في إطار الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المرتبطة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، جاء في خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 26 لاعتلائه العرش:
"ونحن على بعد سنة تقريباً من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية.
وفي هذا الإطار، أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين."
لا ينبغي المرور مرور الكرام على مقتطف الخطاب الملكي، لما يحمله من دلالات سياسية واجتماعية وتاريخية ترتبط بأدوار المؤسسة الملكية التي ظلت ملتزمة بدور الحكم بين الفرقاء السياسيين. فلطالما ردد الراحل الملك الحسن الثاني أن ملك المغرب هو أب الجميع، وأنه لا يمكنه محاباة حزب على حساب حزب آخر، وهو نفس النهج الذي سار عليه خلفه الملك محمد السادس.
ظلت وزارة الداخلية محط جدل سياسي ونقاش علمي بين اعتبارها من جهة وزارة عادية كسائر الوزارات تسند مهام إدارتها للأحزاب السياسية، إذ تجسد هذا التصور مثلاً من خلال إسنادها لحزب الحركة الشعبية في شخص محند العنصر الأمين العام للحزب سنة 2012، أو اعتبارها قطاعاً سيادياً لا يمكن تسييسه، وجسدت مرحلة المفاوضات بشأن تشكيل حكومة التناوب التوافقي بعد الانتخابات التشريعية لسنة 1997 أبرز تجليات ذلك. بل أطلق على هذه الوزارة في عهد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري لقب "الحزب السري" من طرف حزب الاستقلال.
بين الأمس واليوم، لا يسع الباحث في مجال علم السياسة الراغب في الكشف عن خبايا إسناد مهام تنظيم الانتخابات التشريعية لوزارة الداخلية إلا أن يعيد طرح السؤال التالي:
لماذا وزارة الداخلية وليس رئاسة الحكومة؟
قد نكتفي بجواب أولي يستند إلى حجة دامغة مرتبطة بأن عبارة "مختلف الفاعلين" لا يمكن أن تستثني فاعلاً حزبياً آخر يرأس الحكومة بلون سياسي معين.
نعتقد أن القراءة الدستورية التي تشير إلى رئاسة الحكومة بمقتضى الفصل 47 من دستور 2011، تظل مقيدة بنفس مقتضيات هذا الفصل التي تخول للملك "بمبادرة منه وبعد استشارة رئيس الحكومة أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم".
إن استشارة رئيس الحكومة غير ملزمة للملك.
إن استشارة رئيس الحكومة غير ملزمة للملك.
واستخدام عبارة "حكومة أخنوش" في الخطاب العام يتعارض مع مقتضيات الدستور وكذلك مع الأسس التاريخية والدينية المؤطرة لاختصاصات ملك المغرب السلطان وأمير المؤمنين التي تجعل سلطته تعلو فوق باقي السلط، وتلزمنا بعبارة: "حكومة صاحب الجلالة". فإذا كان بالإمكان استساغة الفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية فإن هذا الفصل غير موجود على مستوى المؤسسة الملكية.
كما أن إمارة المؤمنين التي كانت محددة سابقاً بمقتضى الفصل 19 من دساتير 1962-1970-1972-1992-1996 وبمقتضى الفصل 41 من دستور 2011، تؤسس لمبدأ تقييد السلطة الدينية للدستور والقوانين والقرارات.
لقد شكلت الانتخابات التشريعية على مر تاريخ النظام السياسي المغربي مرحلة مفصلية في مختلف تجلياتها الدستورية والسياسية والاجتماعية والتاريخية. وفي كل مرحلة تظهر المؤسسة الملكية بمظهر صمام الأمان لإجرائها وفق شروط الحياد والشفافية والنزاهة تحقيقاً لهدف الديمقراطية.
وبالتالي فإن إسنادها لوزارة الداخلية غير المسيسة يبقى قراراً حكيماً ومكرساً لعمليات الحياد.
عبد اللطيف مستكفي
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق - الدار البيضاء
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق - الدار البيضاء
.png)
