لم يكن انهيار حكومة نتنياهو أمرا مدهشا، لا بل ما يثير الدهشة هو سبب استغراقها عامين حتى زوالها. وسقوط الحكومة كان أمرا محتوما لأنّ الإئتلاف الحكومي كان مكوّنا من عدة أحزاب متباينة لم تكن تتفق على كلّ قضيّة رئيسيّة تواجه إسرائيل. كان زواج مصلحة لخمسة أحزاب سياسيّة يقودها زعماء بنهملا حدود له للسلطة وبأجندات سياسيّة مختلفة وطموحات شخصيّة، ولعلّ هذه الأخيرة هي الشيء الوحيد المشترك بينهم. كان هذا كلّه جليّا في هذا الكمّ القليل الذي حققته هذه الحكومة على الجبهات السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة، وبالأخصّ صفر التقدّم، إن لم يكن الإنتكاس في عمليّة السّلام مع الفلسطينيين.
ولفهم سبب الحكم على هذه الحكومة بالفشل منذ بدايتها، يجب أن يلقي المرء نظرة على شخصيّة زعمائها الذين جمعهم معا الإتفاق فقط على القاسم الأدنى المشترك لتسيير البلاد في وقت كانت إسرائيل في أمسّ الحاجة لقيادة قويّة وذات رؤية بعيدة.
فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسي أنانيّ مهووس وإيديولوجي متزمّت ملتزم بفكرة إسرائيل الكبرى، ومنافق يستغلّ أمن إسرائيل القومي كغطاء لاستمرار الإحتلال وسياساته الفظّة تجاه الفلسطينيين. وهو وطنيّ أعمى لا يوقفه شيء لتحقيق أجندته السياسيّة وهي منع قيام دولة فلسطينيّة على أساس حلّ الدولتين ومستعدّ لانتهاك أية قاعدة لتكريس "الحقّ الحصري المطلق لليهود على أرضهم".
ولنأخذ وزير الماليّة يئير لبيد، شخص تحوّل من الصحافة إلى السياسة وهو من تيّار الوسط الذين ركّزوا على التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وليس لديه أية قناعة معيّنة فيما يتعلّق بحلّ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وكان راضيا على المستوطنات.
أعطي للبيد حقيبة وزارة المالية الحرجة التي تجاوزت قدراته لإدارتها وسرعان ما أظهر افتقاره للخبرة. لقد كان باستمرار على خلاف مع نتنياهو في الأمور الماليّة وعارض بشدّة مسودة القانون الذي اقترحه نتنياهو والذي يعرّف إسرائيل كدولة قوميّة للشعب اليهودي، الأمر الذي أدّى في النهاية لانهيار الحكومة.
ووزير الخارجيّة أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، هو الأقرب من الناحية الإيديولوجيّة لنتنياهو فيما يتعلّق بالصراع مع الفلسطينيين. وبالرغم من أنّه وقف إلى جانب نتنياهو لمنع إقامة دولة فلسطينيّة، فقد اختلف معه على متابعة حرب غزّة حيث أنّه أراد الذهاب حتّى النهاية.
لم يكن ليبرمان مناسبا لتولي سياسة إسرائيل الخارجيّة، وبعد توقف قصير لتبرئة اسمه من تهم الفساد استأنف مهمته كوزير للخارجيّة، ولكنه بدأ ينأى بنفسه عن نتنياهو. لم يخف طموحه في أن يصبح رئيس الوزراء القادم، الأمر الذي سبّب همّا وغمّا لنتنياهو.
