يتسيد العنف صدارة الاهتمام داخليا وعلى المستوى الدولي بشكل غدا معه أمرا مألوفا في حياتنا اليومية؛ نشاهده حيا ومباشرة في الأسواق والشوارع والطرقات، نتابع فصوله الدرامية على الشاشات، نقرأ ونسمع عنه، وقد نتعرض له شخصيا أو يطال أقرباءنا وأصدقاءنا ومعارفنا. يثير الكثير من الاستهجان، ويستدعي شديد الاستنكار، ولكننا نقف لحد الآن باعتراف الأجهزة الأمنية الداخلية والمنظمات الدولية المختلفة عاجزين عن مواجهته على الأقل للحد منه وحصر أضراره. فالقضاء عليه يحتاج معجزة في زمن عزت فيه المعجزات.
لقد تعددت أشكال العنف بين المادي والمعنوي، بين اللفظي والجسدي، بين الفردي والجماعي، بين الفوضوي والمنظم والمؤطر أحيانا، وتنوعت أساليبه من التحرش والسرقة والنصب والاحتيال والارتشاء إلى الاغتصاب والدعارة وزنا المحارم والاتجار في البشر والممنوعات من أسلحة ومخدرات وغيرها، وصولا إلى القتل تارة بسبب الحاجة أيا كانت، وطورا برسم الكفاح والنضال، وأخرى باسم الدين والعرق وهلم جرا ؛ والكل يدعي عدالة قضيته غير آبه بالقضايا الأخرى.
وبتعدد الأشكال وتنوعها، تتعدد ساحات ممارسة العنف أيضا، وتختلط فيما بينها، كما تتهاوى أمام بعض أشكاله قداسة الحدود وتتقلص المسافات، وتنحني لإغرائه الهامات خائفة أو متواطئة فاتحة الأبواب أمامه ليقتحم كل المجالات مرتديا العديد من الألوان، متأرجحا ومتداخلا ومتشابكا بين السياسي والاقتصادي والمالي والثقافي والإعلامي والرياضي إضافة إلى بعده الاجتماعي المعهود.
ومن تشابك المجالات وتداخلها، تعقدت ظاهرة العنف أكثر ، وتطورت قواعدها وسلوكاتها وتنامت قدراتها وتنوعت أدواتها لدرجة أصبحت معها عنصرا أساسيا في أدوات تحليل أي مجتمع بدون استحضارها لا يمكن للآليات التقليدية في دراسة المجتمعات أن تفي بالغرض، كما لا يمكن إغفالها في تحليل العلاقات الدولية والتفاعلات التي تحصل متسارعة فيها، سيما وأن العديد من تنظيمات العنف باتت من أشرس الفاعلين على الساحة الدولية بقوة مادية ومالية تفوق عددا كبيرا من الدول ذات السيادة ؛ بل إن بعضها لم يعد يكتفي بمساومة الدولة على الشراكة علنا أو ضمنا في وظائفها، وإنما تمكن من اختراقها وتسخير موظفيها ومؤسساتها لصالحه وحسب قوانينه الخاصة.
ومهما كانت الدوافع وراء استشراء العنف، ووراء اللجوء المتزايد إليه، ورغم وجود محاولات تريد حصره كمجرد شغب فئوي أو حتى تذمر فردي ؛ فإنه أضحى سلوكا سياسيا بالمعنى الواسع لمصطلح السياسة بتأثير فعال في الحياة السياسية داخليا وخارجيا، وفي صنع القرار السياسي أيضا أيا كان مجال هذا القرار، وخاصة في الأشكال الفوضوية لظاهرة العنف الخارجة تماما عن سياق القوانين المعمول بها، والتي تسبب في العادة خسائر مادية وبشرية جسيمة تجعل التكييف القانوني لها يتراوح بين أن يكون الفعل العنفي إرهابا في أقصى الحالات، وجريمة منظمة في أدناها.
