السبت 18 مايو 2024
ضيف

مصطفى حمزة: "بحيرة زيما" بالشماعية معلمة تاريخية وسياحية مهددة بالتلوث والاندثار

 
 
مصطفى حمزة: "بحيرة زيما" بالشماعية معلمة تاريخية وسياحية مهددة بالتلوث والاندثار

تعتبر سبخة زيمة (ملاحة زيمة) موردا إنتاجيا لمادة الملح، وموقعا سياحيا وبئييا يستقطب العديد من الطيور المهاجرة، ويضم وفرة من النباتات النادرة، كما يعد هذا الموقع الإيكولوجي من ضمن مؤهلات المنطقة وإمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، التي تحتاج للتثمين ورد الاعتبار. وقد نظمت جمعية الشعلة للتربية والثقافة والنادي الرياضي للكرة الحديدية باليوسفية رحلتبن سياحيتين لبحيرة زيمة لفائدة أطفال المخيم الربيعي بتنسيق مع إدارة ملاحة زيمة التي قدم مديرها عدة شروحات ومعلومات علمية وبيئية للأطر الإدارية والتربوية والمستفيدين من الرحلة.. ولتعميم الاستفادة حول الموقع وما  تزخر به المنطقة من مؤهلات سياحية وإيكولوجية التقت "أنفاس بريس" الباحث مصطفى حمزة بخصوص تاريخ ملاحة زيمة، فكان الحوار التالي :

+ بداية هل يمكنك أن تقرب القارئ من بحيرة "زيما"؟

- على بعد كيلومترين من مركز مدينة الشماعية في اتجاه الغرب، توجد بحيرة "زيما"، وهي عبارة عن سبخة ممتدة على مساحة 600 هكتار، تحيط بها مجموعة من التلال تمدها بالمياه عبر أودية موسمية، وتقطنها نباتات طبيعية دائمة الخضرة تتحمل الملوحة والجفاف، هذا إلى جانب موقعها على محور هجرة الطيور ما بين أوروبا وإفريقيا، الذي يسمح لها باستقبال نوع نادر من الطيور: النحام الوردي يقضي بها فصل الشتاء والربيع وأنواع أخرى من الطيور البرية التي تتخذ منها مقرا دائما، إضافة إلى ما تحتوي عليه من جمبري نادر.

+ وكيف يتمثل المجتمع الحمري الموقع الإيكولوجي "بحيرة زيمة"؟

- "بحيرة زيمة" ظل اسمها وفيا لجذوره الأمازيغية.. تروي إحدى الأساطير أن أصلها هو الكتاب الذي حمله معهم إلى المغرب رجال رجراجة السبعة، الذين وفدوا على الرسول (ص). وتضيف الأسطورة أنه بعد قراءة الكتاب من طرف "سيدي واسمين" ـأحد رجال رجراجة السبعةـ على المصامدة بموضع رباط شاكر وإيمانهم بما تضمنه، أراد كل واحد منهم أن يكون الكتاب بيده، فلما رأى "سيدي واسمين" ذلك حبس الكتاب وذهب به ودفنه بأرض أخرى، وأخفاه عن جميع القوم. فلما رجعوا إليه بعد أيام قليلة وسألوه عنه، وقدم معهم ليخرجه إليهم من محل دفنه، فإذا هو ينبع منه ماء كالثلج... فطافوا بذلك المحل، ودعوا الله أن يجعل البركة والانتفاع في ذلك الماء، فصار ملحا أجاجا، وانتفع به المسلمون من بعدهم وسميت "فيضة زيما".

الأسطورة شاعت ووجدت من يروج لها، والبحيرة لبست لبوسا متعددا، فتحولت إلى امرأة، رمز للعطاء والخصوبة... يجثم قبرها أسفل جدع نخلة ناطحت بسعفها السماء، وزركشت أغصانها بملابس داخلية لنساء وفتيات يعتقدن، بأن التخلي عن هذه الألبسة، هو تخلي عن سوء الحظ، وجلب لحسن الطالع، تباركه الزيارة وتضمنه "لإلة زيما".

