ابتداء من اليوم لم يعد مقبولا أن ينتصب فرد ما بالادعاء أنه تعرض للتعذيب وبأنه جلس بالقوة فوق «القرعة» في مخفر أو مركز اعتقال لانتزاع اعتراف أو للحصول على توقيع على محضر.
وإذا حدث أن زعم أنه كان ضحية «القرعة»، هناك مدخل واحد لدحض ادعاءاته، ألا وهو استدعاء أطباء أوروبيين أو آسيويين أو أمريكيين أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين أو يهود أو ملحدين، لفحص «مؤخرته» للتحقيق من مزاعمه!!
هذا التحول مسنود بثلاث شرعيات:
أولا: إن الدانمارك، وهي دولة راقية وذات تقاليد عريقة في الديمقراطية، اقترحت على المغرب في مارس 2015 بجنيف أن يكون شريكا لها في مبادرة لحشد الدعم والمصادقة الكونية على الاتفاقية الخاصة لمناهضة التعذيب، والتي سبق أن صادق عليها المغرب كما صادق منذ شهرين على البروتوكول الاختياري الملحق بها. ليس هذا فحسب بل وتم إشراك المغرب من طرف الدانمارك في رئاسة مجموعة أصدقاء اتفاقية مناهضة التعذيب.
والدانمارك ليست بليدة إلى حد أن تلطخ سمعة تاريخها ورصيدها الحقوقي للمناداة على بلد مثل المغرب ليكون شريكا قويا لها في مثل هذه المبادرات، خاصة وأن كشافات الدول الاسكندنافية (وعلى رأسها الدانمارك) مسلطة بشكل كبير على المغرب منذ مدة وتراقب الحراك السياسي وانفتاح المغرب المتزايد على المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وتابعت زيارة المقرر الخاص الأممي خوان مانديز حول التعذيب، وكذا زيارة فريق العمل الأممي الخاص بمناهضة الاعتقال التحكمي للمغرب بشكل ولد القناعة لدى الدانمارك بأن المغرب هو البلد الوحيد في الجوار الممكن الاعتماد عيه بدون مركب نقص خاصة في تيمات لها حساسية خاصة في الوسط الحقوقي الدولي (تعذيب - اختطاف - مكافحة الكراهية - مكافحة التطرف بجميع أشكاله - الاعتقال التحكمي - محاربة الإرهاب).
الشرعية الثانية تتجلى في خطة الرباط ضد الكراهية والعنف، وهي الخطة التي ترتبط بانشغالين يؤرقان العالم اليوم، وهما الانشغال حول حرية التعبير وحرية المعتقد اللذين يؤديان في كل محطة أزمة إلى ترويج خطاب الكراهية واللاتسامح.
وهنا أيضا علينا أن ننتبه إلى أن العقل الكوني لم يختر الرباط عبثا ليصدر منها خطة أممية منذ عام 2012، بالنظر إلى أن المغرب - مقارنة مع دول المنطقة - هو الأفضل ليكون محطة مهمة في النقاش الكوني حول خطاب الكراهية وحرية التعبير واللاتسامح والعنف. وتعزز ذلك بإعطاء مجلس حقوق الإنسان بجنيف في مارس 2015 الضوء الأخضر لبدء إحصاء عداد تطبيق خطة الرباط (انظر الحوار مع المحجوب الهيبة في ص: 6).
ثالثا: إقدام المغرب على خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية التابع لمديرية مراقبة التراب الوطني يوم الجمعة 20 مارس 2015، وهو المكتب الذي رأى النور ليس لوجود همزة عقارية بيد «الديستي» تتمثل في حيازة أرض بجوار مقر عمالة سلا أو لوجود منحة مالية دولية حصلت عليها الداخلية لبناء المقر، بل إن إحداث المكتب المركزي للتحقيقات القضائية يندرج في المسار الواسع لتحديث الدولة، بما في ذلك مجال الحريات والأمن. وهو المسار الذي انطلق منذ صيف 1999 بهدف واحد ألا وهو الجواب عن سؤال التوفيق الأمثل بين متطلبات حفظ الأمن والنظام العام وحماية التراب الوطني من جهة، وضرورات تأمين حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما يساعد على تحرير الطاقات وانصرافها نحو التنمية من جهة ثانية.
إن تعيين الوالي عبد الحق الخيام رفقة نخبة من الأطر الأمنية، لإدارة هذا المكتب ليس بالحادث المعزول، بل هو تتويج لإصلاحات تراكمية بالمغرب بدأت منذ تقعيد العدالة الانتقالية وإنشاء مؤسسات حقوقية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوسيط، المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان)، وفي التفاعل المتزايد للمغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان. كما يأتي خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية في إطار مراقبة شمولية مترابطة العناصر في مجال مكافحة الإرهاب، العدو رقم واحد لحقوق الإنسان.
هذه المقاربة مبنية على أربعة أضلع:
1- تطوير الحكامة الأمنية من خلال تطوير القوانين أو تعزيز القدرات في التكوين في مختلف المعاهد الأمنية (جيش - درك - شرطة - قوات مساعدة)
2- مراجعة المنظومة الجنائية سواء على مستوى المضمون (القانون الجنائي) أو الشكل (المسطرة الجنائية)، وهنا علينا أن نستحضر التحول الفاصل بتخويل ضباط «الديستي» الصفة الضبطية.
3- اعتماد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتجفيف معظم منابت الهشاشة والإقصاء التي (أي المنابت) يغرف منها الإرهابيون وشبكات الجريمة المنظمة زبناءهم.
4- تأهيل الحقل الديني عبر تأهيل فضاءات المساجد وتحيين التكوين وترسيخ الاعتدال بالارتكاز على موروث مغربي خالص غير موجود في بلد آخر، ألا وهو مرجعية إمارة المؤمنين التي أضحت الحارس الأمين للقلعة المالكية لتطويق كل اشكال الغلو القادمة من محاضن الأصولية والتمثلات المتطرفة للدين. بدليل أن دول إفريقية وعربية وأوروبية بدأت تطلب اقتباس التجربة المغربية في الحقل الديني، آخرها بلجيكا وفرنسا وإسبانيا بعد حالات تونس ومصر وغينيا ومالي والنيجر والسينغال وليبيا بشكل أعطى مصداقية للمقاربة المغربية..
والقرائن لا تعوز المراقب اللبيب، فبين الأحداث الإرهابية لعام 2003 بالبيضاء والتفجير الإرهابي لمقهى أركانة بمراكش عام 2011 مثلا، نجد أن معظم المؤشرات تصب في خانة تجويد وتطوير الحكامة الأمنية، وحسبنا هنا التوقف عند 5 مؤشرات:
1- بين 2003 و2011 نجد أن الأجهزة الأمنية كانت أسرع في التحري وفي إعلان النتائج
2- إذا استحضرنا عدد المعتقلين سنجد أن الفرق واضح بين 2003 و2011
3- التدبير الشمولي للحالة سواء في مواجهة الأظناء أو الضحايا
4- تأمين كل متطلبات المحاكمة العادلة
5- تبني برنامج حذر واعتماد خطة استباقية، بدليل أن كل تصريحات كبار المسؤولين الأمنيين بفرنسا تضمنت الندم على قطع حبل السرة الاستخباراتي مع المغرب قبل أحداث «شارلي إيبدو» وهو ما دفع باريز إلى تصحيح موقفها بعد أحداث 7 يناير 2015 لاستئناف تعاونها مع المغرب (راجع تصريحات شارل باسكوا + سكوارسيني + ساركوزي...إلخ.).
أبعد كل هذا يحق لأي واحد ليزعم أن المغرب يتبنى سياسة عمومية في التعذيب؟
نعم، قد تقع حالات تعذيب، لكنها فردية وليست مملاة من طرف الدولة. خذ مثلا فرنسا التي تكتشف فيها من حين لآخر حالات تعذيب أو سوء معاملة (آخرها اغتصاب كندية على يد ثلاثة من نخبة البوليس الفرنسي داخل مقر الشرطة القضائية في باريز)، أو الولايات المتحدة التي تهتز منذ أسابيع بسبب تعذيب السود بمدينة فيرغسون على يد بعض البوليس. لكن الساذج من يدعي أن فرنسا أو أمريكا تعتمد سياسة رسمية في التعذيب.
إذا كان الأمر كذلك، فلم الخجل إذن من إشهار هويتنا الحقوقية الكونية في وجه الحساد والحاقدين من جيراننا؟!
المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان
ما يقع اليوم من تطرف وإرهاب فتح شهية العالم على «خطة الرباط»
* شاركتم مؤخرا باسم المغرب في مجلس حقوق الانسان بجنيف في نشاط موازي تحت عنوان «خطة الرباط لمحاربة الكراهية والعنف». ما الذي جعل المغرب يطرح هذه الخطة في جنيف؟ ولماذا لم يتم أجرأة هذه الخطة أصلا منذ مدة؟
- من المفيد التذكير بأن خطة عمل الرباط حول منع التحريض على الكراهية على أساس قومي أو عنصري أو ديني لا هي خطة دولية وليست وطنية تتعلق بالمغرب لوحده، وأن تنفيذها يتطلب تعميق الحوار والنقاش بين مختلف الأطراف المعنية بمضامينها من حكومات ومؤسسات وطنية ومنظمات غير حكومية وهيئات دينية ووسائل إعلام. فالخطة جاءت لتتويج نتائج أربع ورشات إقليمية نظمت من طرف مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول هذا الموضوع بكل من إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا. وقد كانت الورشة التي نظمت ببلادنا، بالتعاون بين المفوضية السامية المذكورة والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، يومي4 و5 أكتوبر 2012، هي الورشة الدولية النهائية، والتي توجت باعتماد خطة عمل الرباط المذكورة. وقد تم تنظيم هذه الورشات الخمس في سياق إعمال خلاصات الوثيقة الختامية لمؤتمر دوربان الاستعراضي وخلاصات اليوم الدراسي لخبراء المفوضية السامية لحقوق الإنسان سنة 2008، حول العلاقة بين المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقتين بحرية التعبير، من جهة، وحظر التحريض على الكراهية، من جهة أخرى.
وقد تضمنت خطة عمل الرباط توصيات تتعلق بضرورة اعتماد تدابير تشمل الجوانب التشريعية الوطنية من أجل مناهضة التمييز، وجوانب وقائية وعقابية، وتعزيز حماية الأقليات والفئات الهشة. كما تقر الخطة مسؤولية جماعية بالنسبة للمكلفين بإنفاذ القانون ورجال الدين ووسائل الإعلام والأفراد. كما تؤكد على ضرورة وأهمية التحسيس والارتقاء بالوعي المجتمعي وبقيم التسامح والاحترام المتبادل والحوار بين الثقافات. كما عالجت الخطة مختلف أشكال منع خطاب الكراهية في القانون الجنائي، ودور التربية على التعددية في الوقاية من الحث على الكراهية وعدم التسامح والصور النمطية السلبية والتمييز على أسس وطنية أو إثنية أو دينية أو عقائدية.
ولتعميق النقاش حول تنفيذ مضامين خطة عمل الرباط نظمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية ندوة خبراء دولية بجنيف في فبراير 2013 حول موضوع «منع التحريض على الجرائم الوحشية: خيارات سياسية من أجل العمل».
وقد مكنت الدينامية الناجمة عن خطة عمل الرباط، من جعلها تحظى بالتنويه من طرف السيدة نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان السابقة والسيد «جورج سامبايو» الممثل السامي لتحالف الحضارات، والسيد «أداما ديانغ» المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالوقاية من الإبادة الجماعية.
وفي هذا السياق، وحيث أن المملكة المغربية لعبت دورا رئيسا على مستوى الحوار والنقاش الدولي بخصوص نشر قيم التسامح والاعتدال، بشكل عام، ومنع التحريض على الكراهية على أساس قومي أو عنصري أو ديني، بشكل خاص، فقد ارتأت بلادنا تنظيم نشاط مواز على هامش الدورة 28 لمجلس حقوق الإنسان لتعزيز هذا النقاش والحوار وإغنائهما، من زاوية مقاربة حقوق الإنسان، ومن حيث أدوار الفاعلين المعنيين، علما أن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان نظمت في إطار الدورة 21 للمعرض الدولي للنشر والكتاب مائدة مستديرة حول خطة عمل الرباط. كما ينتظر أن تواصل بلادنا مساهمتها المتميزة في تعزيز النقاش الدولي بخصوص تنفيذ مضامين خطة عمل الرباط المذكورة من خلال تنظيم أنشطة ذات صلة بالموضوع.
