Friday 3 October 2025
كتاب الرأي

عبد الغني السرار: هل من صلاحيات الملك الدستورية إقالة رئيس الحكومة أو دفعه لتقديم استقالته؟

عبد الغني السرار: هل من صلاحيات الملك الدستورية إقالة رئيس الحكومة أو دفعه لتقديم استقالته؟ عبد الغني السرار
تداولت، يومه الجمعة، الصحافة الإلكترونية والمنصات الرقمية "وثيقة مجهولة المصدر" تتضمن مطالب ما يسمى بحركة "شباب زاد"، والتي تضمنت داخل دفتيها مطالب، اجتماعية وسياسية وأخرى دستورية، ومن جملة هذه المطالب، نجد مطلب إقالة أو إعفاء رئيس الحكومة الحالية من قبل الملك.
 وهذه النقطة بالذات، تمخض عنها بروز بعض التحليلات الأكاديمية والصحفية أو وجهات نظر، القاسم المشترك بينها كونها حسمت، بأنه ليس من صلاحية الملك دستوريا أن يُقِيلَ رئيس الحكومة أو يدفعه لتقديم استقالته، وذلك بمبرر أن الفصل 47 من دستور 2011، يعطي للملك فقط، بمبادرة منه إمكانية إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم (البند 3 من الفصل 47)، أو إعفاء عضو أو أكثر من أعضائها إما بناء على طلب من رئيس الحكومة أو بناء على استقالتهم الفردية والجماعية (البندين 3 و4 من الفصل 47)، أما إمكانية الحديث عن إقالة أو إعفاء الملك لرئيس الحكومة أو حمله على تقديم استقالته فتكون بمبادرة تلقائية من الأخير أي أن رئيس الحكومة هو الذي يتقدم بها من تلقاء نفسه وبمبادرة منه على أساس أن ذلك يجد سنده في (البند 6 من الفصل 47).
وعليه، وبحسب هذه التحليلات والقراءات فإن الملك بموجب الفصل 47 من الدستور لا يملك صلاحية إعفاء رئيس الحكومة أو دفعه لتقديم استقالته من مهامه الدستورية. وفي تقديري المتواضع، يمكن القول إن القراءة الإختزالية/الضَّيِّقة لفصول دستور 2011 دون استحضار منطق الكتلة والتأويل الدستوريين، خاصة في الجانب المتعلق بالإعفاء الملكي لرئيس الحكومة أو دفعه لتقديم استقالته، تُبَيِّن ظاهريا أن الملك ليس من اختصاصه إعفاء رئيس الحكومة أو حمله على تقديم استقالته، وذلك استنادا إلى منطوق الفصل 47 من الدستور المومأ إلى منطوقه أعلاه. لكن في المقابل من ذلك، وبعيدا عن القراءات الضَّيِّقة للمقتضيات الدستورية الخاصة بصلاحيات وسلط المؤسسة الملكية في علاقتها بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، يتضح عبر قراءة غير اختزالية للمقتضيات الدستورية أن ما لا يتيحه الفصل 47 من دستور 2011 للملك فيما يتعلق باعفاء أو إقالة رئيس الحكومة أو دفعه لتقديم استقالته، قد تُتِيحه له بشكل ضمني وغير صريح تباعا فصول في مواضع أخرى من الوثيقة الدستورية، هذا أخذا بعين الاعتبار أن الفصل 47 من الدستور بدوره ليس فيه ما يمنع الملك من إعفاء جميع أعضاء الحكومة دفعة واحدة، وما يستتبع ذلك من وضع رئيس الحكومة أمام خيار تقديم استقالته للملك حتى لو لم يكن رئيس الحكومة يرغب فيها، وذلك انطلاقا من مُمكِنات التأويل الملكي للفصل 47 وفصول أخرى من الدستور، سأتي ذكرها بالتفصيل والتحليل.
 وفي هذا الإطار، قد يشكل الفصل 51 من الدستور بداية للتدخل الملكي من أجل حمل رئيس الحكومة على تقديم استقالته التلقائية بتدخل ملكي بطريقة ضمنية، حتى لو لم يكن يرغب رئيس الحكومة في تقديم استقالته بشكل اختياري، خاصة وأن هذا الفصل يتيح للملك صلاحية وإمكانية حل مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) أو أحدهما وذلك بموجب ظهير شريف ووفق شروط شكلية.
