السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

صافي الياسري: أوباما بين الاعتراف والتغاضي عن انكسار الشوكة

صافي الياسري: أوباما بين الاعتراف والتغاضي عن انكسار الشوكة

كثيرة هي الوقائع التي تؤكد انكسار شوكة أوباما كرئيس أميركي وصل بالهيبة الأميركية إلى الحضيض، وإلى اسوأ مما قادها اليه بوش في سياسة الحرب على الارهاب ومحاولة استعادة هيبة أميركا الممرغة بالوحل  في أحداث 11 عبر الانتقام العسكري من دول الاسلام بعد اتهامه بعامته بالارهاب دون تفريق بين المتطرفين والاسلام الحقيقي دين السلام والتسامح والتعايش المجتمعي المتعاون والمتضامن  وقبول الاخر واعتبار مبدأ الحوار واحترام حقوق انسان ورفض العنف والتطرف، فكان أحتلال افغانستان ثم العراق، نقمة على الشعوب الاسلامية والعربية والشعب الأميركي نفسه، ولم تحصل أميركا على مطلوبها في استعادة هيبتها أو في الانتصار على الارهاب، كما جنت مضافة إلى فقدان الهيبة مكرهانية الشعوب ونشرت الارهاب على أوسع نطاق وبدلا من ان تقضي على القاعدة كما كانت تعلنها هدفا للحرب على الارهاب عاونتها بالنتيجة على نشر شرارها على أوسع نطاق بين الشعوب والدول الإسلامية والعربية، فكانت نتاجاتها اللاقحة – داعش وبقية أفراخها  في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن وغيرها.

