الصحراء المغربية كانت ولا تزال من القضايا الأكثر تعقيدًا في المشهد المغاربي والإفريقي، نظرًا لتداخل عوامل التاريخ، والسياسة، والمصالح الدولية. ورغم أن الزمن مرّ وتغيرت موازين القوى، بقيت بعض الأطروحات تُعاد وتُستنسخ في شكل تحليلات أو تسريبات عن وجود مفاوضات محتملة بين المغرب وجبهة البوليساريو، أحيانًا برعاية أمريكية وأحيانًا أخرى في ظل مبادرات غامضة تنسب إلى جهات لم تعلن عن نفسها بوضوح. من بين هذه الروايات المتكررة، تبرز بين الحين والآخر فرضية "اقتسام الصحراء" كحل وسط يُروَّج له كخيار واقعي يرضي الطرفين ويُنهي الصراع. لكن واقع الحال، حتى تاريخ اليوم، 31 يوليوز 2025، يُكذب كل هذه المزاعم، إذ لم يظهر في الأفق أي إعلان رسمي أو شبه رسمي عن مفاوضات قائمة أو مرتقبة تتبنى هذا الطرح، لا من قبل المغرب، ولا من قبل جبهة البوليساريو، ولا حتى من القوى الدولية المؤثرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
إن كل ما قيل عن "حلول توافقية" أو "اتفاقات تحفظ ماء الوجه" يبقى في دائرة الخطاب الدبلوماسي الإنشائي الذي اعتادت عليه بيانات الأطراف الدولية، لا سيما تلك التي تسعى إلى لعب دور الوسيط دون أن تخسر علاقتها بأي من الطرفين. مثل هذه اللغة، رغم ما يبدو فيها من حكمة وحياد، تخفي في العمق عجزًا عن مواجهة الواقع، كما تعكس ميلًا نحو الحفاظ على الوضع القائم لا تغييره. أما الولايات المتحدة، التي لطالما حُملت بانتظارات كبرى في هذا الملف، فإنها تلتزم –حتى اليوم– بدعم حل سياسي متفاوض عليه تحت إشراف الأمم المتحدة، دون أن تُقدِم على أية مبادرة عملية تقود إلى اقتسام السيادة أو تفكيك الأرض. موقفها، كما صرّحت به إدارات متعاقبة، لا يخرج عن الإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي بوصفه حلاً جديًا وذا مصداقية.
الحديث عن "الاقتسام" إذًا لا يعدو كونه استثمارًا سياسويًا في منطقة رمادية لا تأخذ بعين الاعتبار الحقائق التاريخية، ولا الوضع القائم ميدانيًا، ولا تحولات الموقف الدولي الذي بات أكثر تقبلًا لواقعية المبادرة المغربية. بل يمكن القول إن الترويج لمثل هذا الطرح لا يخرج عن إطار المناورات التي تسعى إلى التشويش على المسار السياسي وتغذية أوهام الانفصال بمقولات ظاهرها الاعتدال وباطنها التفكيك والتقسيم. وفي خضم هذه الضبابية المفتعلة، يظل المغرب واضحًا في خطابه، متماسكًا في طرحه، حريصًا على وحدة ترابه الوطني، منفتحًا في الآن ذاته على الحوار، شريطة أن يُبنى على مرجعيات واقعية لا على مقاربات فاشلة مجرّبة منذ عقود دون جدوى.
إن مَن يراهن على تغيّر موقف المغرب أو انخراطه في مشاريع "توافقية" هشة، يخطئ فهم التحول الاستراتيجي الذي عرفه تعامله مع ملف الصحراء. فالمغرب اليوم لم يعد يرضى بلعب دور الطرف الذي ينتظر الحل، بل أصبح يفرض رؤيته في إطار شراكات دولية واضحة، ويطوّر أقاليمه الجنوبية على مستوى البنيات التحتية والتنمية، ما يجعل أي حديث عن اقتسام الأرض أو التراجع عن سيادته عليها غير ذي معنى. بل أكثر من ذلك، فإن المنطق النقدي يقتضي مساءلة الجهات التي لا تزال تتشبث بخيارات متجاوزة، عوض التفكير في مداخل واقعية تحفظ حقوق ساكنة الصحراء وتنهي النزاع ضمن حل يراعي السيادة ويعزز الاستقرار الإقليمي.
ختامًا، لا يمكن لعقل نقدي أن يقبل بإعادة إنتاج أطروحات مضلّلة تروّج لفكرة "الاقتسام" كحل توافقي، لأن التوافق الحقيقي لا يقوم على تفكيك الكيانات الوطنية، بل على بناء جسور من الثقة في إطار الوحدة. وأي مقاربة خارج هذا المنطق لن تفرز سوى مزيد من الدوران في حلقة مفرغة عنوانها: تأجيل الحل وتكريس الأزمة.
.png)
