حج أمس الأحد رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء ومسؤولون إلى باريس، وتحولت عاصمة الأنوار إلى محج كبير أو عاصمة لمكافحة الإرهاب، وذلك بعد المجزرة التي ارتكبها إرهابيون ضد جريدة شارلي إيبدو الساخرة، وشارك في المسيرة كل العالم، ولم تبق بقعة في الأرض لم تدن هذا العمل الإجرامي.
لكن لابد من ملاحظات على هذا الحج وهذا الكم من التضامن مع فرنسا. الملاحظة الأولى والخطيرة هو انتفاء معايير مضبوطة للإرهاب، حيث يشارك بنيامين نتنياهو في مسيرة الجمهورية، ويحمل فوق كتفه آلاف الأرواح التي أزهقها، كما أنه من العيب أن يتضامن مع الصحفيين كبير قتلتهم، فإسرائيل من أكبر الدول قتلا للصحفيين، ناهيك عن التحالف الموضوعي مع الجماعات الإرهابية وتأكد بالملموس أن العديد من جرحاهم يتم تطبيبهم في مستشفياتها. الملاحظة الثانية هو أن فرنسا التي حج إليها العالم للتضامن، هي نفسها ليست لديها رؤية واضحة لمعنى الإرهاب، فهو بالنسبة إليها ثورة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لما يتعلق بالجماعات الإرهابية التي تلعب ورقة فرنسا وحلفاؤها في صناعة الجيوبوليتيك، وهو إرهاب لما يمس مصالحها ومواطنيها.
ففرنسا، أيها السادة المتضامنون، تأكل من شهد عسلها فقط. فالإرهابيون الذين قاموا بغزوتهم، رحلوا من فرنسا تحت أعين المخابرات الفرنسية، ورعتهم ووجهتهم وتدربوا تحت أعينها ومارسوا القتل في بلدان أخرى، تريد لها باريس ذلك، ورجعوا إلى فرنسا تحت أعينها، وتكتمت خوفا من الفضيحة. فرنسا التي تعاني اليوم من الإرهاب، ساهمت بشكل كبير في ميلاد الظاهرة الإرهابية في جيلها الحالي، لأنها لا تحسب الأمور جيدا، وكانت تعتقد بتحولات كبيرة في الشرق الأوسط، لكن الأزمة السورية قلبت الوقائع، ولم ينتج عنها إسقاط بشار الأسد ولكن نتج عنها إرهابيون مدربون ومنظمون ويعرفون تفاصيل العمليات العسكرية ويعرفون أنواع السلاح وتفكيكه وتركيبه، وهم اليوم في طريق عودتهم من حيث ذهبوا.
في تقارير كثيرة ووثائق مسربة، هناك اعتراف بأن باريس ساهمت بشكل كبير في تدريب المسلحين بمعسكرات بناها رجب طيب أردوغان لهذا الغرض قبل دخولهم إلى سوريا والعراق وكل ذلك في إطار اللعب بالأوراق الجيوسياسية لكن فرنسا لم تكن في مستوى اللعب فبدأت الأوراق تحرقها. الملاحظة الثالثة هو هذا الامتياز الذي نالته باريس. فلما يتعلق الأمر بدمشق يجتمع أصدقاء سوريا من أجل تمويل ودعم الإرهابيين تحت عنوان الجيش السوري الحر، الذي ليس سوى جبهة النصرة والإخوان المسلمين، ولا نرى مسيرة في دمشق التي يحصد فيها الإرهاب يوميا أرواح المواطنين من ديانات متعددة ولا نرى مسيرة في بغداد أو صنعاء أو طرابلس أو مصر. ولا ينسى المغاربة أنهم اكتووا بنار الإرهاب في 16 ماي وفي مقهى أركانة وما بينهما، وبدل أن يتضامن معنا العالم كانوا يشككون في العمليات ويعتبرونها مجرد تكتيكات لأغراض سياسية. الإرهاب لا يمكن محاربته دون تحديد معايير دقيقة لمعنى الإرهاب.
عن يومية ( النهار المغربية)