ومن المؤكد أن صدور خطة عمل الرباط هو مؤشر آخر على الدور الريادي لبلادنا في مجال الإصلاحات المهيكلة ذات الصلة بهذا الموضوع، وخاصة ما يتعلق منها بإشاعة ثقافة التسامح والحوار والانفتاح ونبذ العنف، ولاسيما ما تتميز به المملكة المغربية من وسطية واعتدال في الدين، والذي يعود إلى الدور الريادي الذي تقوم به مؤسسة إمارة المؤمنين التي تضمن الطمأنينة الدينية والروحية، وتحمي المجتمع من كل غلو أو انحراف في تفسير الدين لأغراض التحريض على العنف والتمييز والكراهية.
كما أن ما يقع اليوم في العالم من تنامي الانطواءات وشيوع أشكال متعددة من التطرف العنيف والعمليات الإرهابية أدى إلى اهتمام دولي أكبر بخطة عمل الرباط المذكورة، وتعبير العديد من الفاعلين على المستوى الأممي وعلى مستوى المنظمات الدولية غير الحكومية ووسائل الإعلام عن استعدادهم للانخراط في تنفيذ مضامين هذه الخطة.
* مرت 4 أعوام تقريبا على إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الانسان. لماذا هذا الاختيار المؤسساتي في مجال حقوق الإنسان؟ وما هي القيمة المضافة التي ربحها المغرب بخلق مندوبية، خاصة على مستوى التفاعل مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان؟
- لابد من التذكير بأن إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان جاء في إطار تفعيل إصلاح مؤسساتي شامل يروم تمكين المملكة المغربية من منظومة حقوقية وطنية متناسقة حديثة وناجعة. وقد شمل ذلك إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عوض المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كمؤسسة وطنية مستقلة تخضع لمبادئ باريس الناظمة لهذا النوع من المؤسسات، وإحداث مؤسسة الوسيط التي حلت محل ديوان المظالم وأسندت لها اختصاصات موسعة. إضافة إلى إحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان باعتبارها بنية حكومية قارة تسهر على تنسيق العمل الحكومي في مجال حقوق الإنسان مع مختلف الفاعلين المعنيين.
ويأتي إحداث المندوبية الوزارية استجابة لتوصية خاصة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان رفعت إلى جلالة الملك محمد السادس بعد انتهاء أشغال دورته الأخيرة (37)، وكذا لمطلب ملح من لدن مكونات المجتمع المدني، وتنفيذا لتوصية خاصة وردت في الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد، يجدر التذكير بأن مجموعة من الخصاصات كانت من بين الأسباب التي أدت إلى إحداث المندوبية نذكر منها التأخر في تقديم التقارير والتي بلغت آنذاك 6 تقارير، وضعف المقاربة التشاركية، وغياب الترصيد في عملية الإعداد، وضعف على مستوى متابعة تفعيل ملاحظات وتوصيات الهيئات الدولية، ووجود تفاوت بين الدبلوماسية الحكومية في مجال حقوق الإنسان وبين ما تم تحقيقه من مكتسبات وإنجازات، وتسجيل خصاص على مستوى متابعة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وعليه، فقد كانت الحاجة ملحة لإنشاء هذه البنية الحكومية لتتولى تدبير ملفات حقوق الإنسان بتنسيق مع كافة القطاعات الحكومية المعنية، تكون ملحقة برئيس الحكومة (الوزير الأول سابقا) نظرا للطابع العرضاني لملفات حقوق الإنسان، ولكون رئيس الحكومة يملك سلطة الاشراف والتنسيق والتوجيه بالنسبة لباقي القطاعات الحكومية.
كما أنه بالنظر للحاجة إلى جعل حقوق الإنسان بعيدة عن التجاذبات السياسية، وإحداث بنية حكومية مرجعية قارة في مجال حقوق الإنسان تكون مساعدة لكل القطاعات الأخرى، من زاوية الخبرة وتقديم الرأي والمشورة، وضمان الانسجام والتنسيق في العمل الحكومي، وتعزيز التفاعل مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان ومع المنظمات الدولية غير الحكومية، فقد ارتأى جلالة الملك إحداث مندوبية وزارية مكلفة بحقوق الإنسان أنيط بها، بموجب المرسوم المحدث لها، تنسيق إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والقيام بكل عمل، واتخاذ كل مبادرة من شأنهما تعزيز التقيد بحقوق الإنسان، واقتراح كل تدبير يهدف إلى ضمان دخول الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، التي يكون المغرب طرفا فيها، حيز التنفيذ.