في هذا السياق لا يمكن أن تدرس ظاهرة العنف بمعزل عن أبعادها الحقيقية السياسية والاقتصادية أيضا أيا كانت المجالات التي تحدث فيها وأيا كانت الأنواع التي تتمظهر فيها، ومهما بدا بعضها محصورا في الزمان والمكان والأضرار والعدد المشارك فيها، يستوي في ذلك بدرجات متفاوتة الخطورة كل من :
*العنف الفردي أو الممارس من طرف مجموعات صغيرة بدافع السرقة أو الجنس المستخدمة فيه غالبا الأسلحة البيضاء. فهو عنف عام موجود في كل المجتمعات بنسب متباينة طبعا، مرتبط بالفقر والهشاشة وضعف التماسك الاجتماعي يسعى مستخدموه لتلبية متطلبات الحياة اليومية لمنفذيه، ولكن تفاقمه وانتشاره يمثلان في العمق تعبيرا صارخا عن رفض لسياسة التهميش والإقصاء التي يجد هؤلاء المنفذون أنفسهم فيها، وإدانة لمنظومة تعليمية وتربوية وتثقيفية عجزت عن تأطير هؤلاء ودمجهم في المجتمع بشكل حضاري وسليم.
*العنف المرتبط في بعض الأحيان بالحركات الاحتجاجية المطلبية التي تعبر في العادة عن نفسها بالإضرابات والمظاهرات والاعتصامات، التي تتأرجح نهاياتها خاصة عند السعي لفضها بالقوة بين الإضرار بالممتلكات وبين الاعتقالات أو الضرب والجرح المفضي إلى المستشفيات. وتدخل في إطار هذا النوع الواسع الانتشار عالميا الإضرابات ذات الطبيعة النقابية العمالية والطلابية، التي تتخللها أعمال عنف خاصة عندما تكون غير مرخصة مسبقا، وأقل انضباطا وتسيرها جماعات عشوائية غير مؤطرة أو مندسة لتشويه التحرك.
ويمكن أن تصنف في هذه الخانة أيضا جماعات تدعي الانتماء إلى روابط متعصبي الرياضة وخاصة كرة القدم ULTRAS، التي تستغل الأنشطة الرياضية مطية لأعمال العنف والشغب الذي تقوم به عادة خارج الملاعب بدافع السرقة أو الثأر في معظم الحالات خصوصا هنا في المغرب على خلاف ماعرفت به روابط المتعصبين في مصر وتونس على سبيل المثال حيث انغمست في الشؤون السياسية واستخدمت لإيصال رسائل سياسية في خضم المراحل الانتقالية التي مر بها البلدين بعد ثورات الربيع العربي واحتجاجاته.
*العنف الذي تمارسه قوى سياسية متمردة على قواعد اللعبة السياسية كما تحددها الدساتير والقوانين والأنظمة. قوى تسعى إلى تغيير الأنظمة نفسه إن استطاعت أو التأثير الفعال في قراراتها، معلنة تحدي الأنظمة بذات أدوات القوة والعنف التي تستخدمها الأنظمة نفسها في قمع هذا الصنف من الجماعات و التنظيمات.
وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة اليوم في العالمين العربي والإسلامي بقيادة حركات وقوى متشددة دينيا ومتعصبة لفهمها الأحادي للدين، وتتم دراستها على أساس هذا الانتماء الديني غير السوي ؛ فإن التاريخ الحديث يخبرنا أن هذا النوع من الحركات العنفية بدأ في أعتى الديمقراطيات الغربية في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، مستخدما شعارات تحررية، كما هو الشأن مع الألوية الحمراء في إيطاليا أو بدرماينهوف الألمانية من دون نسيان حركات مماثلة ظهرت في أمريكا اللاتينية ضد الدكتاتوريات العسكرية التي كانت حاكمة هناك وأبرزها حركة الدرب المضيئ في البيرو.
إن خطورة عنف هذه الحركات يكمن في استمراريتها في الزمن لمدة طويلة، واستهزائها بالحدود الدولية، وفي دموية أفعالها وكثرة ضحاياها بين المدنيين الأبرياء، ناهيك عن ارتباطاتها الخارجية وقدرتها على توسيع دائرة عدم الاستقرار السياسي محليا وإقليميا وأحيانا دوليا، وما يمكن أن تستجلبه من تدخلات أجنبية، كما هو الأمر حاليا وفي السنوات الأخيرة ضد كل من القاعدة وأفرعها المختلفة وضد داعش أيضا.
