Friday 3 October 2025
كتاب الرأي

محمد براو: خمسة أيام صمت.. وعبث الزمن السياسي..  قراءة في تصريح أخنوش اليوم تأخر غير بريء.. وسؤال التوقيت السياسي

محمد براو: خمسة أيام صمت.. وعبث الزمن السياسي..  قراءة في تصريح أخنوش اليوم  تأخر غير بريء.. وسؤال التوقيت السياسي محمد براو

خمسة أيام كاملة انتظر فيها الشارع المغربي تصريحاً واضحاً من رئيس الحكومة، بينما كانت احتجاجات “الجيل Z” تتصاعد، وتنتقل من التعبير السلمي إلى التململ الميداني في بعض المدن.

ليس هذا تأخراً بسيطاً في التفاعل، بل اختلال في فهم الزمن السياسي والاجتماعي. فاللحظات المفصلية لا تتحمل التريث، ولا ترحم من يتأخر. وقد قلت في مقالتي الأولى حول الأحداث الموسومة:  "بين رسوخ الإصلاحات وتنامي التحديات.. المغرب أمام اختبار الإنصات الاستراتيجي ما يلي ": "الشارع المغربي اليوم لا يمر بأزمة، بل يعيش لحظة اختبار للدولة: هل تستطيع تجديد أدوات الإصغاء والتفاعل، أم ستواصل الإنصات البطيء إلى زمن متسارع؟" (الفقرة الأخيرة).

تصريح رئيس الحكومة، بهذا المعنى، لم يكن مجرد خطاب متأخر، بل كان إعلاناً ضمنياً عن فقدان الإيقاع، في مرحلة لا ترحم المراوحة.

 

تصريح بلا مضمون... أم بلاغ آخر مكرّر؟

ما قيل في تصريح المجلس الحكومي، إن تأكدت ملامحه، يعيد تدوير المفردات نفسها: "الإصغاء"، "تفهم المطالب"، "فتح الحوار"... لكن ماذا بعد؟  في مقالتي الثانية "بين الكلمات والإشارات.. قراءة تأملية في بلاغ الأغلبية الحكومية حول احتجاجات الجيلZ "، كتبت: "التفاعل الحقيقي لا يُقاس بنبرة البلاغ، بل بقدرته على فتح أوراش مراجعة عميقة... الإنصات المطلوب هنا ليس ظرفياً لتخفيف الاحتقان، بل خيار استراتيجي لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع." (الفقرة الثانية من المقطع: "من الإنصات إلى الفعل").

اليوم، يبدو أن هذا البلاغ لم يُستوعب، وأن رئيس الحكومة قدّم نسخة أخرى منه، فقط بلغة أكثر رسمية، وفي وقت أكثر هشاشة.

 

الغياب الصادم للنقد الذاتي والمؤسساتي

اللافت أن رئيس الحكومة لم يتحدث – على الأقل مما تسرب – عن المؤسسات السياسية، ولا عن أزمة الوساطة، ولا حتى عن الجمود الحزبي الذي جعل الشارع هو المساحة الوحيدة للتعبير. في المقال الثاني، توقفت بدقة عند هذه النقطة حين كتبت: "بين كل ما قيل في البلاغ، غاب كلياً أي تقييم للوضع الحزبي... وهذا الغياب مقلق لأنه يؤكد ما يراه كثيرون: أن المشهد الحزبي يعيش أزمة تمثيلية بنيوية." (الفقرة: "ماذا عن الأحزاب؟").

كان بإمكان رئيس الحكومة أن يفتح لحظة صدق سياسي، لكنه اختار، مرة أخرى، طريق "البلاغات المطمئنة دون مبادرات مسؤولة".

 

الملكية ليست بديلاً عن السياسة

قلتها وأكررها: رغم الأهمية الحيوية للمرجعية الملكية في التأطير وضمان الاستقرار، فإن التمادي في تحميل المؤسسة الملكية وحدها مسؤولية التفاعل السياسي، هو خطر كبير على النموذج المؤسساتي المغربي.