وفي هذا السياق، حَدَّدَ الفصل 96 من الدستور الشروط الشَّكلية، التي تسبق مسطرة الحَلّ الملكي للمجلسين معا أو أحدهما، وهذه الشروط الشكلية هي: استشارة رئيس المحكمة الدستورية؛ اخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، لكن شريطة أن يقع الحل البرلماني بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة، بَيْدَ أنه للملك وحده صلاحية تقدير توافر الشُّرُوط المُوجِبَة لحل المجلسين من عدم توافرها.
وهنا يطرح تساؤل جوهري، ما الذي سيحدث في حالة تفعيل الملك صلاحيته الدستورية المتمثلة في حل المجلسين معا (النواب والمستشاري)؟، الجواب نجده في منطوق الفصل 97 من الدستور، ذلك أنه من الطبيعي والعادي سيحدث فراغ على مستوى مؤسسة البرلمان، وعليه فإنه درءا لحالة الفراغ التي قد تصيب الجهاز التشريعي بعد حله من لدن الملك تفعيلا للفصل 51 من الدستور، فإنه بموجب الفصل 97 سيتم انتخاب برلمان جديد في ظرف شهرين على أبعد تقدير من تاريخ الحل الملكي للمجلسين معا، وهنا تزداد فرضية دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته لأسباب خارجة عن إرادته، وإنما بناء على مبادرة ملكية غير مباشرة سعيا لإعفائه أو إقالته بشكل ضمني، خاصة إذا ما استحضرنا احتمالية أن يتصدر حزب سياسي آخر المرتبة الأولى، بحصوله على أغلبية المقاعد في مجلس النواب بمناسبة انتخاب البرلمان الجديد، وهنا في هذه الحالة ستفقد الحكومة القائمة المُوجِبَات السياسية والدستورية لاستمراريتها على رأس مؤسسة الحكومة، كمؤسسة دستورية منتخبة من قبل المواطنين، لأن المنطق الدستوري والإختيار الديمقراطي والإرادة الشعبية تستوجب أن يقدم رئيس الحكومة القائمة استقالته بشكل فوري وعاجل، بالرغم من أنه لا يوجد في منطوق الفصول: 47؛ 51؛ 96؛ 97 و98 من الدستور ما ينص على ضرورة تقديم الحكومة القائمة لاستقالتها أو إقالتها بتدخل ملكي مباشر بعد حصول حزب جديد على المرتبة الأولى بمناسبة انتخاب البرلمان الجديد، لكن إجرائيا ودستوريا واحتراما للإرادة الشعبية وتفاديا لاسقاطها من لدن البرلمان، عن طريق آليات الرقابة البرلمانية المتاحة، فإنه لا يمكن أن يستمر رئيس حكومة في قيادتها وهو غير مسنود بالأغلبية البرلمانية ولم يحظ بثقة الناخبين مجددا، علما أنه من المحتمل جدا أن يتمسك الحزب الذي حاز على أغلبية المقاعد في البرلمان الجديد بأحقيته في تشكيل حكومة جديدة ببرنامج حكومي جديد انطلاقا من برنامجه الانتخابي الذي حظي بثقة الناخبين، وفي كلتا الحالتين نكون - طبقا للفصل 42 من الدستور باعتبار أن الملك هو الذي يسهر على حسن سير المؤسسات الدستورية- أمام تعيين أو تكليف ملكي للحزب الجديد الذي حاز على أغلبية المقاعد البرلمانية، طبقا للفصل 97 من الدستور، بتشكيل حكومة جديدة ونكون بهذه الطريقة أمام حالة قريبة من الإعفاء الملكي للحكومة القائمة حتى في حالة استقالتها بشكل تلقائي، لكن بشكل ضمني عن طريق تدخل ملكي غير مباشر، ولكنه بطريقة مغايرة بالتمام والكمال لما هو منصوص عليه في الفصل 47 من الدستور، الذي لا ينص صراحة على إعفاء أو إقالة رئيس الحكومة من لدن الملك أو حَملِه على تقديم استقالته، لكنه يمنحه (أي الدستور) صلاحيات أخرى بموجبها يمكنه دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته بشكل طوعي وتلقائي حتى ولو لم يرغب رئيس الحكومة في هذا الأمر.
 
عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية