وهو يحمل ذراعيه في هيئة «سبيرا»، في ختام الجلسة، أكثر من دلالة، لعل أولاها تطابق صورته مع صورة القدافي الذي كان يقترف نفس الحركة للإيهام بانتصار كاذب، في الوقت الذي كانت بلاده تتساقط ككثبان من رمل لأن اللغة والمظهر لا يصنعان الانتصار لحسن الحظ.

3ـ «تشرميل» المواقف: يتعلق الأمر هنا بمواقف الحكومة «التشرميلية» التي تتعدى الكلمات والمظهر إلى المواقف والقرارات القائمة على الازدواجية التي صار يتداولها المغاربة على صفحاتهم الإلكترونية، أو في جلساتهم الخاصة، بسخرية وضحك أشبه بالبكاء. ومنها العدد الذي لا يحصى من التصريحات الرسمية، بدأها بنكيران الذي صرح بفساد صلاح الدين مزوار، ثم تحالفه معه لمجرد إنقاذ حكومته الثانية، وعدم الحسم في شخصيته ما بين رئيس الحزب ورئيس الحكومة. وهو بذلك يرسم «الخط التحريري» لمرؤوسيه في الجهاز التنفيذي الذين يسيرون على نهجه في تحويل الوزارة إلى «بيسري ديال الشكلاط»، أو «بيت النعاس» أو إلى «برتوش» حميمي لنسج العلاقات العاطفية... تضاف إلى ذلك المواقف المثيرة لوزير التعليم (في النسخة الأولى من الحكومة) الذي شتم التلاميذ والأساتذة على حد سواء، أو لوزير التعليم (في النسخة الثانية) الذي صرح بأنه لا يعرف اللغة العربية في حين يطوقه الدستور بحماية مكونات الهوية المغربية، وفي صدارة ذلك اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية... إلى غيرها من المواقف التي هي غيض من فيض، لدرجة صار معها يحسون كما لو أنهم أمام «سيتكوم» يشيع الكوميديا السوداء، وكما لو أن جوهر السياسة صار تغذية النزوع الفرجوي الساقط. والحال أن تحديات كبرى توضع أمام المغرب، داخليا وخارجيا.

والنتيجة أن السياسة توجد حاليا في وضع «مشرمل» يعلم الله وحده مخاطره على مستقبل البلاد. مثلما توجد الديموقراطية في «الكوما». وهو، في تصورنا، عبث مقصود أوصلتنا إليها نخب سياسية غير مسؤولة عوض أن تفهم الديموقراطية كإحدى آليات التداول على السلطة، والخضوع للمحاسبة نراها تعطلها، وتنقلب عليها. ولذلك فالحكومة بقيادة العدالة والتنمية تعي أن هذا «السيتكوم» يغطي عن الفشل، وبالتالي فسنسمع أعضاء التحالف الحكومي في الحملات الانتخابية يعلقون أسبابا هذا الفشل على كل الجهات: العدالة والتنمية تعلقها على «التماسيح العفاريت والدولة العميقة»، والأطراف الحكومية الأخرى ستعلقها على الحزب الأغلبي... ومن ثم سيشقون الطرق إلى ولاية تشريعية جديدة. ويبقى الشعب المغربي هو الخاسر الأكبر.

فقط لم ننتبه إلى أن هؤلاء المرضى والساقطون الذين يحكموننا كانوا أصلا في حاجة إلى حجر سياسي، وإلى خضوع إلى العلاج النفسي، مصحوبا بتأهيل اجتماعي وسياسي. وهذا ما لم يكن يتصوره أحد، ونحن ندخل التمرين الأول في عهده الدستور الجديد، يا حسرتي على بلدي!

عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية

«التمساح»

يجمع كثير من المتتبعين لخرجات بنكيران أن كلامه يعلمنا أن «السياسة تتم في مكان آخر». فمنذ تعيينه رئيسا للحكومة، وهو المنصب الذي لم يصدق يوما أنه سيصل إليه، وهو يقدم، مع زملائه في الحكومة، حلقات مثيرة من «التيلي نوفيلا» التي تجمل الواقع البشع الذي يعيشه المغاربة، أو حلقات من «الوان مان شو» التي تجعل المتفرج «يموت» كمدا وحسرة على رجال الدولة المتعففين. فبنكيران، مثل الساحر، يخرج دائما العفاريت والتماسيح والغيلان والثعابين والنكت الحامضة. وعند اللزوم، يخرج عباءة الفقيه الورع الذي يهاجم أعداء المصباح، ويتهمهم بالسفاهة والفساد.. ثم، حين تغلق أمامه الأبواب، يعتذر.. ولا يتوانى عن الضحك في وجوههم. فالكل يلعب، والكل يضرب تحت الحزام.. والسياسة مجرد مسرح صغير يسيطر عليه من يجيد فن الاستعراض والإلهاء، ومن يملك حنكا كبيرا لإطلاق الأصوات والشتائم..

فيكفي أن تشاهد حلقة واحدة من حلقات «المساءلة الشهرية» أمام البرلمان، لتدرك أن للرجل الذي يخاطبنا فهما خاصا للعمل الحكومي، فهو لا يكتفي بتوضيح سياسته وتبرير إجراءاته وقراراته، بل يتعمد أن يضفي قليلا من «التشرميل» و«التهريج» و«التسلكَيط اللغوي» وممارسة معارضة المعارضة، والمسكنة، وتأليب الرأي العام على المعارضة التي «ترعى الفساد» وتعارض أولياء الله الصالحين!

صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، أمين عام حزب الأحرار

«الولي الصالح»

مع الحرب التي باشرها ضده حزب «البيجيدي»، في مقتبل انقضاض وزرائه على الحكومة، لم يكن أي أحد يتخيل أن صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الحالي، سيصبح «وليا صالحا» بعدما كان الإسلاميون يطالبون برأسه، حتى جعلوه في لحظة ما مرادفا للفساد والنهب المالي، ولم يكن أحد يتخيل حتى «البيجيديين» أن بنكيران سيضطر، بعد خروج الاستقلاليين من الحكومة، إلى تبييض معطف هذا التجمعي.. وتقديمه إلى المغاربة كرجل وطني صالح، وحليف طاهر ونقي؛ بل ما كان أي أحد يتخيل أن هذا الرجل الذي وصل إلى زعامة الحزب بطريقة «الباراشوتاج» سيضع يده في يد من اتهمه بالفساد، وذهب إلى حد المطالبة بمحاسبته أمام العدالة.

فإذا كان المتتبعون يعتبرون أن بنكيران استبدل قطعة بقطعة ليستمر في الحكومة، فإن مزوار هو الرابح الأكبر، إذ استطاع أن ينتزع براءته من الفساد من لسان غريمه رئيس الحكومة، كما استطاع أن يصبح وزيرا بمهمة ثقيلة في حكومة الإسلاميين.

وعلى العموم، فإن رئيس دبلوماسيتنا يعرف كيف يصطف، حسب الظروف المتاحة، إلى جانب الأقوى. ذلك أنه كان ذراعا من أذرع «مجموعة الثمانية» قبل أن تنتهي صلاحيتها مع هبوب رياح التغيير في البلدان العربية، ليصطف إلى جانب البيجيدي. ومن يدري.. على من يأتي الدور في المرحلة القادمة؟ هل سيستمر مع الإسلاميين أم مع حلفائه الطبيعيين: الليبيراليين؟

نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية

«الحاج الشيوعي المخزني»

استحق بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لقب «الحاج الشيوعي المخزني»؛ حيث أثبت هذا المسؤول، لمن يحتاج إلى دليل، أن عادل إمام كان محقا حينما ابتدع في فيلم «إحنا بتاع الأوتوبيس» عبارة (الإخوان الشيوعيون). فبعد أن غادر حلفاءه في الكتلة، ها هو الآن، يعيش في ظل «الإخوان»، بلا صوت.. فهو مجرد قطعة بوزل لإكمال نصاب الأغلبية، وهو مجرد أرنب سباق يخوض حربا ضد الساعة لحيازة المكسب الوزاري.