*العنف الذي تمارسه جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود والقارات من قبيل عصابات تهريب المخدرات وتبييض الأموال والاتجار في البشر وفي السلاح. وتنبع خطورة هذه الجماعات ليس فقط من سلاسة لجوئها للتصفية الجسدية لأعدائها أو حتى لأتباعها إذا اقتضت الضرورة، ولكن من قدرتها الفائقة على اختراق أجهزة الدولة ومؤسساتها على اختلاف طبيعتها، أمنية ووزارية وبرلمانية وقضائية أيضا من دون تجاهل قدرتها في الأنظمة الديمقراطية على التأثير على الانتخابات والاستشارات الشعبية.
هذه الجماعات هي الأخرى تمتلك القدرة على زرع الخوف والريبة بين الجميع، وعلى إشاعة أجواء عدم الاستقرار على نطاق واسع واستدراج التدخلات الأجنبية المتواصلة بسبب عمق وديمومة أعمالها. إن أوضح مثال في هذا الإطار هو الذي تقدمه المافيا الإيطالية.
*العنف الذي تمارسه أجهزة الدول نفسها إما مضطرة لتفريق مظاهرات أو بشكل ممنهج كسياسة لتركيع المجتمع خاصة في ظل الأنظمة الدكتاتورية. وفي كلا الحالتين تجد الأنظمة مبررا لسلوكها العنيف هذا في ضرورة تطبيق القانون واحترام مقتضياته، والحفاظ على الأمن العام والسلامة الوطنية وصيانة الممتلكات ؛ فيما هي في الحقيقة تجسد توجها يغلب الآن على الساحة الدولية محليا وعالميا قوامه تأكيد سياسة الأمر الواقع وفرض الإرادة على الأرض بالاحتكام إلى القوة بعيدا مثالية العديد من المفاهيم والمبادئ كعالمية حقوق الإنسان التي اتضح من الممارسة أن التخلي عنها يحصل بسرعة إذا ما تعارضت مع مصالح الدول والأنظمة وخاصة الكبرى منها، التي تلجأ في الغالب إلى تطبيق المعايير المزدوجة في تكييف المبادئ والأعراف.
إن تعاظم أحد أشكال العنف السابقة الذكر أو كلها في بلد ما يعتبر مؤشرا أساسيا على تدحرج ذلك البلد نحو خانة الدولة الفاشلة، حيث يتسارع الانهيار الاجتماعي في الانحدار تدريجيا نحو الفوضى رغم أن مقومات الدولة من إدارة وسلطة وأجهزة أمنية قائمة، ولكن معظمها يكون مهترئا منخورا بكل الآفات من تضخم بيروقراطي، وسيادة الرشوة والعمولات، ومزاجية اتخاذ القرار بعيدا عن أي محاسبة، ما يجعل مفهوم الدولة يغدو كالشبح يظهر ويختفي. يظهر ليخيف الضعيف، ويختفي امام سطوة القوي.
وبالنظر إلى الوقائع في العديد من الدول، فإن المؤشرات المسجلة تتحدث عن تصاعد مقلق لظاهرة العنف بشتى أنواعه، وكأننا أمام نزعة في الذات الإنسانية تفرز غرائز عدوانية إزاء الآخر غير مقدور على فرملتها، ناهيك عن اجتثاثها. ولكن الحقيقة غير ذلك، إذ تلعب العوامل المتفاعلة داخل أي مجتمع محليا كان أم دوليا والبيئة المحيطة به دورا كبيرا في التحفيز على العنف أو في كبحه حسب الحالات.
... وأين المغرب من كل هذا ؟
لا يمكن للمغرب أن يشذ عن القاعدة الدولية هذه، سيما وأنه يقع في منطقة تعج بالاضطرابات، ويعاني داخليا من شتى الاختلالات والتفاوتات، ويتبنى سياسات انفتاح على الخارج اجتماعيا واقتصاديا وسياحيا وثقافيا ورياضيا حبلى بكل المخاطر والمفاجآت.
لا أحد يجادل في أن عنف الدولة قد انحسر كثيرا، ولم يعد يرتدي طابع سياسة ممنهجة بشهادة العديد من المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان ومحاربة ظاهرة العنف، ولكنه ما يزال موجودا كتصرفات فردية أو شطط في استعمال السلطة محصور في الزمان والمكان والجهة المستهدفة به أيضا بشكل لا يمكن إنكاره، خاصة عندما يكون من طبيعة معنوية ويمارس على أفراد أو جماعات دون تقديم التبريرات، وغير خاضع لأي نوع من المحاسبات.