* بلغة الأرقام ماذا كسب المغرب بعد إحداث المندوبية؟
- تنبغي الإشارة إلى أن هذا الاختيار الوطني بإحداث المندوبية ونتائج العمل التي حققتها خلال مدة وجيزة حظي بتنويه وإشادة من طرف الفاعلين الدوليين، واعتبر من الممارسات الفضلى والناجحة، وبالخصوص المفوضة السامية لحقوق الإنسان السابقة السيدة نافي بيلاي أثناء زيارتها لبلادنا سنة 2014 ومن خلال التقرير الذي أعدته حول البنيات الحكومية المكلفة بحقوق الإنسان، وكذا من طرف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بموضوع التعذيب خلال زيارته للمغرب، وخلال مناقشة التقرير الوطني برسم الاستعراض الدوري الشامل في جولته الثانية أمام مجلس حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار ينبغي التذكير أن المندوبية تمكنت في ظرف أربع سنوات من تحقيق مزيد من النجاعة والفعالية على مستوى تعزيز التنسيق الحكومي، من خلال ثمان مؤشرات أساسية :
1 - تعزيز التفاعل مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، من خلال إعداد وتقديم ما يقارب 8 تقارير أولية أو دورية، ومتابعة تنفيذ التوصيات، وتنسيق استقبال خمس زيارات للإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وتقديم الردود والأجوبة بخصوص طلبات الحصول على المعلومات والبلاغات الفردية؛
2 - تعزيز التفاعل مع المنظمات الدولية غير الحكومية من خلال وضع قواعد عمل مشتركة، دراسة التقارير والرد عليها، تقديم المعطيات واستقبال الزيارات: تنسيق زيارة ما يقارب 5 زيارات والرد على أربعة تقارير ومبادرات لمنظمات دولية غير حكومية، وتزويد مختلف المنظمات بالأجوبة المطلوبة؛
3 - تطوير الشراكة والدعم مع منظمات المجتمع المدني عبر تطوير منهجية الدعم، تنويع المشاركة الوطنية في المحافل الدولية مما مكن من إطلاق 50 مشروعا في مجال حقوق الإنسان خلال برنامجين (2012-2013 و2013-2014)، وتيسير مشاركة المنظمات غير الحكومية الوطنية ووسائل الإعلام في دورات مجلس حقوق الإنسان؛
4 - تحقيق دينامية متزايدة على مستوى التنسيق المؤسساتي عبر عقد ما يزيد عن 100 اجتماع تنسيقي خلال كل سنة، وتعزيز الشراكات والتعاون مع بعض القطاعات الوزارية والمؤسسات الوطنية المعنية بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ودعم الأبحاث والدراسات العلمية؛
5 - تطوير التخطيط الاستراتيجي في مجال حقوق الإنسان، على مستوى متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن مختلف الآليات الأممية لحقوق الإنسان، من خلال إعداد خطة عمل وطنية في هذا المجال؛
6 - تطوير التفاعل والشراكة مع الآليات الإقليمية لحقوق الإنسان وعلى الخصوص مشروع الشراكة والتوأمة مع الاتحاد الأوروبي، والذي يهم تعزيز القدرات التنظيمية والمؤسساتية للمندوبية الوزارية. إضافة إلى تعزيز التعاون مع مجلس أوربا من خلال برنامج الحكامة والديمقراطية وحقوق الإنسان؛
7 - المساهمة في الرفع من قدرات الفاعلين المعنيين واستثمار الكفاءات الوطنية، من خلال برامج التكوين والتكوين المستمر، والتي بلغت تنظيم ما يزيد عن 6 دورات للتكوين ذات طابع في مجال حقوق الإنسان، وتنظيم 5 دورات للتكوين متخصصة في مجال الهجرة واللجوء ومكافحة الاتجار بالبشر، وتنظيم ما يزيد عن 12 ندوة ولقاء دراسيا؛
8 - توسيع المبادرات الوطنية المتعلقة بالدفاع عن المكاسب والتقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان ببلادنا، من خلال استقبال الوفود الأجنبية والمشاركة في المحافل الدولية، والمساهمة في دعم ترشيح بلادنا لمجلس حقوق الإنسان وتيسير ترشيح الخبراء المغاربة لعضوية الهيئات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
* مؤخرا تم طرح مبادرة مشتركة بين الدانمارك والمغرب من أجل انخراط عالمي في اتفاقية مناهضة التعذيب. ما الذي أغرى الدانمارك لتقود رفقة المغرب، هذه المبادرة؟ وهل معنى ذلك أن المغرب حصل على وصل براءة الذمة من ممارسة التعذيب كما تتهمه بذلك مجموعة من المنظمات؟
- من المفيد التذكير بأنه في مارس 2014 احتفلت دول المغرب والشيلي والدانمارك وغانا وأندونسيا بالذكرى 30 لاعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأطلقت مبادرة دولية لمدة 10 سنوات من أجل انخراط عالمي في هذه الاتفاقية وتنفيذها، وترمي هذه المبادرة إلى تعزيز تبادل المساعدة التقنية والدعم والتعاون بين الدول الأطراف في الاتفاقية والدول غير الأطراف بغية إزالة الصعوبات والعراقيل التي تحول دون انخراط الدول في هذه الاتفاقية وتنفيذ مقتضياتها.