ويتساءل المتتبعون أين أخفى نبيل بنعبد الله لسانه الذي كان طويلا؟ وما هو الدور السياسي الذي يلعبه بعدما قفز على الإيديولوجيا بدعوى أن «مصلحة الوطن» تقتضى أن يتزوج الإسلاميون بالشيوعيين، وأن يطوفا أمام الشعب فوق عمارية واحدة؟

لقد سبق لنبيل بنعبد الله أن قال بملء لسانه «أنا مخزني»، وها هو يقول «أنا إسلامي».. وغدا لا أحد يدري ماذا سيصبح. إنه يدور أينما تدور.. ولا أحد يعرف متى ستدور الدوائر على هذا الشيوعي الذي يجيد ارتداء كل المعاطف الإيديولوجيا، ولا يهتم لشيء قدر اهتمامه بالوجاهة الوزارية..

محمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة

«المحراث»

من بإمكانه شراء عقار يساوي أزيد من مليارين بالفقيه بنصالح بأقل من ربع ثمنه؟ الجواب لن يكون صعبا إذا علمنا أن لقب «ملك الفقيه بنصالح» يطلق على محمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية، الذي اتهمته إحدى السيدات أمام الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف، يوم 3 أكتوبر 2014، بشراء محطة للوقود وأراضي محيطة بها بواسطة وكالة مزورة!

ومن بإمكانه «التبشير» بنهاية الوظيفة العمومية وإطلاق برنامج العمل بالعقود داخلها؟ ومن بإمكانه القفز على النقابات و«تحجير» الحوار الاجتماعي ورفع سن التقاعد واتخاذ تدابير مخالفة لمصالح العمال والموظفين إذا لم يكن هذا الوزير هو مبديع، بتحريض شامل من رئيسه بنكيران؟

يصف نفسه بـ «العروبي» و«سراح» و«فلاح»، وبأنه يسكن في بيت والده، وبأنه موظف بسيط، لكن الحقيقة أنه ينام على ثروة كبيرة تقدر بالملايير ويقول إنه اكتشف السياسة بالصدفة، وصار رئيس يلدية الفقيه بنصالح بالصدفة، وبرلمانيا بالصدفة، وقياديا داخل حزب الأمازيغ بالصدفة، ووزيرا في حكومة بنكيران بالصدفة. فهو لم يكن يحصل على تزكية الحركة الشعبية إلا بـ«التزاويك»، وكان، بعدما استهوته السياسة وذاق حلاوة السلطة والمال والجاه يغير الوجهة نحو أحزاب أخرى إذا تم تهميشه، ولم يكن يخجل من الترحال، بل كان هاويا له. خاض صراعا كبيرا من أجل الاستوزار.. إلى أن تمكن من مراده علما أنه لم يكن يحلم مطلقا أن تصبح الوزارة حرثا له.

محمد الوفا، وزير الشؤون العامة والحكامة

«المهرج»

لو لم يكن «الوفا» موجودا لاخترعه عبد الإله بنكيران. فالوفا ممثل جيد، ويعرف كيف يؤدي الأدوار الكوميدية باقتدار كبير، حيث سبق له أن تتلمذ على يد نجوم بوليود المرموقين لما كان سفيرا للمغرب في «مومباي»، كما سبق له أن كان زائرا وفيا لنجوم الحلقة بجامع الفنا، وحاملا لمشعلهم داخل حكومة الإسلاميين. أليس هو «مهرج» بنكيران الذي يستلهم تراث مهرجي «حريم السلطان»؟ أليس هو «الاستقلالي» الذي اختل به الميزان، ولم يستفق من عثرته إلا على ضوء المصباح؟

ولأن «الوفا» ليس وفيا لاستقلاليته، فليس من المستغرب، عندما ينتهي عمر هذه الحكومة، أن يطلق اللحية ويعفو عن الشارب، ويعتنق الكحل والسواك والمآذن، تشبثا بالكرسي الذي «أوباما بنفسو ما عندوش بحالو».. وليس غريبا أن يستمر في إطلاق العنان للسانه، تهكما عل الخصوم، بل حتى على عموم الشعب، أساتذة وتلامذة وعمالا وموظفين..

مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات

«بباغيو»

يتذكر المغاربة جيدا كيف كان المصطفى الرميد «يُطَيْكِكْ» في البرلمان، حينما كان رئيسا لفريق «البيجيدي»، وكيف كان يقوم من مكانه استعدادا للعراك، وكيف تنتفخ أوداجه بالصراخ كلما شعر الإسلاميون «النظاميون» أنهم مهددين من قبل المتربصين بهم. كان الرميد يتدرب على الصراخ العالي، لأنه كان يعتقد أن المعارضة هي الصراخ، وأن من يعلو صوته في البرلمان هو الفائز، وهو من يملك سلطة الاقتراح والتشريع والحكم. والآن، وقد تحول إلى وزير للعدل والحريات، يظهر أن الرجل بدأ يعي أن للمسؤولية الوزارية -في قطاع العدل- قياسات لا بد من احترامها.. وأن زمن «طيكوك» قد ولى، وأن منطق «الحكم» ليس هو منطق الحكومة أو المعارضة.

لقد بدأ الرميد في الحكومة «صقرا» بمخالب حادة وعقل «مشرمل»، وانتهى إلى مجرد طائر داجن وصامت.. يتحرك مكسور الجناح داخل القفص المفصل على مقاسه سلفا. بل أدرك أنه يتحرك في مساحة من الألغام والفخاخ، وأن العدل لا يصنعه قرار إداري، بل يصنعه العديد من المتدخلين الذين بإمكانهم -إن اجتمعوا عليه- أن يشلوا بلادا بكاملها.

حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال

«الملاكم»

ينعته المراقبون بـ «المعادل الموضوعي» لبنكيران والتوأم السياسي له.. فهما رغم اختلاف المواقع، ما بين المعارضة والحكومة، يشبهان بعضهما كثيرا، ويتحدثان اللغة نفسها، ولا يخجلان من الاستبضاع من لغة الشارع، لحمل الخصم على التقهقر والتراجع إلى الوراء، حتى وإن اقتضى الأمر الاستعانة بالحمير وبالأعضاء التناسلية.

وليس من شك أن حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، ملاكم جيد تربى على تلقي الضربات وردها بأقوى منها، في النقابة والجماعة والحزب، وفي الحياة أيضا. ولذلك، فإنه لا يتردد في استعراض لسانه، بالتجرؤ على الجميع، بمن فيه الأموات.. وليس أدل على ذلك من تهجمه على المهدي بنبركة، وادعائه عن نفسه أنه رجل مبروك.. وأن الرسول (ص) تحدث عن مدينة فاس. بل إنه يختار الوقت المناسب لإلقاء الجمر في ثوب غريمه بنكيران، كأن يتهمه بالإرهابي المنتمي إلى داعش، وكأن يتحدث عن الغراميات الحكومية.. وكأن يبادل رئيس الحكومة طيشا بطيش، ورصاصة برصاصة..

إدريس لشكر، الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

«مصارع السومو»

«مصارع سومو محترف». هذا هو اللقب الذي يطلقه عليه بإعجاب كبير بعض أتباعه. إذ أثبت للجميع أنه قادر على قهر أشد خصومه ضراوة. وبالفعل، لقد تمكن من إزاحة «اليازغي»، ومن تحييد ولعلو والراضي، ومن محاصرة الزايدي، ومن إخراج خيرات بخفي حنين من الإعلام الحزبي، ومن أبعاد المثقفين وتدجين النقابيين والشباب والنساء. بل الأدهى من ذلك، أنه نجح في تحويل «الاتحاد الاشتراكي» إلى تاريخ، بعدما اختزل الفكرة الاتحادية في معارضة بنكيران وحكومته.

