Thursday 2 October 2025
سياسة

قضية الطرد الجماعي لمغاربة الجزائر تدخل منعطفا جديدا

قضية الطرد الجماعي لمغاربة الجزائر تدخل منعطفا جديدا أعضاء المكتب التنفيذي للتجمع من اليمين: جمال المحافظ، محمد الشرفاوي، عبدالرزاق الحنوشي والحسين بوعسرية
يشكل اختيار التجمع الدولي لدعم الأسر المغربية من أصل مغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975 تقديم تقريره الجديد في مدينة جنيف السويسرية يوم الأربعاء فاتح اكتوبر 2025 ،على هامش الدورة 60 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، مرحلة جديدة في الترافع من أجل الضغط على الدولة الجزائرية للاعتراف بعملية الطرد الجماعي التعسفي التي نفذتها قواتها في ثامن دجنبر 1975 بأمر من رئيسها هواري بومدين وطال عشرات الآلاف من ا المواطنات و المواطنين المغاربة، الذين كان أغلبهم مستقراً في الجزائر منذ عدة أجيال، ومنهم من ساهم في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ، وازداد أيضا العديد منهم في الجزائر.
 
ويسلط هذا التقرير الذي جرى تقديمه خلال ندوة صحافية بنادي الصحافة بمدينة جنيف السويسرية والتي تتزامن مع الذكرى 50 على هذا الطرد الجماعي التعسفي، والذي يعد ليس خرقا فقط للقانون الدولي، وأيضا التشريعات الجزائرية. كما عمل التجمع الدولي على التواصل مع عدد من المسؤولين المشاركين في دورة مجلس حقوق الانسان من أجل التحسيس بهذه المأساة ذات الطبيعة الإنسانية والحقوقية.
 
أرشيف وتوثيق
ويندرج هذا التقرير الجديد الصادر باللغات الإنجليزية والاسبانية والفرنسية والعربية، ووزع بجنيف في اطار إغناء عمل التجمع التوثيقي المستند في إعداده إلى أرشيف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر بجنيف، يتكون من برقيات، وتقارير بعثات، وجداول لوجستية، ومراسلات دبلوماسية تغطي الفترة من 1975 إلى 1977. كما يكشف التقرير ذاته عن أبعاد جديدة تبرز حجم المأساة التي عاشتها عشرات الآلاف من العائلات خلال عملية الطرد.
 
ولإبراز البعد التاريخي والإنساني الكامل لهذه المأساة، استُكملت هذه الأرشيفات بمراجعة للصحافة المغربية والدولية (1975 -1978)، وبالفيلم الوثائقي بعنوان "مأساة الأربعين ألفاً" من إخراج أحمد قاسم، وكذلك بكتاب محمد البجاوي (فبراير 1976) .
 
ولدى استحضاره لهذه المأساة، أوضح محمد الشرفاوي رئيس التجمع الدولي، خلال الندوة الصحافية، بحضور منابر إعلامية وفعاليات مدنية وحقوقية، أنه خلال عملية الطرد تم فصل الضحايا عن ذويهم، وتجميعهم في مراكز، وجُرّدوا من ممتلكاتهم، ورُحّلوا من الجزائر ، من دون سابق اخبار، في حالة مزرية، الى الحدود الجزائرية المغربية. وأشار إلى أنه بعد مرور نصف قرن على هذه الفاجعة، ولم يصدر لحد الآن أي اعتراف رسمي من السلطات الجزائرية.
 
تعبئة دولية
من بين الخلاصات التي تم التوصل إليها في هذا التقرير - بناء على معطيات موثقة رسمية، قال الفاعل الحقوقي عبد الرزاق الحنوشي، نائب رئيس التجمع الدولي، بأن الانطلاقة الفعلية لعمليات الطرد التعسفي جرت ابتداء من 8 دجنبر 1975، واشتدت وتواصلت حتى نهاية شهر يناير،1976 مضيفا بأنه تم تسجيل حوالي 45000 شخص، تركزوا أساساً في وجدة (64٪)، والناظور (16٪)، وفكيك (4٪) كما جاء في التقرير الذي يبرز كذلك حجم التعبئة الدولية التي شاركت فيها أكثر من 20 جمعية وطنية للصليب الأحمر، من بينها سويسرا، وهولندا، وجمهورية ألمانيا الاتحادية، وكندا، ومصر، وإسبانيا، وتركيا، وتايلاند، فضلاً عن منظمات إنسانية من قبيل "أنقذوا الأطفال – Save the Children" والفرع الهوندي لمنظمة "كاريتاس" الخيرية التي قدمت دعمها للضحايا.
 