وفي هذا الإطار تم تنظيم منتدى دولي بجنيف في شتنبر 2014 شاركت فيه الدول صاحبة المبادرة والأمم المتحدة ودول أطراف في الاتفاقية ودول أخرى معنية بهذه المبادرة، من أجل مناقشة سبل تنفيذها.
ولعل مشاركة المغرب إلى جانب الدول الأربع في الدعوة إلى هذه المبادرة واتخاذ تدابير لتنفيذها يعبر بوضوح عن الانخراط الاستراتيجي لبلادنا وبشكل لا رجعة فيه في تعزيز حقوق الإنسان، بشكل عام، ومناهضة التعذيب، بشكل خاص، على المستويين الدولي والوطني، من خلال مشاركتها في إطلاق مثل هذه المبادرات وتعزيز الانخراط في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي كان آخرها الانضمام إلى البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، إضافة إلى تنظيم العديد من الندوات واللقاءات والتكوينات في مجال مناهضة التعذيب، دون نسيان نتائج عمل هيئة الانصاف والمصالحة التيكانت بمثابة لبنة مخصبة للأوراش الاصلاحية التي عرفتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي، وبالخصوص توصياتها ذات الصلة بالقطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وما نتج عنها من توجه عام نحو تحسين الممارسات العملية في مجال مناهضة التعذيب، فضلا عن دسترة حقوق الإنسان ومنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتجريم التعذيب، والمجهود المبذول فيما يتعلق بملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبالخصوص المنظومة الجنائية، وتوفير آليات التظلم والانتصاف، وتطوير الحكامة الأمنية.
كما أن انفتاح المملكة المغربية على الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان يعد مؤشرا على اختياراته المتعلقة بمناهضة التعذيب، وبالخصوص المقرر الخاص المعني بموضوع التعذيب الذي زار بلادنا خلال سنة 2012 والذي نوه بالمقتضيات الدستورية ذات الصلة بمناهضة التعذيب والتي تؤكد على الإرادة القوية لمنحها مكانة ذات أولوية في النظام القانوني المغربي، وبالمقتضيات القانونية ذات الصلة بالموضوع الواردة في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، والتي تعكس حماية جنائية متقدمة في مجال مناهضة التعذيب. كما سجل، بنوع من الرضا، جهود الحكومة للرفع من زيارات أماكن الاعتقال ولاسيما تلك التي يقوم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإشادة بالدور الذي تقوم به هذه المؤسسة فيما يتعلق بالحماية من التعذيب ولاسيما من خلال زيارة السجون وإصدار التقارير والتوصيات المناسبة في هذا الشأن، مع الإشارة إلى المجهودات التي تبذلها الحكومة المغربية فيما يتعلق بتحسين الأوضاع في السجون وإلى خضوع كافة أماكن الحرمان من الحرية لمراقبة السلطات القضائية، سواء خلال مرحلة الحراسة النظرية أو خلال مدة السجن الاحتياطي أو أثناء قضاء العقوبة. كما شجع المقرر الخاص الجهود التي تبذلها بلادنا فيما يخص نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتي تعكس ثقافة مؤسساتية تطمح لمنع التعذيب والوقاية منه.
