Tuesday 30 September 2025
كتاب الرأي

يونس التايب: دعوة إلى الحكمة في التعامل مع تعبيرات الشباب المغربي

يونس التايب: دعوة إلى الحكمة في التعامل مع تعبيرات الشباب المغربي يونس التايب
في مسار الشعوب و الدول الراسخة، تأتي سياقات زمنية تتسم بتوترات عادية، أو أخرى شديدة و بالغة الحساسية، على خلفية مشاكل اجتماعية أو سياسية أو حقوقية. وتلك طبيعة الأمور في المجتمعات الحية، و لا شيء في ذلك غريب أو مستهجن، ولا يجب ان نهول و لا أن نهون الأمور.
الغريب هو أن يعم السكون و أن لا تتحرك مكونات المجتمع لتستثمر في ما تتيحه الديمقراطية من مساحات التدافع السلمي الحضاري، المرتكز على الفعل المؤسساتي و الحوار و اختلاف الرؤى و الاستفادة من دينامية المجتمع المدني باحترام تام لسمو القانون. 
الغريب، أيضا، هو أن لا تستدعي السياقات الشديدة الدقة والحساسية، ما يلزم من يقظة و مسؤولية في التدبير السياسي، وهدوء في التفاعل، وحكمة في معالجة الموقف، ببعد نظر استراتيجي يرتكز على التجرد و الموضوعية في تقييم الأمور، و الثقة في الذات الوطنية.
 وإذا كان ضروريا التذكير بأن السياق استثنائي، يستوجب استحضار كل الأبعاد الداخلية والتحديات الجيوستراتيجية، فإن الواجب يقتضي التنبيه إلى ضرورة اعتماد مقياس المصلحة الوطنية الحقة في ما نحن فيه. بما يعنيه ذلك من وجوب التفاعل السياسي المسؤول مع الطموحات التي يعبر عنها المواطنون، و السعي الجاد لتحقيقها. 
حين يكون الظرف مطبوعا بدقة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، يصبح لزاما تجديد التواصل السياسي، وتطوير آليات الإنصات للتعبيرات المجتمعية، بشكل خاص تلك التي يكون مصدرها شباب الوطن. تلك مسؤولية أخلاقية و سياسية و تاريخية، يتعين تحملها ممن يعنيهم الأمر من فاعلين عموميين، لترميم جسور الثقة و إعادة الأمل، امتدادا لما عبر عنه جلالة الملك من توجه رافض لاستمرار السير بسرعتين في مغرب 2025، وتسريعا لورش التأهيل الشامل لحكامة الشأن العام ببلادنا. 
بذلك، تتحقق مصالح الناس وتعود الطمأنينة للمجتمع، و الشباب خاصة، في احترام تام للثوابت الوطنية الراسخة للأمة المغربية.
ما برز في شوارعنا، في الأيام الأخيرة، يستدعي إعمال أعلى درجات الحكمة، و ضبط النفس في التعامل مع شبابنا الذين يعبرون عن قلقهم من أوضاع اجتماعية تستحق أن نتجاوزها لما هو أفضل. لذلك، المطلوب هو مد الأيدي بالخير وتفعيل التواصل الذي يحترم ذكاء الشباب المغربي، واستيعاب التعابير التي تصدر عنهم، حتى لو تمت بعض تجلياتها خارج سياقات مؤطرة بالشكل السليم. 
الآن و ليس غدا، نحتاج إلى دينامية سياسية جديدة ترتكز على تثمين مكتسبات التنمية التي تحققت خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، بغرض الاستثمار الجاد في الشباب المغربي، وصناعة المستقبل معه و لأجله.