وقد نبهت إلى هذا بوضوح في مقالي الثالث الموسوم: "نهاية دورة سياسية كاملة.. جيل جديد يطالب بالتغيير، ونظام حكامة مطالب بإعادة ابتكار نفسه"، حين كتبت: "حين تُصبح كل الإجابات مرهونة حصرياً بالخطاب الملكي، تُطرح إشكالية غياب المبادرة السياسية لدى الفاعلين المنتخبين." (الفقرة: "المؤسسة الملكية... ليست بديلاً عن الفعل السياسي").

تصريح رئيس الحكومة، إذ لم يتضمن أي مبادرة مستقلة أو تعاقدية مع الشارع، أكد هذه المفارقة: دستورياً مسؤول، فعلياً غائب.

 

لحظة الحقيقة: لم يعد الإنصات كافياً

في ضوء كل هذا، يظهر أن تصريح رئيس الحكومة لم يفتح أفقاً جديداً، ولم يُجب عن الأسئلة الجوهرية:

هل ستُتخذ قرارات اجتماعية عاجلة؟
هل ستُفتح قنوات تواصل فعلية مع الشباب دون وسائط تقليدية؟
هل هناك رغبة في مراجعة النظام الحزبي قبل 2026؟

كل ما قُدِّم لا يرقى إلى مستوى الحدث، بل يزيد من ترسيخ صورة حكومة تدير الأزمة لا تحلّها، وتتلقى الرسائل بدل أن تصنعها.

وفي مقالي الثالث، وضعت إصبعي على الجرح حين قلت: "كل يوم تأخير يُخصم من رصيد الدولة وليس فقط من رصيد الحكومة." (الفقرة: "الحكومة في وضع الانتظار").

 

ختاما: من أجل تحول مسؤول: توصيات للدولة

المغرب اليوم ليس فقط أمام حراك شبابي، بل أمام نقطة انعطاف تاريخية. وتجاوز الأزمة لا يكون بالتصريحات، بل بقرارات جريئة، وفيما يلي خمس توصيات عملية يجب على الدولة، لا الحكومة وحدها، أن تضعها موضع التنفيذ:

  1. إعلان حالة استنفار اجتماعي مؤسساتي

ليس أمنياً، بل اجتماعياً، بتخصيص ميزانيات عاجلة للقطاعات الثلاثة: الصحة، التعليم، الحماية الاجتماعية، مع إعلان آجال محددة للنتائج الميدانية.

  1. إطلاق حوار وطني مباشر مع الجيلZ”

خارج القنوات الحزبية أو النقابية المتآكلة، مع توفير منصات رقمية وميدانية مؤطرة، تُصغي، تناقش، وتُقرّر بتشاركية.

  1.  إعادة هيكلة مؤسسات الوساطة

من خلال مراجعة عميقة لأدوار ومسؤوليات المجالس الاستشارية، والهيئات الدستورية، والأحزاب السياسية، وربطها بمؤشرات أداء واضحة.

  1.  تسريع الإصلاحات المؤسساتية

لا سيما المتعلقة بـ: العدالة المجالية، تفعيل النموذج التنموي الجديد، إصلاح النظام الجبائي المحلي، وتقوية شفافية القرار العمومي.

  1.  دراسة خيار انتخابات سابقة لأوانها

كخطوة لإعادة تجديد الثقة، وتجاوز الوجوه المتجاوزة، وإعطاء إشارات واضحة بأن المشهد السياسي ليس جامداً، بل قادر على التجدد.

 

وأخيراً...

أقولها بوضوح، الحكومة سقطت سياسيا وباتت منتهية الصلاحية. وإن لم تتحرك الدولة في الزمن الاجتماعي، ستخسر نقاطا هي الأخرى في الزمن السياسي.

هذا الجيل الجديد – كما قلت في مقالي الثالث – لا يطلب المستحيل، بل يطلب شيئاً واحداً: "أن يُعامَل كمواطن فاعل، لا كأزمة مؤقتة."

فلنمنحه ذلك، فربما تكون هذه اللحظة فرصة حقيقية لا لإخماد الغضب، بل لبناء تعاقد جديد يُنهي منطق التدبير بالأزمات، ويُطلق زمناً سياسياً يليق بمغرب شبابه هو رافعة التغيير، لا مجرد صدى له.

 

على الهامش

"حين يُقصى الشباب من المشاركة، يُعاد إدخالهم عبر الاحتجاج." مقولة شهيرة مجهولة المصدر