هكذا حولت الأسطورة علم جغرافي إلى مزار وهمي يمنح البركة وييسر سبل النجاح في الحياة، وتفنن الإنسان في إبداع أهازيج تضفي طابع القدسية على المزار الوهم، ونحت له أسماء لا علاقة لها بأصل الكلمة الأمازيغي الذي هو، من مادة "زم" بمعنى الماء الأجاج.

ومع توالي الزيارات للمزار الوهم (النخلة) وتعثر الأحلام المعلقة عليه، أصبحت بحيرة "زيما" بمؤهلاتها الطبيعية والسياحية تمارس جاذبية خاصة على قاطني مدينة الشماعية والمناطق المجاورة لها، وأصبح فضاؤها الممتد، بنباتاته الدائمة الخضرة، وطيوره البرية المتنوعة، يشكل المتنفس الوحيد لمدينة تم السطو على حدائقها ومساحاتها الخضراء... كما أصبح هذا الفضاء، قسما مفتوحا للدروس الميدانية الخاصة بالتاريخ الجيولوجي للمنطقة، وللطريقة التي يتم بها استخراج معدن الملح من البحيرة.

+ وما هي وجهة نظرك العلمية والتاريخية بخصوص بحيرة زيمة؟

- الواقع أن تكوين بحيرة "زيما" يعود إلى الزمن الجيولوجي الثاني، وتكويناتها عبارة عن رواسب هورية في غالبيتها مالحة، مما يفسر تواجد الملح بها، عكس ما أشارت إليه الأسطورة، واسمها الذي ظل وفيا لجذوره الأمازيغية، يدل على تواجد الأمازيغ بالمنطقة، قبل أن يستوطنها الحمريون، كما تؤكد ذلك العديد من المصادر التاريخية التي تتحدث عن مجالات تواجد " لمصامدة" و"رجراجة".

وإذا كانت "بحيرة زيما" قد شكلت عبر مسارها التاريخي ممرا رئيسيا، ربط بين أزمور وأغمات من جهة، وبين آسفي ومراكش من جهة ثانية، وشهدت مرور العديد من القوافل التجارية التي كانت تتخذها محطة للاستراحة، فإنها إلى جانب ذلك كانت شاهدا على مجموعة من الأحداث التاريخية التي جرت بالقرب منها، مثل:

ـ حركة السلطان محمد بن عبد الله في النصف الثاني من القرن 18م، والتي عين خلالها الفقيه هدي بن الضو قائدا على منطقة احمر، وأسس مدرسة للأمراء ومرافقيهم بمدينة الشماعية، لا زالت إلى اليوم قائمة تعاني من الإهمال والتهميش واللامبالاة.

ـ حركة السلطان الحسن الأول في صيف 1886م التي توقفت بفضاء البحيرة، واستقبل خلالها السلطان، وفود القبيلة ومساهمتهم في تمويل الحركة...

ولم تخل كتب الرحالة الأوربيين، من تدوين مشاهد عن بحيرة "زيما" وعن أهميتها الطبيعية والاقتصادية، فالرحالة الإنجليزي "آرثر ليرد" الذي زار المغرب سنة 1872م، يشير في كتابه "المغرب والمغاربة" إلى أنه بعد مغادرته قصر حاكم احمر، عثر في طريقه إلى آسفي على ما يشبه مساحة مكسوة بالثلوج، ولكن تبين أنها مكسوة بالملح، وهي تسطع تحت الشمس، كانت تروج التجارة بين المغرب وقلب إفريقيا.

أما الرحالة الفرنسي "أوجين أوبان" الذي زار المغرب سنة 1902م، فيقول عنها في كتابه "مغرب اليوم": "تضفي قدرا من البهجة ولو لبرهة قصيرة على هذا المشهد الموحش"...

خارج فضاء بحيرة "زيما "، وعلى امتداد منطقة احمر، تنتشر العديد من الزوايا والمدارس العتيقة التي تشهد وثائقها، على ما كانت تدخله بحيرة "زيما" من بهجة دائمة على هذه المؤسسات وطلبتها، مثل "زاوية العلامة الحاج التهامي الأوبيري" و"مدرسة الأمراء" بالشماعية.

هذه المعلمة السياحية والطبيعية مهددة اليوم بالتلوث والاندثار، مما يتطلب من جميع الجهات المعنية التدخل من أجل حمايتها والمحافظة عليها من العبث..