* في الأسبوع الماضي دشن المغرب هندسة مؤسساتية جديدة في مكافحة الإرهاب عبر خلق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، ما هو تقييمكم للسياسة العمومية المغربية في مجال مناهضة التعذيب؟ وفي أي سياق جاء هذا المكتب الجديد؟
- يمكن القول بأن تدشين المكتب المركزي للتحقيقات القضائية بسلا التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المحدث تنفيذا للتعليمات الملكية للنهوض بالحكامة الأمنية، وطبقا للمقتضيات الجديدة للدستور ذات الصلة بالحكامة والمسؤولية والرقابة المؤسساتية وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وفي إطار تطبيق القانون رقم 35.11 الذي يمنح صفة الشرطة القضائية لبعض موظفي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني؛ جاء لمواكبة التحديات التي تعرفها حقوق الإنسان في الجوانب المتعلقة بضمان الأمن والاستقرار للمجتمع والأفراد، وبالخصوص تحدي الإرهاب الذي يعد أكبر خطر يهدد حقوق الإنسان، وفي سياق التحولات التي تعرفها المجتمعات والتعقيد الذي أصبحت تعرفه الجريمة بعد التطورات التكنولوجية، ولاسيما الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، وتنامي مخاطر الارهاب بسبب تزايد موجات الكراهية والتطرف، مما يتطلب تعزيز المقاربة الوطنية في تدبير المخاطر الأمنية وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وضمان التنسيق والنجاعة والفعالية في تبادل المعلومات والمعطيات وخلال عمليات التدخل بين الفاعلين المعنيين، وتعزيز القدرات البشرية واللوجستيكية.
وهكذا فإن هذا المكتب الذي أنيط به القيام، تحت إشراف النيابة العامة، وعلى مستوى مجموع التراب الوطني، بمهمة معالجة الجرائم والجنح المنصوص عليها في الفصل 108 من مدونة المسطرة الجنائية، ولاسيما القيام بالتحقيقات في الجرائم الخطيرة المتعلقة بالسرقة وتهريب المخدرات والأسلحة والمتفجرات، والإرهاب، والمس بأمن الدولة، وتزوير العملة، في إطار احترام القوانين الجاري بها العمل، جاء في جوانبه القانونية والمسطرية ليعزز خضوع ضباط الشرطة القضائية العاملين بمصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لمبادئ الشفافية والمسؤولية والمراقبة القضائية.
كما أن من شأن إحداث هذا المكتب أن يساهم في تطوير الحكامة الأمنية على مستوى الأداء في الأبحاث والتحريات وعلى مستوى الإعلان عن نتائجها، والخضوع للإجراءات والمساطر القانونية، وأن يعزز من الدور الاستباقي الذي تقوم به المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في مجال الوقاية من الجريمة، ومكافحة الشبكات الاجرامية، والحد من المخاطر الأمنية.
أما بخصوص تقييم السياسة العمومية في مجال التعذيب فيمكن القول بأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تم القطع معها مع اعتماد تجربة العدالة الانتقالية. كما أن هناك تأطيرا دستوريا وقانونيا ومؤسساتيا لمنع التعذيب والوقاية منه، خصوصا دور القضاء الذي ما فتئ يفتح تحقيقات قضائية في حالة ادعاء التعرض للتعذيب، وإحالة الضحايا على خبرة الطب الشرعي والمتابعة الجنائية للمسؤولين في حالة وجود قرائن قوية عن ممارسة التعذيب. هذا دون إغفال الدور الذي يلعبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال الحماية من انتهاكات حقوق الإنسان ومن ضمنها الشكايات المتعلقة بالتعذيب والتي تبقى حالات معزولة وفردية.
كشفها الخيام: الخلية الإرهابية التي فككها «الديستي» أدخلت الأسلحة من مليلية المحتلة وكانت تخطط لاغتيال شخصيات مغربية
أعلنت السلطات العمومية يوم الاثنين 23 مارس 2015 أن الخلية التي تم الإعلان عن تفكيكها يوم 22 مارس في تسع مدن مغربية، واعتبرت الأكبر التي يكشف عنها منذ سنوات، حصلت على أسلحتها عبر مدينة مليلية المحتلة.
