كما نُشرِّع لقوانين تُطارد المال المشبوه، نحن بحاجة إلى مدوّنة تُطهّر الأخلاق مما علق بها من غبار الزمن..
نحن نعيش، بلا مبالغة، لحظة انهيار في سُلّم القيم داخل المجتمع..
لم يعد القانون، مهما اشتدّت عقوباته، قادرًا وحده على إعادة ترتيب الفوضى..
في نهاية هذا الأسبوع، ناقشت لجنة الداخلية بمجلس النواب قوانين تتعلّق بتخليق الحياة السياسية..
ومن خلال خطاب وزير الداخلية بدا أننا أمام عتبة مرحلة جديدة، مرحلة لا مكان فيها للفاسدين، حتى أولئك الذين يحوم حولهم مجرد الظن..
في مداخلتي قلت للسيد الوزير إن القانون، مهما بدا صارمًا، لن يكفي وحده..
فالمسألة تتجاوز النصوص إلى روح المجتمع ذاته، وإلى دور الأحزاب السياسية تحديدًا، التي يفترض أن توقع ميثاقًا أخلاقيًا يترجم ما جاء في هذا المشروع إلى التزام فعلي..
أجاب الوزير، بصراحة لا تحتمل التأويل: «جيبوه نحيدو هاذ القانون دابا»..
كان الجواب واضحًا حدّ الألم؛ الكرة في ملعب الأحزاب، والمشروع سيمرّ كما مرّت مشاريع كثيرة قبله..
لكن هل هذا يكفي..
فالقانون يضع الإطار وينظّم، لكنه لا يردع إن لم تحمله منظومة أخلاقية قوية، تبدأ من الأسرة، ولا تنتهي عند المدرسة أو الجامعة، بل تمتد إلى كل تفاصيل المجتمع..
نحتاج إلى نقاش عمومي واسع..
فالمجتمع الذي يُطبّع مع الفساد، ويعتبره أمرًا عادياً، يحتاج إلى إعادة نظر في ذاته قبل قوانينه..
مؤسف أن نستنجد في كل مرة بالقانون الجنائي لإصلاح أعطاب سياسية تُعالج أصلًا بالسياسات العمومية..
مؤلم أن نرى أحزابًا شاخت، تحتاج إلى صدمة كهربائية لتعود إلى الحياة، صدمة تأتي من وزارة الداخلية التي كانت بالأمس في نظر الأحزاب خصمًا، فإذا بالوزير نفسه يعلن اليوم: «لا حزب للدولة سوى الوطن»..
مع هذه الحكومة، عشنا زمنًا ارتبكت فيه القيم..
وزير يمنح صفقة، وآخر يفوّت أخرى، وكأننا في بورصة لا تعرف إلا التداول، لا بناء البلاد..
ومؤلم أكثر أن الفاعل السياسي لم يفهم طبيعة اللحظة..
ولم يلتقط أن خطاب صاحب الجلالة قد رسم حدًّا فاصلاً بين مرحلتين: ما قبل 31 أكتوبر وما بعدها..
وهذا ما ظلّ وزير الداخلية يكرر التأكيد عليه في كل اجتماع مع النواب..
وما نراه اليوم لا يخصّ السياسة وحدها..
بل طال الإعلام الذي كان ينبغي أن يبقى سلطة رقابة مستقلة..
لكن هذه الحكومة لم تترك شيئًا لم تمسّه بتشويه أو بعثرة..
لن أخوض في التفاصيل..
ففي التفاصيل شياطين كثيرة..
لكن ما يمكن قوله أننا أمام غسيل أخلاق معلّق على حبال الضوء..
قانون لا ينفع كثيرًا لأنه يعاقب فقط..
بينما الأخلاق الحقيقية كانت ستشكّل صمّام الأمان قبل كل شيء..
اليوم نقف أمام امتحان حقيقي..
للأحزاب، للإعلام، للجامعة، ولحكومة صامتة تُشاهد ما يحدث في قطاعات من المفترض أن تكون حارسة للقيم..
ما يجري هو الثمرة المُرّة لزواج غير شرعي بين المال والسياسة..
وأختم بسؤال موجع للأحزاب..
هل أصبح المُحزن أكثر ديمقراطية منكم؟؟