افتتحت جمعية الشعلة للتربية والثقافة مساء الاثنين 8 شتنبر 2025 بمركز العالية بمدينة المحمدية الجامعة الوطنية للشباب، المنظمة تحت شعار "من أجل شباب مؤمن بقيم المواطنة والتطوع"، بشراكة مع وزارة الشباب والجامعة الوطنية للتخييم. وتشكل هذه الجامعة الوطنية موعدا سنويا للحوار والتفكير الجماعي والتكوين وتبادل الخبرات، وفرصة لإطلاق نقاش وطني واسع حول قضايا الشباب المغربي، بما يعكس إصرار جمعية الشعلة على جعل الشباب في قلب رهانات التنمية ومستقبل الوطن.
وقد تميز حفل الافتتاح بكلمة ألقاها الأستاذ سعيد العزوزي رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة، تناول خلالها موضوع الشباب المغربي بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل. وأكد في مستهل كلمته أن الشباب يشكلون الثروة الحقيقية للأمة ورأسمالها البشري الذي لا ينضب، وأن المغرب وهو يواصل مساره التنموي الطموح، لن يحقق أهدافه الكبرى إلا بقدر ما يمنحه لشبابه من فرص للمشاركة وآمال في المستقبل وإمكانات الاندماج المجتمعي ، وبقدر ما يعي هؤلاء الشباب مكانتهم وأدوارهم الجوهرية كقوة فاعلة ومبدعة في المجتمع.
وأشار إلى أن التحديات التي يواجهها الشباب المغربي، سواء تعلق الأمر بالتعليم والبطالة أو ضعف المشاركة أو محدودية الفرص الثقافية والإبداعية، ليست عوائق نهائية بقدر ما يمكن أن تتحول إلى محفزات لإطلاق طاقات جديدة، إذا ما اقترنت بإرادة سياسية واضحة واستراتيجيات قطاعية مندمجة تستثمر في القدرات الشابة.
فالمطلوب اليوم، حسب رئيس الجمعية، هو وعي مزدوج: وعي الشباب بقدراتهم وإمكاناتهم، ووعي القطاعات والمؤسسات بأن الرهان على الشباب هو رهان على مستقبل الوطن برمته.
ولم يفت المتدخل التذكير بما حققه المغرب خلال العقود الأخيرة من تحولات ملموسة في مجالات البنيات التحتية والتنمية الاقتصادية، غير أنه شدد على أن هذه المكتسبات ينبغي أن تنعكس بشكل متوازن على جميع الجهات والفئات، حتى يشعر الشباب في كل مكان بأنهم معنيون بشكل مباشر بثمار التنمية.
فالتفاوتات المجالية والاجتماعية ما تزال تمثل تحديا كبيرا، وعائقا جوهريا في تحقيق التنمية الشاملة. لكنها في الآن ذاته فرصة لإطلاق مبادرات خلاقة تجعل من العدالة المجالية مدخلا أساسيا لتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان مشاركة الشباب في بناء المستقبل . واعتبر أن أزمة البطالة، رغم حدتها، ليست مجرد مشكل اقتصادي، بل هي قضية بنيوية ترتبط بمنظومة التعليم وملاءمتها مع سوق الشغل، وبغياب رؤية شمولية قادرة على إدماج الشباب في الاقتصاد الوطني. وهنا دعا إلى الاستثمار في التعليم باعتباره المدخل الأساس لإطلاق الطاقات، من خلال إصلاح جذري يقوم على الجودة والعدالة وتكافؤ الفرص، إلى جانب مراجعة السياسات الاقتصادية بما يضمن إحداث مناصب شغل لائقة، والحد من النزيف البشري الناتج عن الهجرة.
وفي سياق متصل، أبرز رئيس الجمعية أن الثقافة الشبابية المتنوعة، التي تتجلى في أشكال متعددة من الإبداع الفني والرياضي والتكنولوجي، تحتاج إلى فضاءات حقيقية للاحتضان والدعم، بعيدا عن المقاربات الظرفية أو الشعاراتية لأن الشباب المغربي أثبت قدراته في المحافل الوطنية والدولية، وما ينقصه فقط هو التأطير المستمر والدعم المؤسساتي. ومن هنا تتجدد مسؤولية المجتمع المدني، وعلى رأسه جمعية الشعلة، في توفير منصات للإبداع والنقاش والمشاركة الفاعلة.
وذكّر أن الثورة الرقمية وما تتيحه من إمكانات واسعة للتواصل والمعرفة والانفتاح، تجعل الشباب أكثر حضورا في المشهد العالمي، لكنها تفرض أيضا تحديات جديدة من قبيل مواجهة التطرف والعزوف والهجرة النظامية و غير النظامية ومن ثمة، فإن المطلوب هو بناء مشروع مجتمعي واضح المعالم، يجعل الشباب في صلب السياسات التنموية، ويعيد الثقة بينهم وبين المؤسسات عبر منحهم أدوارا قيادية حقيقية، بدل الاكتفاء بحصرهم في موقع المتلقي.
وبعد خمسين سنة من العطاء المتواصل، تواصل جمعية الشعلة للتربية والثقافة ترسيخ حضورها كمدرسة رائدة في تكوين وتأطير الأجيال، قائمة على قيم الحوار والانفتاح والمواطنة والتطوع والإبداع. وقد نجحت عبر برامجها الممتدة على الصعيد الوطني في تكوين أجيال متعاقبة من الشباب الذين ساهموا في النقاش العمومي وأثبتوا أن الرهان على هذه الفئة هو دائما الرهان الأنجح.
وختم رئيس الجمعية كلمته بالتأكيد على أن مستقبل المغرب سيكون أكثر إشراقا بقدر ما يعي شبابه أنهم ليسوا على هامش التحولات. وكلما أدرك الشباب قيمة أدوارهم الحيوية، وتضافرت جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص للاستثمار في طاقاتهم، كلما تقدم الوطن بخطى واثقة نحو غد أفضل. ومن هنا فإن رهان الشعلة يظل ثابتا: الإيمان بالشباب، وتمكينهم من الثقة في أنفسهم، والانخراط الإيجابي معهم في بناء مشروع مجتمعي ديمقراطي وحداثي، يجعل من الشباب قوة دافعة للتغيير، وركيزة أساسية في المسار التنموي المغربي.