Friday 21 November 2025
كتاب الرأي

جمال المحافظ: جائزة الصحافة والحاجة للتغيير

جمال المحافظ: جائزة الصحافة والحاجة للتغيير جمال المحافظ

ببلوغها الدورة 23 سنة 2025، تكون الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، قد تمكنت من ضمان دورية التنظيم والالتزام  بموعدها السنوي، منذ إقامة أول نسخة لها سنة 2003، بعد الإعلان عن إحداثها برسالة ملكية في 15 نونبر سنة 2002 بهدف مكافأة صحافي أو عدة صحافيين مغاربة، اعترافا بمجهوداتهم الفردية أو الجماعية، في تطوير الصحافة الوطنية ودورهم في إعلام المواطنين وتكوينهم وفي تنشيط الحياة الديموقراطية الوطنية، فضلا عن تشجيع الكفاءات الصحفية الوطنية، وتكريم الرواد الذين قدموا خدمات جليلة لمهنة الصحافة والاعلام.

وبغض النظر عن آراء المهنيين وهيئاتهم التمثيلية، والفاعلين من خبراء ومثقفين حول مسار ومآل هذه الجائزة فإن المأمول العمل على " إنقاذها بعدما أخذت تتجه إلى الابتعاد عن الأهداف التي أحدثت من أجلها" حسب رئيس لجنة تحكيم الجائزة في دورتها 16 برسم سنة 2018 الإعلامي الصديق معنينو الذى لم يكن الوحيد الذى وجه " نداء استغاثة " من أجل فتح ورش تطوير الجائزة، حيث تحتفظ رفوف الوزارة الوصية، بالعديد من التوصيات والمقترحات التي سبق لمختلف لجان التحكيم، أن ضمنتها في تقاريرها.

نقاش عمومي

 

و بعيدا عن لغة الخشب وطقوس المجاملات، سيكون من المفيد، فتح نقاش عمومي، قد يشكل منعطفا يساهم في "إنقاذ" هذه الجائزة، بمساهمة مختلف الفعاليات المعنية من مختلف المواقع والمسؤوليات وذلك بهدف الخروج من " المنعطف السلبى الذي أصبحت تتجه نحوه"، مع العمل على تجاوز " الضعف الذي أضحى يميز العديد من الأعمال التي تترشح للمنافسة على الجائزة: ، في الوقت الذي يلاحظ بأن "العديد من الأعمال الصحافية الجيدة لا يتم ترشيحها" حسب ما جاء في إحدى تقارير لجنة تحكيم سابقة.

إن تنظيم الجائزة، يتعين أن يتحول، إلى مناسبة لمقاربة راهن ومستقبل الصحافة والإعلام  لوضع تصورات منفتحة، تتفاعل مع المتغيرات التي يشهدها مجتمع الاعلام والمعرفة وذلك حتى يتسنى من جهة وضع لبنات جديدة وقوية، تضمن من جهة تطوير وتجويد تنظيم الجائزة وضمان استمراريتها، ومن جهة أخرى جعلها من بين أدوات الارتقاء بالمشهد الاعلامي الوطني وبما يحقق التطلعات المهنية.

 كما يتعين الانكباب على الارتقاء بأداء وسائل الاعلام  العمومي والخاص، للخروج بتصورات عقلانية واعداد برامج قابلة للتنفيذ، تتلاءم مع التحديات الجديدة التي أصبحت تفرضها عولمة الصحافة والاعلام، تأثيرات الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، ومتطلبات حرية التعبير الرئة التي تتنفس بواسطتها الصحافة والاعلام.

 

رفع الوصاية

وإذا كانت الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، قد أحدثت قبل إقرار دستور 2011، فإنه يتعين رفع الوصاية الحكومية عنها، وذلك تفعيلا للمقتضيات الدستورية في مقدمتها الفصـل 28 الذي ينص على أن السلطات العمومية تشجع على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به، وهنا يكون من المفيد إحداث آلية مدنية مستقلة مهنية، تتوفر على استقلالية تنظيمية ومالية، تتولى على مدار السنة، رصد وتتبع أفضل الإنتاجات الصحفية والإعلامية، وترشيحها تلقائيا للفوز بإحدى أصناف الجائزة.

أما على مستوى تنظيم الجائزة، فإنه يتعين العمل على تجميع أصناف الجوائز في محاور، مما يتيح إمكانيات التقليص من بعض أنواعها، مع الاعتماد في اختيار أعضاء لجان الجائزة، على التجربة المهنية والكفاءة والتجرد والمصداقية، والإلتزام بأخلاقيات المهنية، بدل الاكتفاء بتعيينات إدارية تتكفل بها مؤسسات ومنابر الإعلامية التي يصبح أعضاؤها مجرد ممثلين عنها بهذه اللجان.

وإن كان قرار الرفع من القيمة المالية لجوائز الجائزة الوطنية للصحافة مؤخرا، مسألة إيجابية في مجال التحفيز، لكنه يظل قرارا جزئيا وتقنيا، وغير كافي، لترجمة الأهداف النبيلة التي أحدثت من أجلها هذه الجائزة والمتمثلة منها المساهمة بالارتقاء بمستوى المشهد الإعلامي.

حدث وطني

وهكذا فإن المطلوب أن تتحول الجائزة الى حدث وطني إعلامي، وتأهيل المشهد الصحافي الوطني والارتقاء به وتطوير المضامين والمحتوى بالاستغلال الأمثل للتكنولوجيات الحديثة في الإعلام والاتصال، كأدوات يتحتم استعمالها في زمن اللايقين الذي من بين تجلياته سيادة التفاهة والرداءة والتضليل عوض أن تظل مناسبة تنظيم الجائزة رغم بعض المجهودات المبذولة  – كما هو عليه الحال الآن - حدثا عاديا وعابرا ، في بعض وسائل الاعلام، وذلك حتى تتحول الصحافة إلى " خدمة عمومية نبيلة، وحامية الديمقراطية من خلال كشف الحقيقة ونقل المعلومة الموثوقة والمسؤولة"، كما اعتبر وزير الشباب والثقافة والتواصل لدى ترؤسه بالرباط لحفل تسليم جوائز الصحافة الوطنية الكبرى برسم السنة الجارية.

وبصفة عامة، فإن المشهد الإعلامي الوطني لا يمكنه أن يرفع تحديات الألفية الجديدة التي تفرضها عولمة بث البرامج المعروضة عبر وسائل الإعلام والتعميم التدريجي للاستفادة من مؤهلات مجتمع المعرفة والاتصال، مالم تتم إعادة النظر بصفة جذرية في مناهج عمله، وما لم تتوفر له النصوص القانونية والأدوات والموارد اللازمة، كما جاء في الرسالة الملكية في 15 نونبر2022.