هل يمكن، لوزير النقل والتجهيز، عبد العزيز الرباح، المكتفي بنباهته، اليوم الاثنين 13 أبريل 2015، أن يلوح للمحروقين في جحيم الطريق الرابط بين تزنيت وطانطان ويردد مرة أخرى "سلاما، سلاما"؟
هل يمكن أن يرفع التضرع إلى درجة الابتذال ويردد، من باب التحلي بأضعف الإيمان والتشبث به "يا نار كوني بردا وسلاما عليهم وهم يمشون في الطريق بين النار.. والنار"؟
هل يمكن أن يردد لازمة، اعتبرها بفعل النشوة الوزارية ناجحة وذكية، عندما صاح، ذات برلمان، بغير قليل من المكر المبتذل "سلاما"، وهو يخفي خلف الابتسامة المزهوة بالحريق الآية القرآنية الرفيعة "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" عندما طرحت المعارضة قضية الطريق القاتلة المسماة اشبيكة؟
هل يجرؤ أن يقول أنا المسؤول، أم سنقولها مكانه؟
أحيانا أكاد أصرخ "أنا المسؤول" وأنا من ارتكب الجريمة، وأجوب المغرب كله لعلهم يصدقونني بأنني أنا من قتل أطفال الجسور في سيول الجنوب القاتل، منذ أقل من خمسة شهور..
وأنا أيضا من أضرم الحريق الذي التهم أطفال طانطان "في بداية ربيع حارق"..
وأنا أكبر من الصدفة وأقرب من الجحيم؟
فمن فرط ما لا يشار إلى أي مسؤول في كل الفواجع التي تصيبنا، أصبح على المغاربة الأبرياء منها أن يعلنوا، من باب رفع العتاب أو باب المواساة، المشاركة في الجريمة؟؟ ولعل شعورنا الجماعي بالذنب هو الطريقة، ربما لكي نخفف من مصائب العائلات ولا نوهم العقل السليم بالتحقيق السليم والسريع الذي سيحدد المسؤوليات؟ في طريق مفتوحة للعزاء؟؟؟ والعزاء والنسيان المبكر للجثامين؟
لقد وقعت الجريمة؟؟ منذ 3 سنوات، وبإشراف ساخر من وزير النقل؟
حدث ذلك عندما تم طرح سؤال في البرلمان المغربي، في 2012؟؟ وهو سؤال شفوي، خرج من فم ومن كبد ومن تفكير على اطلاع، كان وراءه النواب والنائبات الاتحاديات في المنطقة، ومفاده أن الطريق إياها المعروفة باسم الشبيكات تحتاج التفاتة ضرورية، بل ذهب السؤال إلى تسمية الطريق باسم طريق الموت؟ وكان المبرر، قبل الفاجعة أن كل الحوادث هناك قاتلة، وأن الطريق، الوطنية رقم 1، من الداخلة إلى تزنيت أو العكس، لم تستفد من أي تفكير جدي في تثنيتها أو تقويتها أو ما شابه، هذا الشريان الوحيد كان يهدد بالفاجعة في حال وقع ما وقع في كلميم، أو جسر تاغانت عندما انقطعت الطريق بسبب المياه؟
وقتها ماذا كان جواب الوزير؟
"سلاما، سلاما"..
وسخر ملء "قبره"
وملء المقبرة؟؟
مرت ثلاث سنوات ووقع ما وقع من فاجعة؟
مرت ثلاث سنوات وفقدنا 33 نفسا بشرية، أي بمعدل 11 قتيلا عن كل سنة، وكان فائض الموت يهيء لنا "من أمرنا جثثا"...
فلا يمكن أن نفهم أن ثلاثة وثلاثين طفلا احترقوا، ولن تخرج المسؤولية عن التوظيف السياسي البشع والحقير،
لهذا يصعب أن نصدق أن التحقيق سيذهب إلى أن يحدد مسؤولية الوزير المعني، ثم الوزراء الذين يرافقونه في الأغلبية وفي الصمت في انتظار التوظيف السريع والعاجل لهذه القضية ضد خصومهم السياسيين ولاسيما المعارضة ولاسيما في معارضة الاتحاد...
هناك أمر ما نتن في هذه القضية؟ هو التوظيف الصغير في كارثة كبيرة بكل المقاييس؟؟؟
فقد بكى الخطيب من أعلى منبر الجمعة، وحمل الدمع إلى ربه، وهو يقرأ آيات الحزب الوطني الجامع على ملك البلاد...
وأمر ملك البلاد بالتحقيق، وكانت نخبة سياسية تتحكم، مع ذلك في القرار التسييري نائمة في عسل الحساب السياسي تبحث عن تفويت الرعب إلى حساب الخصم السياسي...
هل ننتظر أن يذهب التحقيق إلى مداه، ونحن نستمع كل مرة إلى وصلات التشنيع بالمواطنين الذين يموتون لأنهم لا يحترمون قانون السير؟ ونحن نستمع إلى أسطوانة مشروخة بألف صراخ لم يتم إصلاحها بالرغم من كل الخطب؟
هل يمكن أن ننتظر أن تكون 33 قتيلا أكبر من كراطة في ميزان العدل السياسي المغربي؟
مادام رأس وزير في الحريق لا يسقط ويسقط وزير في الكراطة، لأن الرؤوس في الأولى حقيقية ورؤوس الثانية أقل من كرة تتدحرج...
بعد الماء، تأتي النار، لكي تمتحن فينا ما تبقى من قدرة على العقل..
ولهذا من رآني منكم في الطريق أصرخ ملء حزني "أنا المسؤول"، فاعرفوا بأن الوزير لا زال مكانه، مثل الموت في قبورهم، وأن زميله في الأغلبية وفي التنافس الانتخابي ما زال يبحث عن عنوان آخر.. وأن الوزيرة بدورها ترى أن الأولوية هي للقتال حول رئاسة الجهة لا القتل من أجل الحقيقة..
وأن 33 قتيلا لا يصوتون،
يا إلهى...