دعوت صديقا مغربيا لمشاهدة فيلم كلينت استوود الأخير "القناص الامريكي"؛ استغرب عندما قلت له أن افلام "المستر استوود" تصيبني بالضجر، ورغم ذلك أنا هنا لكي أشاهد الفيلم. لسبب بسيطهوأنني لا أستطيع ان أتكلم عن عمل لم أراه قط،. لا أعلق على كتاب لم أقرأه ولا فيلم لم أشاهده. عادة بالنسبة للأفلام انتظر انتهاء العرض وحتى إضاءة القاعة بالكامل وانقطاع آخر مقطع، لكن هذه المرة خرجت قبل خروج الموكب الجنائزي الذي سيقل القناص الشهير إلى مثواه الأخير؛ مشهد الاحتفاء هذا أكد لي ما فهمته من أحداث الفيلم.. إنه تبييض المسوَّد في هذه الحرب.
لقد تابعت باهتمام كبير الحملة الإعلامية التي واكبت الفيلم قبل وبعد عرضه، المعلقون انقسموا إلى قسمين: قسم اعتبر الفيلم عنصريا اتجاه العرب، وآخر اعتبره أحسن رد اعتبار لأشهر قناص في تاريخ الجيش الأمريكي. لكن الشيء الذي دفعني لكتابة هذه السطور هو اطلاعي على بعض التعليقات العنصرية المستفزة، التي أثارها الفيلم ضد العرب. من قبيل: «لقد جعلني هذا الفيلم أكره المسلمين»، «الفيلم يبين حقيقة العرب»، «كريس أعطاني الرغبة في قتل المسلمين» و«كريس شخص عظيم لأنه دافع عن زملائه إبان حربهم ضد المتوحشين». كما جاء في أحداث قصة القناص، كريس كايل شاهد بحرقة في بداية الفيلم ناطحات سحاب نيويورك تتهاوى أمام عينيه في صباح الحادي عشر من سبتمبر 2001 على شاشة التلفزيون، لم يسأل عن ما دفع هؤلاء الشباب للهجوم بهذه الطريقة، وإنما استشاط غضبا وتولدت لديه الرغبة في الانتقام. لكنه لم يسأل نفسه كيف حصل هذا الأمر ومن المسؤول؟ واندفع للانخراط في الجيش لكي يدود عن بلاده. طريقة آلية و جد بسيطة توضح شيئا ما السطحية التي يصوغ بها صناع القرار الأمريكيون الأمور لمواطنيهم. وتذكرت حينها كيف باع "جورج بوش الصغير" حتمية الغزو على العراق، وتوفر صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل، "قيل إنه يعكف على تطويرها علماؤه الذين يطلقون على أنفسهم لقب "المجاهدين". وكيف أنهم يكيدون لديموقراطيتنا. نحن دائما على حق وأعداؤنا هم الاشرار الذين يبغون تدميرنا، لأننا أرقى منهم حضاريا، أخلاقيا ومبدئيا". تماما كما تنص عليه القيم الأمريكية المستقاة من "المسيحية الأصولية"، التي تقسم البشر لنوعين، أهل الخير وأهل الشر. يبدأ الفيلم بمشهد كريس يقتل طفلا عراقيا، كان يمشي باتجاه جنود أمريكيين حاملا قنبلة في يديه، سلمتها له والدته، التي ستسقط صريعة برصاصة القناص مباشرة بعد حملها للقنبلة. أوضح "كلينت إستوود" في فيلمه أن "كريس كايل" يُشارك في حرب عادلة أخلاقيا وضرورية سياسيا، من أجل الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة حسب رؤيته. الفيلم يعرض كتابا نشر بالاسم نفسه يحكي قصة كريس كايل "القناص الأمريكي": وتمت تسميتها "قصة حياة أخطر قناص في تاريخ العسكرية الأمريكية".
لم يكتف "كايل" بحماية الجنود الأمريكيين، بل خاض معهم معارك وهجمات أرضية. وقد صور المخرج على أنها حرب قوى الخير ضد قوى الشر، كما قدم الجنود الأمريكيين كأبطال يقومون بواجبهم. كمحاربين يتسمون بأخلاقيات راقية، وصور العرب على أنهم عناصر من «القاعدة»، الذين نشاهدهم يرتكبون جرائم بشعة ضد المواطنين أو عملاء لأمريكا أو أناس يركضون لاهثين وراء المال. وهنا يمكن أن نتكلم عن تسويق الالتباس، الذي يبرع فيه الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة بشكل خاص. لم نشاهد جرائم الحرب التي ارتكبت ضد العراقيين ولا النهب الذي طال خيرات بلاد الرافدين. كان هناك تصور وسياق واحد غسل سمعة الحرب الأمريكية، عبر إضفاء وتلميع الجانب الإنساني للتعاطف مع الجنود، و الاشتغال إنسانيا على صعوبة اندماجهم في الحياة الطبيعية والعائلية بعد العودة الى الديار. لكني لم أستسغ الاحتفاء وتشييع جنازة القناص كبطل قومي، هذا بكل بساطة لا يعكس الجدل حول هذه الحرب القذرة. كما يوضح الفيلم انبطاح المخرج أمام "الجمهوريين" وهو الذي عارض غزو العراق. وفي النهاية لن أتحدث عن الجودة الفنية للفيلم، أترك هذه المهمة الصعبة للمتخصصين، لكني لاحظت في مشهد حمل طفل عراقي لمدفعية يدوية، كتابة حائطية بأحرف لاتينية "UF09" وفي مكان آخر فوق جثة عراقي مكتوب"F" .. لا أعتقد أن المشاهد لم يبالي بهذه الكتابة،F تعني متعصب، وهذا ينطبق على الخصوم في نظري حسب تصور المخرج. لكن هل أختار "كلينت إيستوود" حقا أن يبرز هذه الكتابة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون نتاج مُصادفة غير محسوبة؟ وللتصويب: بما أن العديد من أحداث الفيلم صورت بمدينة سلا، فالكتابة هي لفئة من جمهور "الجمعية السلاوية". فشكرا للمخرج الذي نقل اسم مجموعة "الألترا فاناتيكس" لهوليود ومن تم إلى جميع أنحاء العالم.