لم يعد للاتحاد الاشتراكي أي مشروع مجتمعي يقترحه على المغاربة، ولم يعد له مثقفون ينتجون أفكارا ويحللون أوضاعا ويقترحون حلولا. بل أصبح إطارا تابعا ومشروع ميت بالسكتة القلبية، لا يتمتع بأي مبادرة في الميدان. بل إن حتى فكر الاختلاف الذي روج له مثقفوه الكبار الأوائل أصبح -في إحدى كلماته أمام اللجنة الإدارية للحزب- فكرا يعتنقه الغوغائيون وأصحاب المنافع والريع الحزبي.

إدريس الراضي، رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب

«الإقطاعي»

إذا كانت من مهام البرلماني إسماع صوت المواطنين الذين صوتوا عليه أمام البرلمان، فإن إدريس الراضي، رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، يقترن اسمه بمواجهة السكان، حيث اتهم بتسوير أراض ينازعه فيها مواطنون بدوار الفكارنة بالأسلاك الشائكة، ، وأيضا تهمة سرقة الغابات والترامي على أراضي الغير... إلى غير ذلك من التهم التي تحوم حول رأس هذا القيادي في حزب الحصان.

إدريس الراضي يواجه الجميع. السكان والخصوم السياسيين والأقرباء، لكنها مواجهة بطعم الرداءة. بل إنه لا يتحرك إلا مخفورا بالحرس الخاص، كأنه يخشى على نفسه من اعتداء محتمل، هو الذي دأب على فتح جبهات عديدة، وخاصة ما يتعلق بأراضي الجماعات السلالية. كان مجرد سائق طاكسي، والآن يلعب في الملايير، والجميع يتهمه، بمن فيه رئيس الحكومة، بأن كرشه كبيرة.. وهو ما حذا به إلى الكشف عن بطنه أمام أعضاء البرلمان حين صرخ فيه بنكيران «بنادم اللي بغى يهدر يشوف آش فكرشو».

عبد الله بوانو، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب

«وحيد القرن»

ينعته قياديون في البيجيدي بـ «المتهور»، وآخرون بـ «الأهوج»، والبعض الآخر بـ «الطوبيس» أو «التران اللي ما عندو فران». لكن العارفين بخبايا الأمور يدركون أن الرجل «مكلف بمهمة»، وهي مهمة دقيقة لا يستطيع القيام بها إلا من كان مستعدا لجميع الاحتمالات، بما فيها المواجهة مع النواة الصلبة للدولة.

فهو صلة الوصل بين الحكومة (المشرفة على تطبيق السياسات العمومية) والناخبين (الذين يميلون إلى من يدافع عن قضاياهم)، وهو رجل الحكومة في «معارضة» المعارضة (بما فيها المعارضة النافذة)، وهو بعبعها الذي يستطيع أن يصرخ ويطلق النار في كل اتجاه، أليس هو من يقول ردا على أصدقاء الملك «لا أحد يملك سلطة الكلام باسم الملك»، وأن «لغة التعليمات والهواتف انتهت»، وأن «من يحنّون إلى التحكم واهمون».. وهو الرجل المكلف بتكبيل أيدي المعارضة ورسم خط وقوفها، وفي مقدمتها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والبام.. وهو الرجل الذي يعطي الانطباع بأنه ينتمي إلى حكومة ملائكة، وأن الآخرين كلهم شياطين وانتهازيون وفاسدون ومتواطئون على نهب ثروات الشعب.. وهو الرجل الذي يبرر الاختيارات اللاشعبية للحكومة، ويبرر زياداتها وضعفها وفشلها وخوائها..

إن من ينصت إلى بوانو وهو يتحدث سيتأكد من شيء واحد هو أنه استثمار حكومي لمنع إحراق وجه الحكومة، وهو استثمار يتيح لبنكيران التغطية على الفشل، وإظهار الحكومة بمظهر من يتعرض للمؤامرة، وهجوم جيوب مقاومة التغيير. وفي ذلك وجه من وجوه النفاق السياسي الذي يتقنه الحزب الحاكم.