Tuesday 30 September 2025
كتاب الرأي

عائشة العلوي: جيل Z في المغرب.. بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي

عائشة العلوي: جيل Z في المغرب.. بين صرخة الحقوق وجرح الانكسار النفسي عائشة العلوي
جيل Z في المغرب لم يخرج إلى الشارع أو إلى الفضاء الرقمي فقط للمطالبة بالتعليم أو الصحة أو الشغل، بل ليصرخ ضد مغرب بسرعتين، وضد منظومة لم تعد تضمن الحقوق الأساسية: تعليم عمومي قوي، وصحة تحفظ الكرامة، وشغل كريم يفتح أبواب الأمل، وإنترنت يربط الناس بالعالم، وطرق وبنيات تحتية تضع حداً للعزلة، وعدالة اجتماعية تعيد الثقة في الوطن.
 
غير أن هذه الاحتجاجات تتغذى أيضاً من جرح نفسي جماعي يعيشه المغاربة. فكيف لشاب(ة) يرى الإبادة الجماعية في فلسطين يومياً، أمام صمت العالم وعجز المؤسسات الدولية، ألا يشعر بانهيار قيم العدالة والكرامة الإنسانية؟ وكيف لمغربي(ة) أن يقبل الصمت وهو يشاهد مواطناً(ة) يلفظ أنفاسه في مستشفى بأكادير لأنه لم يجد سريراً أو عناية، في لحظة تختزل قيمة الإنسان إلى العدم؟ وكيف يمكن لشاب يواجه "الحكرة" يومياً، في الشارع أو في الإدارة أو في سوق الشغل، أن يقتنع بأن الصمت هو الحل؟
 
إن تزاوج هذه الانكسارات الداخلية والخارجية يصنع وعياً احتجاجياً جديداً، أكثر حدة وجرأة. فجـيل Z لا يطالب بالامتيازات، بل بالحد الأدنى من العدالة: ألا يُهان في مستشفى، وألا يُترك بلا شغل، وألا يُقصى من التعليم، وألا يُعامل كمواطن من الدرجة الثانية.
 
إغلاق قنوات التعبير السياسي والمدني أمام هذا الجيل ليس حلاً، بل مغامرة غير محسوبة تهدد الاستقرار السياسي. فهذه الفضاءات وحدها القادرة على تحويل الغضب إلى قوة اقتراحية، ومنع الانكسار النفسي من التحول إلى قطيعة مع الدولة والمجتمع.
 
لقد أثبتت التجربة أن النظام الملكي المغربي قادر على الاستماع والتفاعل، غير أن ذلك لن يتحقق إلا بوجود قوى سياسية وطنية صادقة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. جيل Z يطالب بما طالب به أجداده: كرامة، مساواة، وعدالة. لكنه يضيف مطلباً جديداً: أن يُسمع صوته، وأن يُعترف بمعاناته، وأن يُؤخذ بجدية.
 
جيل Z اليوم يعيد طرح السؤال الجوهري للتنمية العادلة: أي مغرب نريد؟ مغرب الفرص المتكافئة، حيث التعليم والصحة والشغل والكرامة حقوق للجميع، أم مغرب بسرعتين يرسخ الانقسام ويزرع بذور الاحتقان؟
 
إن الاحتجاج، مهما علا صوته، يظل فرصة لا تهديداً. فرصة لإعادة الاعتبار للقطاع العمومي، ولترسيخ العدالة الاجتماعية، ولمحاربة الفساد وتضارب المصالح. إنه مرآة تكشف التصدعات، وصوت يطالب بالترميم قبل فوات الأوان. وجيل Z، وهو يربط بين محليته وجرحه الإنساني العالمي، يعلن بوضوح: نريد وطناً عادلاً، حراً، كريماً، لا يقتل أبناءه بالصمت ولا يخذلهم في إنسانيتهم.
 
عائشة العلوي، أستاذة جامعية خبيرة في الاقتصاد