عندما خسرت تسيبي ليفني زعامة حزب كاديما استقالت وشكّلت حزبا ً جديدا "الحركة". لقد عُينت لترأس وزارة العدل وكانت على خلاف جوهري مع نتنياهو على مسألة الصراع مع الفلسطينيين وكانت معارضة شرسة للمستوطنات. وبالرغم من ذلك، فقد كانت متحمّسة للإنضمام لحكومة نتنياهو بشرط أن تكون -كما كانت تفخر بنفسها- رئيسة الوفد المفاوض مع الفلسطينيين. لم تكن تعلم إلاّ القليل بأن نتنياهو لم يكن مزمعا أن يعطيها حرية التصرّف في المفاوضات، فقد كلّف مستشاره المقرّب منه، إسحق مولخو، بمراقبتها لمنع أي تقدّم في المفاوضات.
أمّا نفتالي بينيت، وزير الإقتصاد، فهو يميني حتّى النخاع. لقد دخل في تحالف أخرق وغير مناسب مع لبيد للانضمام للحكومة، ولكنه سرعان ما نأى نفسه بسرعة من هذا التحالف. كان يتفق إلى حدّ بعيد مع ليبرمان ولكنه كان يعتبر نتنياهو خجولا جدّا في التعامل مع مشكلة الفلسطينيين.
لقد دافع بينيت بقوّة لضم المنطقة (ج) التي تشكّل 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربيّة، وهو مؤيّد قويّ لسياسة المستوطنات، غير أنّ ليس لديه أية فكرة أين ستكون إسرائيل في غضون العشرة أو الخمسة عشر عاما القادمة، كما لو أنّ تركيزه على المستوطنات سيشفي إسرائيل من جميع سقامها.
لقد كان هذا الخلل الوظيفي ظاهرا في حكومة نتنياهو منذ البداية. كان يعلم ذلك كلّ عضو قيادي في الحكومة، بما في ذلك نتنياهو نفسه. ولكن تولّيه للمرة الرابعة المتتالية منصب رئيس الوزراء، هذا كان على أية حال الشيء الأساسي والمركزي بالنسبة لنتنياهو لكي يحضّر الأرضيّة السياسيّة لتشكيل حكومة جديدة تعمل بموجب إملاءاته.
وبالرغم من ذلك، فقد انضمّ الوزراء الأربعة القياديون للحكومة لترسيخ مراكزهم السياسيّة في الوقت الذي يأملون فيه -ضدّ الأمل- أن يؤثروا على السياسة من الداخل بدلا من الجلوس مكتوفي الأيدي في المعارضة.
لقد بانت مساعي نتنياهو السطحيّة للإبقاء على الحكومة عندما طالب جميع وزرائه بوضع نهاية لانتقاد سياساته، ومنها المخصصات الإضافية للإسكان والدّفاع واستئناف العملية السلميّة فقط بشروطه ودعم مشروع قانونه الأكثر إثارة ً للجدل لتعريف إسرائيل بأنها الدولة القوميّة للشعب اليهودي.
لقد قرّر نتنياهو حلّ الحكومة والبرلمان وهو على ثقة بأنه لا يوجد زعيم آخر يستطيع أن يملأ فراغه وبأن جمهور الناخبين سيلتجىء إليه مرّة أخرى لإنقاذ إسرائيل من هذه الزمرة الراغبة في أن تكون قادة سياسيين والذين يسعون لاستبداله.
ولكن في التحليل النهائي، على أية حال، شعب إسرائيل فقط هو القادر على إحالة نتنياهو للتقاعد الدائم. ولا يسعنا إلاّ أن نأمل فقط بأن يحظى نتنياهو وعصابته، من كانوا يجرون إسرائيل بشكل منهجي نحو ثقب أسود، بهزيمة نكراء.
لقد انتهت حقبة حكم نتنياهو إلى الأبد. وتعرض الانتخابات الجديدة على الإسرائيليين فرصة تاريخيّة لانتخاب قادة جدد شجعان وبرؤية بعيدة يلزمون ويكرسون أنفسهم أوّلا وقبل كلّ شيء بالسعي وراء السلام مع الفلسطينيين والحفاظ على مبادىء إسرائيل الديمقراطيّة.
هذا ما يستند إليه أمن إسرائيل القومي وازدهارها في المستقبل.