وقال عبد الحق الخيام مدير «المكتب المركزي للأبحاث القضائية» من مدينة سلا ، بأن الأسلحة التي ضبطت الأحد 22 مارس «مرت عبر مدينة مليلية حسب التحقيقات الأولية التي أجريناها».
وأضاف مدير هذا المكتب التابع لمديرية مراقبة التراب الوطني: «لم نحدد بعد ما إذا كانت هناك علاقة تربط بين المعتقلين وبين خلايا أخرى في أوروبا»، موضحا أنه لم يحصل أي تعاون مع الأجهزة الإسبانية في عملية تفكيك هذه الخلية التي تعد الأكبر من نوعها منذ سنوات، حيث «إن أغلب العمل تم بمجهود من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني» .
وأعلنت وزارة الداخلية المغربية الأحد عن تفكيك خلية موزعة على تسع مدن وبحوزتها أسلحة كانت تستعد لتنفيذ «مخطط إرهابي خطير يستهدف استقرار المملكة»، و»تنفيذ عمليات اغتيال شخصيات سياسية وعسكرية ومدنية». وقال الخيام أيضا الاثنين إن عدد الذين اعتقلوا «13 حاليا تتراوح أعمارهم بين 19 و37 سنة، ومستويات أغلبهم في الدراسة لم تتجاوز الابتدائي» .
مضيفا: «تتبعناهم لأكثر من خمسة أشهر وتم العثورفي بيت من مدينة أكادير على أسلحة تم تخزينها» ، وهي عبارة عن «440 خرطوشة إضافة إلى ستة مسدسات و31 من الأصفاد وأجهزة الكترونية..». وأضاف الخيام إن كل المعتقلين لم يتورطوا سابقا بأعمال إرهابية، مضيفا إن الخلية كانت «في البداية على اتصال بالقاعدة ثم بدأت الاتصال بداعش، وقامت عن طريق تمويل خارجي بإرسال أشخاص للقتال في بؤر التوتر».
وكشف الخيام كذلك أن هذه الخلية «كانت تريد أن تسمي نفسها ولاية الدولة الإسلامية في بلاد المغرب الأقصى، أحفاد يوسف ابن تاشفين»، كما أنها «بايعت ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، رغم أن أعضاءها لم يكونوا يوما في الخارج أو يتم تدريبهم هناك».
وكانت الداخلية أعلنت الأحد أيضا أن هذه الخلية كانت تستهدف عدة شخصيات «من بينهم الناشط العلماني و الأمازيغي محمد عصيد» حسب ما كشف الخيام الاثنين، إضافة إلى «استهداف عناصر فرقة حذر الأمنية» التي أطلقها المغرب قبل عدة أشهر، وتتكون من عناصر من الجيش والشرطة في الأماكن العامة والحساسة، تحسبا لأي عمليات إرهابية محتملة كما قالت السلطات.
وعن طريقة استهداف هذه الفرقة الأمنية من قبل الخلية التي تم تفكيكها، قال الخيام: «لقد جهزوا تركيبة من السموم كانوا يريدون رشها على أيدي السيارات ومقابض الأبواب» التي يمكن أن يلمسها أعضاء هذه الفرقة. تفكيك 132 خلية إرهابية كشف عبد الحق الخيام عن أرقام جديدة حول حصيلة محاربة الرباط للإرهاب منذ سنة 2002 حاث بلغ عدد الخلايا المفككة 132، فيما بلغ عدد المعتقلين في قضايا الإرهاب 2720 شخصا، إضافة إلى تسجيل 267 محاولة إرهابية فاشلة، من بينها 41 محاولة مهاجمة بالسلاح وسبع محاولات اختطاف و109 محاولة اغتيال و119 محاولة تفجير.
وعن المقاتلين المغاربة إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قال الخيام ان عدد الذين ذهبوا من المغرب 1354 مقاتلا, دون احتساب من انطلقوا من أوروبا، ومن بين هؤلاء المقاتلين المغاربة 220 معتقلا سابقا في قضايا الإرهاب، قضى منهم 246 في القتال في سوريا و40 في العراق.
كما أن هناك حسب المصدر نفسه ضمن صفوف الدولة الإسلامية 185 امرأة مغربية و135 طفلا يتم تدريبهم في معسكرات هذا التنظيم
فيما اعتقلت السلطات وحققت مع 135 من العائدين و»هم يشكلون خطرا محدقا على المغرب وباقي المنطقة».