تتصرف الدول أحيانا بنفسية اكتئابية، تريد أن يكون مزاجها هو الذي يحدد المناخ الدولي. وقد ذكرتنا الجارة إسبانيا بأن الدول قد تصير ضحية عواطف مبهمة يسلمها المنطق إلى المصلحة..
ليست إسبانيا، الأندلس الذي ودعناه في ليلة سقوط غرناطة، هي التي تريد أن تطوع جغرافيا الصحراء لجدول الزيارات التي تسمح بها، إنها في الواقع إسبانيا التي تسكن في غرفة الجنرال الراحل، إسبانيا التي تشدد على يمينيتها كلما تعلق الأمر بعقدتها الاستعمارية القديمة، صحراء المغرب.
لم نفهم، ونحن في عز التوافق المتوسطي، كيف لدولة إسبانيا الصديقة أن تحتج على زيارة قائد سياسي إلى مدينة الداخلة، وهي التي من أسابيع قليلة فقط كانت تحتفل بالأجهزة المغربية وبالمغرب، في شخص عبد اللطيف الحموشي، لأنه يساعدها على أن تنام بعيدا عن كوابيس الخليفة البغدادي؟
ما زال الجنرال يحْكٍم عقيدته على سلالة السياسيين اليمينيين في بلاد الماطادور والفلامنكو، وما زال بلد الفردوس المفقود لم يسدد جيدا عواطفه النبيلة إزاءنا: فالجارة الشمالية تريدنا أن نعتني بسلامتها، في الوقت الذي تريد منا أن ننفصل عن التفكير في وحدتنا الترابية، ودعوة العالم إلى الاقتراب من خطوط الرمل وحرارة الوحدة.
ومن سوء الحظ أن الذئاب في مدريد ترتكب تناقضات لا تسعفها في إقناعنا بصواب منطقها:
فإسبانيا توترت من زيارة خوصي لويس ثباطيرو، عندما مشى بقدميه (وساباطه) في تراب الداخلة، وهي نفسها نظرت بابتهاج، العين التي لا ترى إلا وفد من الحقوقيين الإسبان زار أنصار البوليزاريو في العيون، وعلي رأسهم اميناتو حيدر.
على إسبانيا سؤال عميق أن تجيب عنه، بدون الاستعانة بالدو كيخوطي ديلامانشا وطواحينه وفرسه الهزيلة :
فهل ساسة الإسبان غفر الله لهم، يريدون «من كلنا» أن نسلم بأنهم على حق كلما كنا نحن من يضيع حقنا في الاستقرار وأن يكونوا على حق كلما ساعدناهم على حقهم في الأمن؟
تقول إسبانيا إن رئيس الوزراء السابق، الذي حضر بصفته الشخصية وليس بصفته الحزبية أو الرسمية، حضر إلى منطقة في وقت لا يساعد على الحياد المطلوب في من يريد أن يعمل على حل توافقي.
طيب، سلمنا وآمنا: فهل احتجت إسبانيا على الوفود التي تزور الصحراء من أنصار البوليزاريو والداعمين الرسميين له؟
هل رددت على مسامعنا نفس الأغنية التي تتحدث عن حظ الحياد في حل المشكلة، لو أننا نزعنا حقنا منا؟
لا أبدا!
بل يمكن أن نجزم إنها تريدنا، أن نستجيب كلما دعتنا إليها، وأن نطأطئ الرأس ونعود إلى «رمادنا» كلما احترقنا بفعل حروبها!
إسبانيا لا تجهل أن القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية، ليست المزاج بل هو تكافؤ المصالح، وتوازن الأولويات: لا يمكنها أن تنتقي من التعاون ما تربح به معاركها، وتحتج علينا كلما فكرنا بنفس الطريقة!
هل ستدفعنا الجارة الشمالية إلى أن نعيد التفكير، مثلما كان الأمر مع فرنسا، في التعاون المتكافئ على قاعدة المصالح المشتركة؟
إن الذي تابع بغير قلق وطني ما قامت به فرنسا في حقنا، منذ قصة العشيقة والممثل الإسباني والسفير الفرنسي في أمريكا، مرورا بحادث السي صلاح الدين، ووصولا إلى الاستهانة بمدير مؤسسة وجهاز وطني سيادي، تفاجأنا أخيرا عندما فهمت إسبانيا ما لم تفهمه فرنسا، ووشحت المغربي الحموشي، وقدمت عربونا على تفهمها لمصالحها من خلال احترامنا في مؤسساتنا. نستغرب اليوم كيف عالجنا المشكلة مع فرنسا لكي تنبت لنا أخرى مع إسبانيا التي احتجت على وصول مئات الشخصيات، ومنها شخصية ثباطيرو إلى الداخلة.
لا يمكن أن نفهم هذه المعادلة التي تجعل إسبانيا تتأرجح بين الربح والاكتئاب.. معنا!
على إسبانيا أن تنهي مراوحتها لمكانها الفرانكوي وتتأمل ما قاله ملكها السابق خوان كارلوس: "حين قرر الملك الحسن الثاني تنظيم "عملية المسيرة الخضراء"، هل كان على علم، جلالة الملك، بالحالة الصحية لفرانكو؟ من المؤكد أنه كان يشك في أمر ما، لكني لا أعتقد أنه كان على علم بأن فرانكو يحتضر. لا، لا أعتقد أنه يمكن القول بأن الحسن الثاني كان يستغل الظروف. لقد كان التوتر بين الرباط ومدريد أكبر من ذلك. لقد كانت الفترة فترة استقلال في العالم ككل، وكان دورنا قد جاء. فمحكمة لاهاي أصدرت حكمها بخصوص الصراع. تم الاعتراف للمواطنين الذين كانوا يعيشون تحت المراقبة الإسبانية، بالحق في تقرير مصيرهم. لكننا، في مدريد، لم نكن نعرف كيف ينبغي أن ننهي الأمر. كانت الحكومة منقسمة بين خيارين. واحد يؤيد التفاهم بسرعة مع المغرب وسحب جنودنا. والخيار الثاني، كان ينزع نحو الطروحات الجزائرية، التي ستصبح بعد ذلك هي طروحات البوليساريو. كان الصراع على أشده".
ليتأمل اليمين، الإسباني ما لم يتأمله جزء من اليسار الفرنسي في علاقة المغرب، الجزائر البوليزاريو،، وبلديهما!