وفي سياق الانحسار أيضا لا يشكل المغرب موئلا أو مسرحا لعنف جماعات الجريمة المنظمة إلا نادرا وعلى فترات متباعدة، إذ لا يصيبه سوى الرذاذ من أنشطة هذه الجماعات كاستخدامه محطة عبور للمخدرات القوية أو تورط بعض مواطنيه ومواطناته، وخاصة المقيمين في الخارج ومزدوجي الجنسية، في أنشطة التهريب الدولي للمخدرات والسلاح والاتجار في البشر أو حصول محاولات تبييض للأموال داخله.
ولم تبرز في المغرب قط جماعات منظمة تنادي باستعمال العنف للمطالبة بالحقوق بما في ذلك الجماعات الدينية المتطرفة. لقد ظهرت خلايا صغيرة مرتبطة بالخارج في منتصف السبعينات، ولكنها فشلت في زعزعة استقرار البلاد وفي التأثير في مسارها السياسي. ذات المصير كان لخلايا أخرى تأثرت في أواخر التسعينات وبداية القرن 21 بتنظيم القاعدة وحاولت استلهام أسلوبه رغم نجاح عمليتين لها في كل من الدار البيضاء في مايو 2003 ، ومراكش في أبريل 2011.
ولعل ندرة الحوادث هي التي تفرض اتخاذ الحذر والحيطة، خصوصا وأن عمليات استقطاب الشباب المغربي وتجنيده في هذا النوع من الجماعات التي باتت عابرة للحدود والقارات لم تتوقف، بل ازدادت وتيرتها. ومن الممكن أن هذه التنظيمات قد تكون نجحت في زرع خلايا نائمة يمكن أن تستيقظ في أي وقت وحين.
وبحسب ما يتداول من معلومات فإن عددا لا يستهان به من الشباب المغاربة مجند اليوم في التنظيمات الإرهابية المتأسلمة سواء في العراق وسوريا أو في منطقة الساحل والصحراء ناهيك عن ليبيا الغارقة في فوضى السلاح وتنامي النشاط الإرهابي وتشعب وتناسل جماعاته بما في ذلك فرع داعش بشمال إفريقيا، وحيث يعيش آلاف المغاربة الذين يمكن التغرير ببعضهم للانضمام لهذه الجماعات في ظل الظروف الحياتية والأمنية الصعبة التي يعيشونها هناك.
في هذا الإطار لا يمكن غض الطرف أبدا عن التهديد المتواصل الذي تمثله جماعة البوليزاريو على الوحدة الترابية للبلاد، وقدرتها على المناوشات العسكرية عبر الحدود وخلق البلبلة من خلال مناصريها في الداخل، سيما وأنها تتوفر على دعم في الخارج والإقليم قادر على إشغال المغرب والتشويش عليه وإحراجه في المحافل الدولية، ومحاولة فرض حلول للنزاع المفتعل لا تلبي طموحات الشعب المغربي في ترسيخ وحدته الترابية واحترام الخصوصيات الثقافية المحلية. ومن السذاجة إغفال تواصل البوليزاريو مع جماعات التهريب بكل أنواعه للإضرار بالمغرب وسمعته.
وقبل هذا وذاك فإن اليقظة والحذر والعمل الدؤوب مطلوبين في الظرف الراهن داخليا لمواجهة ظاهرة العنف الممارسة فرديا أو في نطاق مجموعات فوضوية صغيرة بغرض السرقة والاعتداء، التي تنتشر سريعا في المغرب وباتت تؤرق العديد من المواطنين وفي كل جهات المملكة بدليل أن السجون المغربية أصبحت تأوي ضعف طاقتها الاستيعابية المقدرة في 30 ألف من السجناء ، نصفهم أو اكثر من الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثون سنة.