وعلاوة على العمليات اللوجستية، تنقل الأرشيفات كذلك صورا عن هذه المأساة الإنسانية الجماعية، والتي كان بين المطرودين عائلات كاملة فُوجئت بهذا القرار التعسفي في قلب الشتاء، وأطفال انتُزعوا من مقاعد الدراسة، وأزواج فُصلوا قسراً وبقوا دون أخبار عن بعضهم البعض. كما اضطرت نساء حوامل أو في حالة وضع إلى عبور الحدود في ظروف لا إنسانية، دون متابعة طبية، معرضات بذلك للبرد وانعدام الأمن. وكذلك الأمر بالنسبة للمرضى، والمسنين، وذوي الإعاقة، الذين نُقلوا في شاحنات وأُلقوا عند الحدود، محرومين من جميع الحقوق وأبسط أشكال الرعاية، حيث كان بين هؤلاء المطرودين مقاومون مغاربة سابقون ساهموا، قبل سنوات قليلة، في تحرير الجزائر من الاستعمار.
 
وهكذا يوضح الشرفاوي بأنه من وراء المعطيات والأرقام، تتبدى حياة هؤلاء المغاربة المطرودين محطمة، وكرامة مُهانة، واقتلاع قسري الذي ترك جراحاً عميقة عبر أجيال متعددة وإن ألم الفراق وفقدان حياة بُنيت فجأة على الجانب الآخر من الحدود ما يزالان يغذيان حتى اليوم شعوراً باللاعدالة وعدم الانصاف.
 
قاعدة صلبة
ويشكل هذا التقرير الذي يجمع بين البحث التاريخي، وجمع الشهادات، والمرافعة المواطنة، قاعدة أولى صلبة ودقيقة لفهم بشكل أفضل عملية الطرد، ويسعي إلى الاعتراف بها، ويطمح إلى فتح الطريق نحو الحقيقة، والعدالة و الإنصاف. كما يقدم التقرير تحليلا قانونيا، لتكييف الانتهاكات واستشراف سبل الانتصاف المتاحة والممكنة، لاسيما وأن هذه الانتهاكات غير قابلة للتقادم ما دام الضحايا لم يتم إنصافهم رغم مرور نصف قرن على هذه المأساة الإنسانية.
 
ووصف الحنوشي التقرير المنجز بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج و بشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بعنوان : " ذاكرة ضد النسيان: من أجل الاعتراف بطرد العائلات المغربية من الجزائر سنة 1975" ب"العمل غير المسبوق"، موضحا أن التقرير يقدم تحليلا قانونيا جديا، وذلك وفق مقتضيات التشريع الجزائري المتعلق بوضعية الأجانب و الالتزامات الاتفاقية الثنائية، مع استحضار مرجعيات القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني وبعض الاجتهادات ذات الصلة بالترحيل القسري و الطرد الجماعي وتثبيت مسؤولية الدولة الجزائرية في الانتهاكات والطابع المستمر لهذه للانتهاكات.
 
وإذا كان الأمر رقم 66-211 المؤرخ في 21 يوليو 1966 المتعلق بوضعية الأجانب في الجزائر آنذاك، ينظم «شروط دخول الأجانب إلى الجزائر وتنقلهم وإقامتهم وخروجهم» مع مراعاة «الاتفاقيات الدولية أو اتفاقات المعاملة بالمثل»، فإن تحليل الوقائع -كما رصدت التقرير، يبين أن الطرد، كان جماعياً وموسّعاً، على الرغم أن القانون الجزائري، يفرض معالجة فردية لكل حالة على حدة؛ كما لم يُبلَّغ أيّ من المطرودين المغاربة، وفق الشكل القانوني، بقرار معلّل بالطرد؛ وهو ما يجعل هذه العملية بمثابة تعدٍّ مادي.
 
