استغربت وأنا أقرأ تفاصيل مصادر السعادة لدى المغاربة أنني وجدتها تتلخص في الصحة، بنسبة تفوق العبادة!
وإذا كان المتشددون في التدين سيعتبرون الفرق بين الذين اختاروا الصحة والذين اختاروا الدين، هم من زنادقة البحث عن الكمال الجسماني، فالعبد الضعيف لربه لا يشاركهم الحيرة والغضب.
فالمغاربة يلخصون فهمهم للصحة بترديد شعارهم الخالد الصحة أولا، (واللي خطاتو صحيحتو والله واحد مايعرفو..الخ). ويعتبرون أن الصحة عبادة، ومن فقد الصحة قد يفقد القدرة على التعبد، حجا أو صياما أو صلاة وما إلى ذلك.
ولطمأنة إخواننا المتشددين نذكرهم بأنه سبق أن اختار المغاربة صفة المعقول، كأول مصدر للثقة في العلاقة بين الشريكين في المغرب، نسبة تكاد تصل إلى نسبة الصحة، مما يعني أن المعقول هو صحة العلاقات الاجتماعية، كما أن الصحة هي «المعقول» بالنسبة للمغربي السعيد..
لقد وجدت رضى الوالدينوالدخلوالصومالسكينة مع الأبناءالسمعة الطيبةولهذا استغربت عندما لم أجد أن البيصارة غير مذكورة، والحال أنه يكفي أن يتمعن الإنسان في صور عبد العزيز الرباح ليشعربراحة البال التي تملأ روحه، ولم أجد الطواجن،ولم أجد العبث من أسباب السعادة، والحال أنه يكفي أن يتابع النشاط بعينيه الذي يعيش فيه محمد الوفا لكي يشعر كم هو ضروري لراحة البال عند وزير كبير في حكومة سعيدة..
ومن أسباب السعادة التي أغفلتها الدراسة الضغينة، ومن يعرف عدد الذين يشحذون سكاكينهم يوميا للفتك به، في الثقافة والسياسة والمهنة والطريق العام والمقابر حتى، يعرف مقدار مساهمة الأحقاد في خلق راحة البال عند البعض منا في المغرب السعيد.
ونسوا، أعني أصحاب «ايبسوس» أن النميمة أيضا تعطي لصاحبها إحساسا كبيرا بالراحة، التي تعد مكونا مهما في السعادة، وهي عند الكثيرين من قبيل العقيدة، ولدى البعض الآخر تشبه العلاج من أجل صحة متجددة..
ولم يفكر أصحاب السعادة والمهابة في ما يمكن أن تقدمه الوشاية الكاذبة، أيضا، ويكفي أن نطلع على دفاتر النيابات العامة والبوليس القضائي، وأن ننصت إلى الجيران أو أصحاب المهن لكي نرى نسبة السعادة عند من يمارسها.. بضمير مهني قل نظيره!!
واستغربت، في الحقيقة، أنني تصفحت كل مصادر السعادة، فوجدت ما هو في حكم المألوف، لم أجد أن من أسباب سعادة البعض هو القتل في الطرقات، وآخرون يشعرون بسعادة لا توصف عندما يسرقون المال العام، ويتركون أهله على القارعة..
ولهذا اسمحوا لي بأن أشكك في الدراسة حول السعادة بما قدمته من طعون في سعادتنا المشتركة. علما أنني لم أذكر أن الدراسة أغفلت اللوبيا التي تمثل بالنسبة لي الدليل الوحيد على وجود السعادة فوق الأرض!!