Friday 21 November 2025
كتاب الرأي

خالد أخازي: وزير الشباب المهدي بنسعيد بين وعود التخييم الكاذبة وفشل المناظرة الوطنية...

خالد أخازي: وزير الشباب المهدي بنسعيد بين وعود التخييم الكاذبة وفشل المناظرة الوطنية... خالد أخازي
تحقيق استقصائي:
               وزير الشباب المهدي بنسعيد، وعود طموحة تتحطم على صخرة الواقع الميداني.
منذ تسلمه حقيبة وزارة الشباب والثقافة والتواصل في أكتوبر 2021، بدا محمد المهدي بنسعيد شخصية أكاديمية وسياسية مؤهلة، حاملاً رؤية طموحة لتحويل قطاع التخييم إلى رافعة تربوية واجتماعية، إلا أن الواقع على الأرض كشف فجوة كبيرة بين الخطاب والإنجاز. بعد سنوات من الوعود، أصبح من الصعب الفصل بين ما هو طموح حقيقي وما هو مجرد استثمار في الخطاب السياسي. فالنتائج الميدانية تكشف عن إخفاقات هيكلية إدارية جعلت من برامج الوزارة حبرًا على ورق، وأحيانًا أداة لتلميع صورة الوزير إعلاميًا أكثر من كونها أداة تنموية للشباب. الوزير أعلن رفع الطاقة الاستيعابية لمراكز التخييم إلى 25 ألف مستفيد بحلول 2026 مقارنة بـ16 ألف في 2024، مؤكدًا أن 34 ألف شاب وشابة استفادوا من برنامج التخييم خلال العطلتين الربيعيتين لعام 2025، واصفًا البرنامج كمؤسسة تربوية واجتماعية تمتد على مدار السنة، وليس نشاطًا موسمياً فقط. لكن الواقع الميداني مختلف تمامًا؛ فبعض المخيمات هشة، لا تتحمل الضغط المتزايد للمستفيدين الذي قد يصل إلى إلى أعداد خيالية لا تتحملها البنية التحتية القديمة التي تعاني من تدهور واضح في معايير السلامة والراحة. التمويل الموسمي وغير المستدام يجعل التخييم نشاطا صيفيا مؤقتا بدل أن يكون مؤسسة مفتوحة على مدار العام، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الوزارة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس. المناظرة الوطنية للتخييم، التي من المفترض أن تكون منصة للنقد والإصلاح، كشفت عن إخفاقات صارخة في آليات التخطيط والتنفيذ. شكل المناظرة كان شكليا أكثر من كونه إصلاحيًا، فقد اقتصرت الدعوات على جمعيات محددة مسبقًا، مع استبعاد واضح للجمعيات المحلية ذات الخبرة الميدانية الطويلة دون مبرر واضح، ما أثار استياء العديد من الفاعلين الجمعويين. ورشات العمل كانت سطحية، وتمحورت حول تشخيص عام لمشاكل المخيمات دون تقديم جداول زمنية دقيقة أو آليات متابعة، وكانت التوصيات مجرد شعارات عامة دون ربطها بمسؤوليات محددة أو اعتمادات مالية مؤكدة. لا رقابة مستقلة، ولا مؤشرات أداء، ما يجعل هذه التوصيات بلا قيمة فعلية، ويزيد الفجوة بين الرؤية الرسمية والواقع الميداني. الخطاب الإعلامي للوزارة خلال المناظرة ركز على الترويج والإبراز الإعلامي، بدل معالجة الاختلالات الجوهرية. استغلت وسائل الإعلام الرسمية الحدث لتسويق صورة الوزارة الناجحة، بينما الواقع على الأرض لم يتغير، والإطار التربوي ما يزال غير مؤهل، والمرافق متهالكة. غياب الشفافية في توزيع الموارد أصبح واضحًا؛ فالجمعيات الميدانية تفيد أحيانًا برفض ملفاتها لأسباب غير معلنة، بينما يحصل آخرون على تمويل ومراكز مجهزة بشكل أفضل دون أي معايير واضحة. التكوين والتأهيل ظل ثغرة كبيرة في المنظومة. الوزير يعلن عن برامج تربوية وورشات تكوينية للشباب، إلا أن هذه المبادرات تبقى عرضية وغير منظمة. البرامج المعلنة غير متصلة بمناهج محددة، ولا توفر تكوينًا مستمرًا للأطر التربوية، ما يجعل الكثير من الأنشطة الموسمية تقتصر على الترفيه واللعب دون تحقيق أهداف تربوية واضحة. التمويل الموسمي والهيكلي ظل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق أي استدامة. المخصصات المالية السنوية لا تكفي لتأهيل المخيمات القديمة، أو بناء جديدة بمعايير السلامة والجودة. الإدارة المالية للبرنامج تفتقر إلى الشفافية، فلا توجد آليات واضحة لمتابعة صرف الاعتمادات أو تقييم المشاريع المنجزة. بعض الجمعيات تتلقى التمويل متأخرًا أو جزئيًا، ما يزيد من صعوبة تنظيم برامج ناجحة. الشراكة مع المجتمع المدني تبدو سطحية غالبًا. الوزارة تعلن عن شراكات مع الجامعة الوطنية للتخييم أو الجمعيات الكبرى، لكنها في الواقع