Monday 4 August 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: لماذا يخشى الجزائريون عودة السلام والأمان إلى علاقاتهم مع المغاربة؟! 

 
محمد عزيز الوكيلي: لماذا يخشى الجزائريون عودة السلام والأمان إلى علاقاتهم مع المغاربة؟!  محمد عزيز الوكيلي
صدق من قال "إن الجزائر لا تخشى شيئا بقدر خَشْيَتِها من عودة علاقات الأخوة وحسن الجوار بينها وبين جارها الغربي"!!
 
 ليس هذا القول الفصيح والصريح حُكماً قيمياً، ولا استنتاجاً يخص قائلَه دون غيره، بل تعريةً لواقع يرقى إلى درجة الحقيقة الخالصة، وإلى اليقين، لأن جيراننا في ذاك "البلد غير الأمين" و"غير المأمون"، يعتريهم خوف رهيب من أن تؤدّي عودة الدفء لعلاقتنا بهم إلى فتح الحدود فيما بيننا، والعودة بها إلى ما قبل 1994، وهو التاريخ الذي أغلقت الجزائر فيه حدودها البرية معنا من طرف واحد، قبل أن تُتبِع ذلك بإغلاق حدودها الدبلوماسية، ثم الجوية والبحرية، وحتى الفكرية إزاء كل ما هو مغربي، ماعدا بعض الأشياء المغربية الجميلة والأصيلة التي عنّ لذلك الجار أن يسرقها من تراثنا، كما سبق لماماه فرنسا أن جعلته يفرح بسرقة آلاف مؤلفة من الكيلومترات المربعة من صحرائنا الشرقية، ومعها جانب غير هين من ترابنا الوطني المحاذي لمدينة السعيدية، كما يتبين ذلك من خريطة فرنسية عسكرية، رسمية، ترجع إلى ما سبق التوقيع على "معاهدة للامغنية"، التي عاصرت أولى السرقات الفرنسية من التراب المغربي قبل أن تكون الجزائرُ جزائرَ بصيغتها الحالية، وتحديدا إلى سنة 1845!!
 
 مصيبة الجزائريين العظمى، في حالة فتح حدودهم معنا، أن ذلك سيؤدي إلى نزوح أعداد غفيرة منهم إلى ترابنا الوطني، وليس العكس بتاتاً، والخوف كل الخوف لديهم، إن حدث ذلك، أن يطّلع هؤلاء النازحون على مظاهر الحياة تحت سماء المغرب، ويكتشفوا بالملموس وبالمعاينة والمشاهدة مدى الكذب البَواح، والفاضح، الذي ظل نظامهم يمارسه عليهم وهم في غفلة مما حولهم، وهو يصور لهم المغرب كقرية كبيرة فقيرة وجائعة وعطشانة، يمارس أهلها عادات وتقاليد القبائل البائدة، بلا كهرباء، ولا بنيات أساسية (المترجَمة خطأً بالبنية التحتية)، ولا فنادق مصنفة، ولا ملاعب رياضية راقية، ولا ماء شروب يكفي أهاليها، ولا مواد غذائية أساسية... ويكتشف هؤلاء المساكين أن المغرب الحقيقي شيّد وأقام بنيات أساسية عالمية، ولذلك وقع الاختيار عليه ليحتضن نهائيات كأس إفريقيا للأمم ووالنصيب الأكبر من نهائيات كأس العالم للكرة المستديرة، وأنه بفنادقه وملاعبه واستثماراته الوطنية والأجنبية، وبصناعاته الثقيلة، ونظيرتها الدقيقة، قد هرب على وطنهم، إلى الأمام بطبيعة الحال وبالبداهة، بسنوات ضوئية!!
 
وأن يكتشفوا، بمجرد وَطْءِ أقدامهم لترابنا الغالي، أن آلاف الملايير من الدولارات التي نهبها قادة نظامهم العسكري الفاسد، ورئيسهم الدمية، وأبناؤهم السماسرة، ومع كل هؤلاء ذلك المغربي الداهية، شمكار الرحامنة، "إبراهيم الرخيص" وعشرات اللصوص المحيطين به... أن كل تلك الأموال، وكل ما أنفقوه من تلك الثروات المنهوبة على فاقدي الذمة من طراطير الأنظمة الإفريقية والأمريكولاتينية المتردية، كل ذلك، لم يستطع تمكينهم من حلمهم الفاشل بتقسيم التراب المغربي، والمرور منه إلى الأطلسي، وبتطويق جارهم الغربي شرقاً وجنوبا وفصله عن رَحِمِه الإفريقي!!
 
 سيكتشفون أن يقال لهم بواسطة مراحيضهم الإعلامية ووزاراتهم ووسائل دعايتهم، كله كذب في كذب، وأن المغرب بلا غاز، ولا نفط، وبلا مساحة دولة قارة، وبلا ادعاء امتلاك قوى ضاربة... استطاع أن يفضح أكاذيب نظامهم، وأن يُظهِرَهُ للعالم على حقيقته عارياً بلا حتى ما يستر عورته وسَوْأته!!
 
وبطبيعة الحال والمنطق والبداهة، سيكتشف الجزائريون وهم يزورون المغرب بمجرد فتح الحدود معه بأنهم كانوا أغبياء، وبلداء، ومنوَّمين، ومستغفَلين، وأنهم كانوا مستحمَرين، وأن عليهم بالتالي أن يعودوا أدراجهم من حيث أتوا، وأن ينخرطوا في حراك ليس ككل الحراكات السابقة... حراك بِطَعم العصيان المدني، الذي يعتصم الشعب فيه بالشوارع والساحات العامة ولا يبرحها أبدا إلا بزوال النظام، أو بقيام حرب أهلية لا تُبقي ولا تذر...
 
هذا هو الذي يجعل الجزائريين، بالجملة، يخشون عودة العلاقات بينهم بلادنا المستقرة الآمنة، مهما كان الثمن، ومهما زادت معاناتهم من التدجين والتجويع والتقتيل... ولذلك يؤبّدون رضاهم بالطوابير، وبالخصاص الفظيع والمزمن في المواد الغذائية الأساسية، ويُطبّعون ليلَ نهارَ مع دينارٍ لم يعد يكفي لشراء أصبع لادن، أو مسكة، أو "شوينغوم"، بالتعبير الأمريكي، السائد لدى شعب مغربي رخام كل شوارعه مليء بلصقات الشوينغوم، في حين أن المواطن الجزائري يُحكى، والعُهدة على الراوي، أن الرجل منه يختطف القطعة من هذا المنتوج الكمالي (الشوينغوم) من فم صاحبه ثم يفر بعيدا عنه ليُعيد مضغها بكل شغفٍ وشَرَه... عجبي!!!
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.