انتهاك مادي ومعنوي
وفضلا عن ذلك فإن التقرير يوضح التقرير، بأن هذا الطرد جرى بشكل فوري وسريع وجماعي، ما حرم المطرودين من إمكانية التذرع " باستحالة مغادرة التراب الوطني" للاستفادة من الإمكانية المنصوص عليها في المادة 22 من الأمر السابق ذكره. وعليه فإن عملية الطرد، كما نُفذت من قبل السلطات الجزائرية، يوضح الشرفاوي، بأنها تمت في خرق للقانون الداخلي الجزائري الذى ينص على أنه «لا يجوز تجريد أحد تعسفاً من ملكه»، وبالتالي فهي مشوبة بعدم الشرعية.
 
كما يشكل انتهاكا صارخا الالتزامات الاتفاقية الثنائية، حول الإقامة المبرمة بين المغرب والجزائر في 15 مارس 1963، والبروتوكول الإضافي المعدّل والمتمم لها الموقع في 15 يناير 1969، وهما نصان نافذان في كلا البلدين عند وقوع الطرد كما جاء في هذا التقرير.
 
وفي معرض تكييفها لهذه القضية في إطار القانون الدولي، أبرز التقرير على أن الطابع الجماعي وغير المعلل وغير القانوني لعمليات الطرد ثابت من الناحيتين القانونية والواقعية، وهو ما يقتضي توصيف عدد من الانتهاكات على ضوء القانون الدولي. كما أن نزع ملكية ممتلكات المغاربة المطرودين من قبل الدولة الجزائرية، يُعد عملاً غير مشروع بمقتضى القانون الدولي، وذلك لعدة أسباب منها أن المواطنين المغاربة المطرودين، لم تُتح لهم، سواء عند الطرد أو بعده، أي إمكانية للطعن في هذه القرارات أو حتى الدفاع عن حقوقهم في الملكية، في الوقت الذي وجد المغاربة المطرودين والمسلوبة أملاكهم، أنفسهم محرومين بشكل نهائي من ممتلكاتهم بموجب نص تشريعي صادر عن الدولة الجزائرية.
 
آثار المسؤولية
بناءً على ما سبق، أكد رئيس الجمع في معرض إجابته على أسئلة الصحفيين، بأن طرد المواطنين المغاربة من الجزائر، بصفته فعلاً غير مشروع بموجب القانون الدولي، يُرتب المسؤولية الدولية المباشرة للدولة الجزائرية، وأن الطرد وسلب الممتلكات يشكلان أفعالاً غير مشروعة دولياً، لكونها تُنسب إلى الدولة الجزائرية، وتمثل خرقاً لالتزاماتها الدولية، وللمبادئ الأساسية في القانون الدولي، في ظل تبوث مسؤولية الدولة الجزائرية عن طرد المواطنين المغاربة وسلب ممتلكاتهم التي ينبغي النظر لأشكال جبر الضرر ، وفقاً للمبادئ الأساسية والتوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والتعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مما يتعين أن تجمع بين الردّ عبر إعادة حق العودة، واسترجاع أو تعويض الممتلكات؛ والإنصاف الرمزي من خلال الاعتراف الرسمي، وإجراءات الذاكرة فضلا عن ضمانات عدم التكرار.
 
وفي شهادة حية حول واقعة الطرد، قدم الحسين بوعسرية أحد ضحايا هذه المأساة والذي كان عمره آنذاك لا يتجاوز 16 سنة، استعرض فيها السياق الذي جرى فيه طرد، كامل أسرته يوم الأربعاء 17 دجنبر 1975، وهو ما زال يخلف جرحا عميقا، رغم مرور نصف قرن على هذه المأساة التي وصفها ب" الجريمة النكراء".
 
وكانت رئيسة نادي الصحافة بجنيف جيرالدين سافري، عبرت في مستهل الندوة الصحفية، عن ترحيبها بالتجمع الدولي مبرزة الأدوار التي اضطلعت بها سويسرا إبان عملية طرد مغاربة الجوائر من خلال الصليب الأحمر ، معبرة عن الأمل في إيجاد حل لهذه المأساة ومزيد من الاشتغال على هذه الذاكرة وفق مبدأ الإنصاف والقوانين الدولية الجاري بها العمل في هذا المجال.