وجاء أوباما صاعدا على أكتاف الرغبة العارمة والمحمومة للشعب الأميركي بإيقاف خسائره في الأرواح والأموال  ليقع هو الآخر بغلطة أسوأ من تلك التي ارتكبها بوش في احتلال أفغانستان والعراق، فقد سحب قواته من العراق في وقت لا توافق مجرياته استحقاقات هذا الانسحاب وما قراره هذا بحسب رؤيتي إلا على وفق ما املته نظرة ارسلها عبر ثقوب صناديق الاقتراع الاميركية  وحبه للظهور بمظهر من يفي بوعده وكان قد وعد في حملته الانتخابية – على وفق البروبوغاندا التي رسمها له مستشاروه وما بينته مؤشرات قياس الرأي العام الاميركي – بسحب القوات الاميركية من العراق على وفق جدول لم يتاخر كثيرا بعد انتخابه وما كان القرار بكل حيثياته مدروسا في تداعياته على أميركا والعراق فقد كانت كل المؤشرات توضح أن العراق على شفا حفرة كارثية بسبب زيادة التوتر الطائفي والعرقي بين مكوناته، ربما اودت بوجوده وكيانه كدولة لها اعتبارها وقدرتها على النهوض من كبوة الاحتلال - وقبل أن يوفر امكانات خلق بلد قادر على حماية نفسه من الغزو الارهابي الذي تدفق عليه من كل جهة ومن الصراعات الطائفية التي تسيدت نشرها فيه إيران بتدخلاتها ونفوذها حتى قيل إن أمريكا سلمت العراق لإيران على طبق من ذهب، وما زاد الطين بلة أن أميركا أوباما ساعدت إيران في مشروعها الطائفي بتحويل الصراع في العراق من صراع سياسي لإنهاء مرحلة الدكتاتورية وبناء العراق الموحد التعددي الديمقراطي الاتحادي وأعماره، إلى مستوطنة يتسيدها الصراع الطائفي الذي مزق لحمة النسيج الاجتماعي فيه ودمر السلام المجتمعي وحفر الخنادق بين مكوناته كافة من خلال التاسيس لمجلس الحكم الطائفي وترسيخ نظام المحاصصة على وفق حسابات عددية كانت هي الاس والاساس الذي بنيت عليه القوانين والأحكام والدستور الذي لم يكن إلا معولا لهدم التاسيس العراقي الحضاري المبني على تعايش الالوان العراقية وفسيفساء جدار العراق الصلب الأمن المسالم الباني الحضاري، والقيد الذي لا أحد يعرف متى وكيف يمكن الخلاص منه وماهو بديله فالرؤية لم تعد ممكنة في بلد اصيبت اغلب عيونه بالعمى السياسي ،كما فتحه مستعمرة والة تفقيس لتكثير بيوض الارهاب وحواضنه ومعسكراته بل ومدنه ودوله، ويمكننا قراءة استفحال سرطان الارهاب في داعش التي هي اختصار للدولة الإسلامية في العراق والشام وولاياتها في سوريا والعراق، واحتلالها ثلث العراق مدنا ومنشات وثروات وأراض وارث وبشر وفي شعارها – باقية وتتمدد - الذي صرنا نسمعه ليس في الشرق الأوسط وحسب وانما في اليمن ومصر وليبيا وشمال افريقيا وباتت دول آسيا الوسطى ترتعد لذكر داعش، ذلك هو ما فعله أوباما الذي تصرف بدكتاتورية واضحة حين وضع على الرف كل اعتراضات القيادات العسكرية الأميركية بعدم ترك العراق ريشة في مهب الريح _ ونسف المنجزات التي حققتها فيه أميركا بحسب تعبيرهم وتعبير العديد من الساسة المعترضين على المغادرة قبل تحصين العراق وترسيخ دولة الديمقراطية والسلام والرخاء فيه – وقد استمر اوباما ليس في التخلي عن العراق وحسب على رغم الاتفاقات الموقعة بين البلدين التي لحس اوباما التوقيع الأميركي عليها متنصلا منها على وفق خططه لاعادة ترتيب بيت الشرق الأوسط – مشروع الشرق الأوسط الكبير - على أسس أسطورية خيالية لا يرتضيها واقع ومتحركات وثوابت هذه المنطقة، فكانت سياسته هذه كوارث ما زالت تتناسل، ومع انه قاد الديمقراطيين الى هزيمة مخزية حين خسروا أمام الجمهوريين الانتخابات التشريعية، وهو يعيش الآن ارتدادات رفض اتفاق الإطار مع إيران من قبل  حلفاء اميركا ومن قبل الكونغرس الاميركي وتداعيات سياسة اللين والمساومة مع روسيا وإيران والتخلي عن الاصدقاء والحلفاء في المنطقة العربية ،الذين فقدوا ثقتهم بالحليف الاميركي على يد اوباما وهو ما يعترف به كبار ساسة اميركا ويستشهدون بعدم اعتبارهم أميركا حين اتخذوا قرارهم باشعال حرائق عاصفة الحزم ،اميركا اوباما خسرت الكثير، واخزى ما يمكن أن نوجهه لها نحن العراقيين لم يظهر كاملا بعد وان تبين في موقفها من الحرب على داعش التي تلعب معها لعبة توم وجيري في ما اسمته بالتحالف الدولي ضد داعش ودول العزم المتاصل التي تعترف أميركا أنها الآن مهددة بالتفكك إثر مغادر الدول العربية المشاركة دائرة الائتلاف وارتخاء همة الحلفاء الأوربيين وسخريتهم من الاداء الاميركي وسياسة اوباما  التي تعتمد النفس الطويل في محاربة داعش – هذا اخر ما قاله اوباما لرئيس وزراء العراق في زيارته الحالية لواشنطن – ان الحرب على داعش طويلة الامد – بنية عدم إيفاء أميركا بالالتزام بتعداتها للعراق بحسب اتفاقية الأمن المشترك بين الطرفين، وعدم اعتماد مبدأ القضاء على التنظيم وإنما تحجيمه بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان بينما لم تحتج أميركا إلى القضاء على السلطة الوطنية في العراق إلا لأيام بذريعة واهية  هي محاربة الارهاب العراقي بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم يعثر لها على اثر، وداعش سيدة الارهاب في الشرق الأوسط الذي بات يهدد كل الدول والشعوب العربية من العراق حتى سواحل الاطلنطي والعمق الافريقي بعد أن هيأت له دولة التطرف الطائفي والعنف الارهابي إيران البيئة والحواضن للنشوء والانتشار مدعومة بسياسات أوباما الانتهازية التي لا تنظر لا الى مصلحة الشعب الأميركي ولا إلى مصالح الشعوب والسلام العالمي وإما إلى صناديق الاقتراع الأميركية التي نحن على يقين أن أوباما والديمقراطيون خسروها هذه المرة، وتبين أن شعار الحرب على الارهاب لم يكن يقصد به إلا إيجاد القاعدة التي ترفع بها التخصيصات المالية في الموازنة الأميركية لممارسة الرؤساء الأميركان شذوذهم السياسي وارهابهم للشعوب المغلوبة على أمرها بسبب تصفير مربع القدرة على الاعتراض، وهنا يحضرني قول اوباما سنلوي ذراع كل من يفكر ان يقول ما لانقول حتى يقول ما نقول، كما انظر بعين السخرية إلى المبلغ (200 مليون دولار) الذي قدمه أوباما تبرعا للعراق خاوي الخزينة غير القادر بسبب انعدام الموارد او قلتها على مواجهة  متطلبات الحرب على الارهاب وتحديات ما افرزه – بينما يمكن العراقي الحديث عن المليارات التي سرقها أولئك الذين ولتهم اميركا وإيران على العراق وسلمتهم مقدراته يعبثون بها هدرا واختلاسا وسرقة -  بسبب سيطرة داعش  على مدن عراقية  مكتظة بالسكان بات سوادهم الأعظم إما نازحا أو مشردا أو مهجرا أو في قبضة الدولة الداعشية ينفذ كل أوامرها ليصبح هو الاخر سكينا تحز رقاب العراقيين .

