Friday 21 November 2025
كتاب الرأي

أنور الشرقاوي: أكديطال.. تراجعٌ تكتيكي.. لا تخلّي عن المشروع التوسعي

أنور الشرقاوي: أكديطال.. تراجعٌ تكتيكي.. لا تخلّي عن المشروع التوسعي الدكتور أنور الشرقاوي
لم يمرّ إعلان مجموعة أكديطال سحب ملف إنشاء مراكز طبية للقرب مرور الكرام. 
فالبعض رأى فيه خطوةً تشبه التراجع أو حتى الانسحاب من مشروع توسّع كان مثار جدل واسع.
 لكن قراءة دقيقة للرسالة المؤرخة في 20 نونبر 2025 و الموقعة من الرئيس المدير العام لأكديطال تكشف شيئاً مختلفاً تماماً: ما حدث ليس تخلّياً بل تراجعاً استراتيجياً و خطوة تكتيكية محسوبة تهدف إلى تهدئة الأجواء المهنيّة وإعادة ترتيب مواقع اللعب قبل استئناف الهجوم من زاوية أخرى.
منذ السطور الأولى، يبرّر رئيس مجموعة أكديطال قرار السحب بقلق عبّر عنه بعض الأطباء وبالرغبة في الحفاظ على الهدوء داخل المهنة.
 اللغة المستخدمة هادئة، مطمئنة، لكن الملاحظة الأهم أنّ الرسالة لم تتحدث أبداً عن إلغاء المشروع. 
كل ما ورد هو سحب الملف من مجلس المنافسة، وليس سحب الفكرة نفسها. 
ما تخلّت عنه أكديطال هو الخطوة الإجرائية وليس القناعة الاستراتيجية.
الفقرة الأكثر دلالة تظهر في الصفحة الثانية عندما يعلن رئيس مجموعة أكديطال “إعادة توجيه الاستثمارات نحو مجالات أخرى، خاصة على المستوى الدولي”. 
في قاموس التدبير و الإدارة، إعادة التوجيه لا تعني الإلغاء. 
إنها طريقة ملتوية لتهدئة العاصفة دون إسقاط السفينة. 
فالمجموعة اختارت ببساطة تحويل الجهد مؤقتاً نحو فضاء أقل توتراً، في انتظار أن تهدأ الساحة الداخلية.
وفي الوقت نفسه، تتكرر في رسالة الرئيس  كلمات الثقة، التعاون، والاحترام المتبادل.
 هذا الخطاب الناعم يهدف بوضوح إلى امتصاص غضب جزء من الجسم الطبي الذي شعر بأن المشروع يهدد مساحاته المهنية.
 فعندما تؤكد مؤسسة مراراً أنها لا ترغب في منافسة الأطباء، فهذا يعني أنها تعرف جيداً أن هناك من شعر بالعكس.
 إنها ليست اعترافاً بالخطأ بقدر ما هي محاولة لتهدئة المزاج وجسّ النبض قبل العودة من جديد.
الرسالة تتحدث أيضاً عن "سوء فهم" لأهداف المشروع. 
وهذه العبارة، المعروفة جيداً في عالم التواصل، تُستخدم عندما ترغب مؤسسة في التراجع مؤقتاً دون فقدان ماء الوجه، وفي الوقت نفسه إبقاء الباب مفتوحاً لتقديم النسخة الثانية من المشروع بعد إعادة صياغته.
حتى فقرة الشكر الحار والمكثّف للأطباء ليست مجرد مجاملة.
 إنها جزء من بناء مناخ مهني جديد يسمح بإعادة إطلاق المشروع نفسه، لكن بلباس مختلف، وبإيقاع أهدأ، وبتسويق أكثر نعومة.
وفي ختام الرسالة، يذكّر رئيس المجموعة بأن تحسين الخدمة الصحية للمواطن يبقى الهدف الأسمى. 
هذه الجملة ليست بريئة. إنّها تضع الأساس الأخلاقي الذي سيسمح بإعادة طرح فكرة مراكز القرب لاحقاً، ولكن باسم "مصلحة المريض" هذه المرة، لا باسم توسّع هيكلي أثار الحساسية.
بكل بساطة، ما حدث ليس انسحاباً بل تراجعا أستراتيجيا. . 
خطوة للخلف تسمح بخطوتين إلى الأمام لاحقاً. 
هدنة قصيرة لإعادة ترتيب الصفوف، تهدئة الأطراف الغاضبة، واستعادة المبادرة على مهل.
 أكديطال لم تتخلّ عن مشروعها، بل غيّرت فقط طريقة التقدّم نحوه.
إنه تراجعٌ محسوب… لا تخلٍّ عن المشروع.
 
الدكتور أنور الشرقاوي/ خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي