وضع الوزير نجيب بوليف النقاش حول الإجهاض، (مجرد النقاش فيه)، في مرتبة التشكيك في «الصلاة والصوم»، وإذا كان من حظ الصلاة أنها كانت هدية الله إلى النبي محمد، في رحلة الإسراء والمعراج، فإن الحظ لم يحالف الوزير وهو يعرج بالنقاش على قضية طبية مجتمعية ببوراق الصلاة.. التي وصفها النبي بأنها قرة العين .
الوزير يتحدث في موضوع هو الآن مطروح للنقاش المجتمعي، وللمقاربات كلها، بما فيها المقاربة السوسيولوجية، ولا أحد، حسب علمنا، أدخل الصلاة إلى قوانين السوسيولوجيا، فهي من صميم الإيمان بالله عز وجل.
كم امرأة أجهضت، وهي تؤدي صلواتها كاملة؟
إنه السؤال الذي كان سيعفي الوزير من الدخول إلى ساحة النقاش من بابه الضيق والحرج.
الوزير أيضا، يعرف بأن زملاء له، في الحكومة إياها وفي الحزب السياسي الذي وصل به إلى الحكومة، قد تم تكليفهم من طرف الملك، أمير المؤمنين، للنظر في الإشكال والحسم فيه بتقرير، بعد الجلوس مع مكونات الحل الوطني، الطبية والدينية والمدنية والحقوقية.. إلخ. وهو يعرف أن مشاركته ستكون أجدى في الإطار الذي يلزمه كوزير أولا، وكمغربي له رأي ثانيا.
لا يعني ذلك أن الوزير ليس من حقه النقاش العمومي، ولا يعني ذلك أن الرجل ملزم بما يلزم حكومته، لكن يعني أنه ليس من حقه أن يرمي بظلال الشك والتشكيك حول نقاش لم تفرزه نزعة طائفية أو فئوية أو إيديولوجية، بقدر ما طرحته تطورات الحياة ومساحات الحرية واختلاف المقاربات.. والحياة في كنف الإجهاض!
فالمجتمعات لا تطرح سوى الأسئلة التي تستطيع الإجابة عنها، فهي ليست عالم رياضيات افتراضية أو غير أوكليدية، بل هي تعاقدات حية فيها المفكر فيه وغير المفكر فيه، وفيها العاقل والانفعالي، وفيها الترسبات الخاضعة للقياس وما هو غير متوقع.. إلخ!
الوزير ملزم بأن يدون أفكاره، وهو يدرك أن السياق الذي ورد فيه النقاش، والتدخل الملكي بالأساس هو سياق يكسر الطابوهات، وهي مناسبة نذكره فيها ببعض المحرمات التي لم تكن تخطر له على بال..
أولها وأكثرها قوة كانت القداسة للملك والتي سميناها في وقتها بتحرير السياسة من عباءة السماء..
وهي حكاية تدوم منذ أربعة عقود على الأقل. وقد بدأت مع الحسن الثاني، في نص الدستور. ففي الدستور الذي ورثه الملك محمد السادس، قبل تغييره في 2011، كان النص يقول، حرفيا في الفصل 23 "شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته".
ولا ننسى، في سياق هذا الخلخلة الكبرى، «محرمات التاريخ وقضايا التعذيب ».. ويذكر السيد الوزير أن الانتهاكات الجسيمة كانت أسلوب حكم تحولت إلى مادة للمصالحة الوطنية.. والتغييب الرسمي والمتعمد لوجود ماض أسود للدولة في المغرب، صار موضوعا علنيا، ومادة دسمة لتاريخ جديد. قد تولى الضحايا، في جزء كبير منهم، مهمة العمل مع الملك محمد السادس لتكسير تلك الحلقة المفرغة والطابو، سواء المجازر الجماعية أو القبور الجماعية التي عرفتها المملكة، وتم النبش فيها وإعلان نتائج ذلك النبش في القصر الملكي ذاته.
وطرح الملك، سؤالا طالما راود المغاربة، لكن الفعل السياسي والإعلامي كان يتحاشاه وهو سؤال :أين الثروة؟
وعرفنا أن كل الأجيال في المغرب تعرف أن البلاد طورت حول الثروة خطابا بحدين: خطاب يسير به إلى اعتبارها عنوانا كبيرا للفساد، وبالتالي للشيطنة المطلقة للدولة، وشق يرى أن الثروة والاقتراب من الحديث عنها، هو في المحصلة طريق مواجهة مع النظام.
هذه الصورة، جعلت، بالفعل، من قضية الثروة طابو، ونقطة محرمة، وعملية الاقتراب منها تنشيطا سياسيا وعقليا للمعارضة الصريحة أو الضمنية.
وفي موضوع ذي صلة بالمرأة وقضاياها أنهى الملك الحريم، وغامر محمد السادس بعرشه،
وعندما تم إعلان عقد قران جلالة الملك بالأميرة للا سلمي، وعممت الصحافة الوطنية صورتها وكشفت جذورها البسيطة، كانت تلك في الواقع عملية إعلان نهاية الحريم في المحيط الملكي، وتكسير الطابو الذي ظل يرخي بظلاله على الحياة في القصور المغربية.
ولكن الأهم هو الاقتراب من ملف القضية النسائية برمته. وقد عشنا التقاطب الذي دخل فيه المغرب، وكيف ارتفعت الحدة مع القوى المحافظة والمشدودة واختار محمد السادس أن يسير باتجاه التاريخ وضد النزعة النكوصية.
بعد كل هذا التوالي في تكسير الطابوهات، يميل الوزير إلى نزعة التخويف من أي تحرير للعقل والروح والجسد، ويريد من إنسان الحركة التاريخية أن يمتثل للنص الجامد وللحياة التي كانت حية منذ عشرة قرون.
وعليه، أن يقرأ بوعي ما يحصل داخل الدولة التي يمثلها، لا أن ينساق مع النزعة الاختزالية والتخويفية التي تحاصر الملكية بمخاوف لا تبرره العقيدة ولا يبررها الفهم الحيوي للدين.
يهمنا جيدا أن يعي الوزير موقع كلامه في السياق الوطني، وعليه أن يتموقع حسب أخلاق المسؤولية.