قائمة الانكسارات الأوبامية والخسائر التي الحقها الرئيس الاميركي بشعبه وبلده وحلفائه وبالعالم أجمع، تلك القائمة كسرت شوكته واقعا وألحقت أفدح الأضرار بأميركا وشعبها، لكن أوباما تعامى عن كل ذلك وما زال يتصرف كرئيس منتصر يريد ان يخلده التاريخ كما خلد رؤساء لا يمكن ان تنساهم الانسانية قبل الاميركان بما قدموه لها من انجازات ورفعة وتقدم وحماية وسلام ورخاء.

واخر انكسارات اوباما توضحت في ساحة الكونغرس الاميركي الذي شهد تقاطعا حادا وجدلا شديدا بينه وبين أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين انضم إليهم أعضاء من حزب أوباما – الديمقراطيون بشأن اتفاق الإطار مع إيران الذي ما زال يلقى اعتراضات وشكوكا كبيرة ارغمت أوباما مؤخرا على قبول القانون الذي يطالب الكونغرس بسنه لترسيم سلطاته فيما يخص هذا الاتفاق.

فقد قال وزير المخابرات الإسرائيلي يوفال شتاينتز اليوم الأربعاء 15-4-2015إن إسرائيل راضية عن اتفاق الحل الوسط الذي توصل إليه الكونجرس الأمريكي وإدارة الرئيس باراك أوباما بشأن إيران.

وأضاف شتاينتز لراديو إسرائيل، نحن سعداء بالتأكيد هذا الصباح، هذا انجاز لسياسة إسرائيل.. خطاب (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) في الكونجرس.. كان حاسما في التوصل لهذا القانون وهو عنصر مهم جدا في الحيلولة دون التوصل لاتفاق سيء أو على الأقل في تحسين الاتفاق وجعله أكثر منطقية.

وقد تخلى أوباما منكسرا وصاغرا عن معارضته أمس الثلاثاء لمشروع قانون يمنح الكونجرس رأيا بشأن الاتفاق مع إيران بعد أن تفاوض أعضاء حزبه الديمقراطي على إجراء تغييرات على مشروع القانون الذي حظي بدعم قوي من الحزبين.

وفي رأيي أن العامين المتبقيين من رئاسة أوباما فاقد الهيبة سيكونان عامين حافلين بمزيد من الانكسارات والخيبات جراء محاولات متوقعة بسلوك هستيري لاستعادة هذه الهيبة وتجاوز الانكسار، ما لم يعمد الحزب الديمقراطيالى لجمه لمنح هيلاري فرصة لتبييض صفحة الديمقراطيين التي دمغها انكسارهم أمام الجمهوريين في الانتخابات النصفية، هذا الانكسار الذي يعزوه الجميع الى انكسارات أوباما المحلية والعالمية.