ألم نكن نقول، خلال الأشهر الأخيرة، قبل بروز دينامية حركة جيل الشباب، أن هنالك مشاكل اجتماعية تستحق كامل اهتمامنا: بطالة الشباب؛ رداءة خدمات الصحة العمومية؛ تخبط قطاع التعليم؛ تراجع القدرة الشرائية لفئات واسعة؟؟؟
ألم نكن نقول أن التحركات المريبة التي قد يقف وراءها أعداء يتربصون بمصالح بلادنا، تستوجب تقوية الجبهة الداخلية و الالتفاف وراء قيادتنا و دولتنا، وإعلاء المقاربة الاجتماعية، وبلورة حلول مستعجلة للمشاكل التي تشوش على المشهد و توتر الأجواء التي لا حاجة بنا لتوتيرها أكثر؟؟؟
طبعا كنا متفقين على كل تلك النقاط. لذلك، علينا اليوم أن نتفهم مشروعية ما يتم التعبير عنه من طرف الشباب، و التزام سبيل الحكمة في التعاطي معهم، بالتروي و الصبر، و استيعاب الغضب و التجاوز عن بعض الهفوات التي قد تبرز، هنا و هناك، بسبب نسبية التجربة النضالية و بحسن نية بادية للعيان. 
ولاشك، نحن أهل لذلك السمو في التعامل، خاصة أن الظرف لا يحتاج إلى سلوكات تؤجج معارك وهمية بين فئات من أبناء شعبنا، بعضهم يمارس حرية التعبير المكفولة، و البعض الآخر يؤدي، فقط، المهام الموكولة إليه بضرورة تطبيق القانون و تأطير التجمهر في الساحات العمومية. 
معاركنا الوحيدة يجب أن تكون ضد أعداء وحدتنا الترابية، و ضد الفقر و الهشاشة الاجتماعية، و ضد البطالة و ضعف التكوين، و ضد الفساد وجيوب التخلف التدبيري، و ضد نقص الخدمات العمومية الاجتماعية و ضد ضعف التأطير السياسي و الثقافي. و يجب أن تكون، أيضا، معركة لتحقيق التأهيل الشامل، و تجديد أساليب العمل في المرافق العمومية، و عصرنة تدبير المجالات الترابية وعدد من الملفات الموضوعاتية و القطاعية.
ما أعايشه يوميا، في تنقلاتي عبر جهات المملكة الإثنى عشر، يجعلني موقنا أن الشباب المغربي يعشقون وطنهم ويعتزون بكثير مما يتحقق فيه. لكنهم يريدون، وهذا حقهم المشروع، الحياة بكرامة و حرية و مسؤولية، و هم بالتأكيد لن يخذلوا أيادي الخير والكرامة التي يجب أن تمتد نحوهم، الآن و ليس غدا، بحس مواطن مسؤول ... 
الآن، و ليس غدا ... شبابنا يريدون أن يكونوا جزءا فاعلا في دينامية صناعة واقع أكثر إدماجا و عدلا و مساواة و إنصافا، دون انتهازية و لا فساد و لا محسوبية. و يأملون في سياسات عمومية تجعل من التنمية الاجتماعية، ومحاربة التهميش المجالي، ودعم روح المبادرة والاستثمار، وتشجيع التشغيل، أولويات وطنية استراتيجية كبرى، ضمن إطارنا المؤسساتي الذي يتأسس على ثوابت وطنية راسخة، و حفظا لمكتسبات كبيرة راكمتها بلادنا، على مدى خمس وعشرين سنة ماضية. 
لذلك، من الحكمة أن نلتقط اللحظة التاريخية الراهنة، بما يلزم من هدوء و ذكاء و روح وطنية و حس المسؤولية التاريخية. وليس ذلك بعزيز على عبقرية الشعب المغربي الذي يصر على أن يعيش أبناؤه بشرف وكرامة وعدل، بعيدا عن الاستغلال السياسوي لمشاكلهم من طرف بائعي الأوهام و المتخاذلين بمسؤولياتهم، و بعيدا عن بؤس محترفي الرداءة و إحباط الهمم، و بعيدا عن عبث ممتهني الاتجار بالسياسة لقضاء مصالحهم الحزبية الصغرى التي ليس فيها مكان لمصالح الوطن ولا لانتظارات المواطنين.