من أطرف ما كتب، وقيل، عن برنامج "الرقص مع النجوم" أنه صاحب رسالة تنويرية، تكافح الفكر البربري لـ "داعش"، وتحضّ على الثورة ضده... إلى ما هنالك من كلام "ثقيل". هذا البرنامج المعرَّب عن برنامج غربي، كغيره من الفقرات التلفزيونية، بما فيها نشرات الأخبار، يعرض مسابقات لنجوم يتدربون على يد راقصين محترفين، يتخلّله تعليقات المقدمَين وأعضاء لجنة التحكيم الأربعة، فضلا عن مشاهد للنجوم وهم يتدرّبون، ويتكلمون عن آمالهم، عن تقدمهم في التدريبات وروعة تجربتهم. ومن المفترض أن يمرّ هؤلاء المشتركون على تصويت مقسوم إلى اثنين، بين لجنة التحكيم وبين "الجمهور" المتابع للبرنامج، وهو كثير؛ البرنامج "تلبْنن" على يد مخرجته جنان ملاط، وطبّق "دفتر الشروط العالمي" الخاصة به، مع البرنامج الأم؛ وقد استعانت ملاط من أجل ذلك بمستشارين عملوا على البرنامج بنسخته الأصلية الغربية، وأدخلت الى لجنة التحكيم البريطاني دارين بينيت، "منتدباً" عنها. والبرنامج له جمهور واسع جدا، يتفوق على برامج نظيرة، مخصصة لمسابقات الغناء والأداء؛ وفي نسخته الأخيرة امتد إلى الولايات المتحدة وتونس، أي أوروبا، فضلاً عن مصر؛ وهو يتوقف عند الخليج، الذي تأمل مخرجته بأنه سوف يكون مشاركاً العام القادم... هذا التوسع هو جزء من "ذكاء" المخرجة التسويقي. أما الجزء الآخر، فهو "موازنتها" بين درجة نجومية كل نجم تختاره: "نجوم مشهورون كثيراً، ونجوم أقل شهرة ونجوم كانوا مشهورين".
هكذا تؤكد المخرجة، من دون مواربة، بأن هذا البرنامج خلق للتدريب على صناعة النجوم التلفزيونيين، أو على تصعيد نجوما جدد، أو تعزيز نجومية المتربِّعين. والقصد من إعادة تدوير هذه هو الشهرة، أو المزيد منها؛ هو أن تشد العدد الأعلى من المشاهدين إلى الشاشة، يتسمّرون أمامها، لترطيب عيونهم بمشاهدة من هم معتادون على مشاهدتهم، بل ربما بإضافة الرغبة بمشاهدتهم؛ سواء في أدائهم الراقص، أو في كلامهم الحميم اللطيف. ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك: فهذا البرنامج يقدم "رقص صالون"، أي رقص لا يمكن مزاولته في أفراحنا ومباهجنا. وهذه أول نقطة تؤكد بأن عنوان البرنامج، "الرقص مع النجوم" ليس مطابقاً تماما لمواصفاته؛ كان من المستحسن أن يُعطى اسماً آخر، مثل "مقتطفات من رقص النجوم"...
فالرقص بحد ذاته، لا نشاهد منه إلا النزر اليسير أصلاً، أقل من بضع دقائق: إذ تتخلل البرنامج مطولات الإعلانات، وثرثرات مقدمَي البرنامج وأعضاء لجنة التحكيم، بهيئتهم الأكاديمية الجادة، كل على طريقته، يليهم كلهم تلك اللقطات مع النجوم، أحلامهم، صعوباتهم، تدريبهم مع الراقص(ة) المحترف(ة) الذي يشرف على تطرية أجسادهم وضبطها الخ. أما الإعلان، الكاذب دائما وأبداً، الذي يمدح لك أصنافاً من المأكولات والمشروبات السامة الفتاكة، فهو المسيطر من حيث الوقت، هو ملك البرنامج، هو المعيار المعتمد ضمنا، أو نصف العلني، لقياس نجومية البرنامج، ونجومية هذا أو ذاك من الراقصين المشتركين. نجومية على نجومية، تخمة من المغريات الرخيصة. والجمهور عبارة عن مشاهد، بصاص، لا يبغي غير النيل بالنظر من نجمته، يجلس أمام الشاشة ساعات من أجل هذه الدقائق من البهجة. وبالتأكيد، ليس معفيا من تأثيرات الإعلان الذي يمتدح له قدرة الشوكولاته على جعله إنسانا سعيدا، فوق سعادته بنجمته. وإذا حرّك هذا المشاهد السعيد يده، أو قام من كنتبه، للتصويت على هذا النجم او ذاك، عُدّ "نشيطاً"، قياسا إلى كسله التلفزيوني المفهوم. غرض هذا البرنامج ليس فنياً، غرضه تصعيد نجوم أو إعادة تدويرهم، في عملية معقدة يجني فيها المبالغ العالية من الأرباح. ولكن دعائمه "الثقافية" التسويقية النبيهة تقوم على اعتباره من أفضل السُبل لمحاربة "داعش".
مع أن نقاطا مشتركة عديدة تجمع هذا البرنامج الرقيق، بشرائط "داعش" المروعة: فوق استخدامهما التقنيات العالية، ذات النفحة الهوليودية، الاثنان يعتمدان على الخبْطات الإعلامية، على جمهور مسلوب الإرادة، بصاص، متراخي الذهن والحركة. كلاهما يريد لململة العدد الأعلى من المشاهدين، التَنابل المبتهجين، في حال الرقص، أو المذعورين والمذعنين، في حال "داعش". فيما الرقص الرقص، الرقص الحقيقي، الباعث على الانطلاق والتناغم مع ألحان الفن... هذا الرقص الذي يبني الإنسان المحصَّن ضد "داعش"، فلن تجد له أثراً في "الرقص مع النجوم.
(عن جريدة "المدن" الإلكترونية اللبنانية)