إن استفحال الظاهرة يتضح بجلاء من خلال إبداع القاموس الشعبي لمصطلح "التشرميل" ليعبر عن فظاعة الإجرام الحاصل وخطورته وتشعب مجالاته وأماكن حدوثه. ومن الجلي أيضا أن المغرب الذي استوعب مبكرا تباشير الربيع العربي وما كانت تحبل به من إرهاصات تحوله إلى أعمال شغب وعنف خاصة عند الاصطدام بقوى الردة ورفض التغيير الهادئ، استطاع أن يفكك تدريجيا ما كانت تحتويه احتجاجات ذلك الربيع من عبوات ناسفة، وأن يرسم خريطة للمستقبل مناقضة للنهج الذي سلكه العديد من الأنظمة في المنطقة ممن رجها الربيع العربي، أو أصابها رذاذه فقط.
إن الحكم على نجاعة خريطة الطريق تلك وسلامة الخطوات التي تتضمنها رهين بمدى قدرتها على تجنيب البلاد مخاطر الوقوع في شرك معايير الدولة الفاشلة المتربصة بها من قبيل :
*التنمية الاقتصادية المشوهة بالتركيز على اقتصاد الريع والأنشطة الخدمية مقابل تهميش الأنشطة الإنتاجية، وغير العادلة حيث لا يستفيد كل المواطنين من ثروات البلاد، حسبما أوضح ذلك دون مواربة الخطاب الملكي لعيد العرش سنة 2014. كما لا تعم الخيرات كل الجهات، ما يولد الإحباط لدى الساكنة التي تشعر بالتهميش والاستبعاد اللذن يقودان على الأقل في المرحلة الأولى إلى التذمر.
*استفحال ظاهرة الهجرة القروية إلى المدن وما تحمله من فرض قيم وسلوكات القرية على المدن التي باتت بفعل العشوائية في مجال تطورها الحضري، وفي أنشطتها التجارية الهامشية وقطاع النقل فيها وتزايد العبء على بنياتها التحتية وغياب الأنشطة الثقافية والترفيهية مجرد قرى كبيرة مكتظة بالسكان. سكان يشعرون بالغبن، سيما وأن المدينة المغربية تنمو بوتيرتين متناقضتين، وتيرة عصرية تستفيد منها قلة محظوظة، واخرى فوضوية وعشوائية مفتوح تطورها على كل الاحتمالات.
*تدهور مستوى النخب وانقسامها سواء كانت نخبا سياسية أو ثقافية أو إدارية، ما جعل المجتمع المدني غير فعال في الأدوار المناطة به، كما تشي بذلك حالة الأحزاب السياسية التي رغم كثرة عددها لم تعد تمثل أزيد من 1% من سكان البلاد. والأدهى أن هذه القوى السياسية تخلت أيضا عن دورها الدستوري في تأطير المواطنين وخاصة الشباب الذي وجد نفسه تائها، مفضلة أن تكون قدوة في الانتهازية السياسية في اختيار مرشحيها لمختلف الاستحقاقات وصراعاتها حول الزعامات، وفي انحطاط أسلوب التخاطب عبر السوقية في الكلام والعراك بالأيادي بدل أن تكون نموذجا في التحصيل العلمي وإيثار المصلحة العامة على الخاصة، وفي تأطير المواطنين وحثهم على المشاركة في العملية السياسية تجديدا للدماء بعيدا عن ذات الوجوه التي باتت مشبوهة.
إن خطورة ظواهر العنف الفردية نابعة من سعة دائرة انتشارها، حيث تعم كل المدن والجهات بلا استثناء، ومن عدم القدرة على ضبطها ومعرفة حقيقة من يتسبب فيها. ألم تنطلق ثورات الربيع العربي واحتجاجاته من حالة فردية اتضح فيما بعد انها كانت تختزن الكثير من الكبت والحرمان والإحباط الذين لم ينفع معهم العنف المضاد بعد أن تكسر حاجز الخوف والرهبة وانهارت هيبة الدولة.
لقد أثبتت التجارب أن المغرب لديه من الإرادة السياسية العليا ومن الطاقات الإيجابية الكثير للانخراط في المستقبل. فهل سيكون ذلك كافيا لتجاوز العراقيل والعقبات، التي يزرعها تجار العنف والمستفيدون منه ؟ في انتظار الإجابة الشافية لا يسعنا إلا أن نردد مع مجموعة ناس الغيوان :
السلامة، السلامة، السلامة يا مولانا.