لا توفر مشاركة حقيقية في التخطيط أو التقييم. الجمعيات المحلية تبقى محدودة التأثير، وممثلة في لجان شكلية فقط. هذا التمييز في التمثيل يؤدي إلى شعور بالإقصاء ويضعف فرص تطوير برامج تلبي احتياجات الشباب على المستوى المحلي. السياسة الإعلامية للوزارة خلال عهد الوزير ركزت على الدفاع عن صورة الوزارة والتحكم في الخطاب، بدل معالجة الإشكاليات على الأرض. كل الانتقادات تم الرد عليها بمناورة إعلامية تتهم الخصوم بترويج أخبار زائفة، بينما الشباب والمراكز لا تزال تعاني من ضعف البنية التحتية وعدم كفاية التأطير التربوي. المناظرة الوطنية لم تحقق أهدافها الأصلية. لقد تحولت إلى منصة للتسويق السياسي أكثر منها منتدى للنقد والإصلاح. المشاركة كانت انتقائية، التوصيات عامة ولا ملزمة، التغطية الإعلامية ركزت على إنجازات مزعومة، والأرقام الرسمية غالبًا ما تغطي على الواقع الميداني الصعب، مما يجعل المناظرة رمزًا للفشل المؤسسي وضعف الرؤية الاستراتيجية في قطاع حيوي للشباب. الوزير في المناظرة حاول تلميع صورته بإبراز نجاحاته الشكلية، مستخدمًا لغة إعلامية متقنة لكنها خالية من أي مضمون إصلاحي عملي. ركز على عرض إنجازات عددية لا ترتبط بالتحسين الفعلي للبنية التحتية أو التأطير التربوي. جميع الشهادات الميدانية تفيد بأن بعض المراكز ما تزال غير مجهزة، وقلة الأطر المؤهلة تجعل البرامج الموسمية سطحية وتفتقد لأي أثر تربوي مستدام. توزيع الموارد والاعتمادات المالية كان محل انتقاد شديد. أفادت جمعيات محلية أن بعض المراكز حصلت على تجهيزات وتمويل أفضل بشكل غير متساو، ما يعكس خللًا واضحًا في الحوكمة، ويطرح تساؤلات حول معايير اختيار المستفيدين وكيفية متابعة تنفيذ البرامج بشكل مستقل. المناظرة لم تقدم سوى خطاب إعلامي ترويجي دون أي آليات تنفيذية ملموسة. الشباب المغربي يحتاج إلى أكثر من بيانات وإحصائيات مغرية على الورق. يحتاج إلى برامج حقيقية، فضاءات مؤطرة، ومراكز مجهزة، وآليات حوكمة واضحة، مشاركة فعالة للجمعيات، وتمويل مستدام، وتكوين حقيقي للأطر التربوية. بدون ذلك، ستظل وعود الوزير مجرد شعارات وكلمات على الورق، والبرنامج الوطني للتخييم معرض لأن يتحول إلى مشروع إعلامي سياسي أكثر من كونه رافعة تربوية واجتماعية حقيقية للشباب المغربي. العديد من تقارير الصحافة المستقلة أشارت إلى إخفاقات المناظرة في توفير بيانات واضحة وشفافة حول التمويل، وعدد المستفيدين الحقيقيين، وفاعلية البرامج. الصحفيون الميدانيون أكدوا أن التنسيق بين الوزارة والجمعيات المحلية ضعيف، وأن هناك فجوة كبيرة بين الخطط المعلنة على الورق وما يحدث فعليًا في الميدان. هذا الخلل الإعلامي ساهم في خلق وهم النجاح الذي حاول الوزير تسويقه. الواقع أن هذه الاختلالات تعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة وعدم القدرة على تنفيذ برنامج وطني شامل. الأخطاء البنيوية والمالية والتنظيمية والإعلامية كلها تتجمع لتؤكد أن الوزارة في عهد الوزير لم تحقق سوى القليل، وأن أي إنجازات معلنة غالبًا ما تكون مؤطرة إعلاميًا أكثر من كونها واقعية على الأرض. إذا استمرت السياسات على هذا النهج، سيظل قطاع التخييم والشباب والصحافة في حالة من التدهور المؤسف، بعيدًا عن أي استثمار حقيقي لمواهب الشباب أو تطوير قدراتهم. هذا الوضع يفرض مراجعة شاملة للسياسات، واستراتيجية إصلاح حقيقية تشمل تحديث البنية التحتية للمخيمات، تمويل مستدام، تكوين فعلي للأطر التربوية، مشاركة حقيقية للجمعيات المحلية، وشفافية كاملة في الموارد والانفاق، وإعادة النظر في المناظرة الوطنية لتصبح منصة حقيقية للنقد والمساءلة، بدل أن تكون مجرد عرض إعلامي للترويج السياسي. بدون هذه الخطوات، سيظل خطاب الوزير مجرد وعود كاذبة تتحطم على صخرة الواقع الميداني، وتبقى طموحات الشباب المغربي مجرد شعارات على الورق، ويظل الإعلام المغربي في قطاع الشباب متورطًا جزئيًا في نقل صور مزيفة عن الإنجازات الواقعية، مما يضاعف الإحباط ويقلل من الثقة بين الشباب والوزارة، ويجعل من المناظرة الوطنية مجرد حدث تسويقي فاقد للمصداقية والجدوى الحقيقية.
 
خالد أخازي، كاتب وإعلامي