الأحد 21 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

جواد مامون: جدل تغيير نظام الدورة.. آثار تحويل كأس إفريقيا من دورة ثنائية إلى رباعية

جواد مامون: جدل تغيير نظام الدورة.. آثار تحويل كأس إفريقيا من دورة ثنائية إلى رباعية جواد مامون
كأس الأمم الإفريقية ليست مجرد بطولة كروية، بل هي احتفالية إفريقية تضيء قلوب الملايين كل عامين، وتذكر العالم بأن إفريقيا قلب ينبض بالشغف والموهبة. لكن قرار تحويلها إلى بطولة كل أربع سنوات يشبه محاولة إخماد هذا النبض بحجة "المواءمة العالمية" و"تحسين الجودة". هذا القرار، الذي يبدو تقنيا وبراغماتيا على السطح، يحمل في طياته تجاهلا عميقا لروح الكرة الإفريقية ودورها الحيوي في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للقارة.
إن محاولة محاكاة النموذج الأوروبي هنا هي إساءة فهم فادحة. أوروبا تنظم بطولاتها وفق إيقاع وتاريخ مختلفين، بينما كأس إفريقيا نبتت من تربة اجتماعية وثقافية فريدة. البطولة كل عامين ليست مجرد تقويم رياضي، بل هي موعد ثابت للقاء والتلاقي، لحظة يعيد فيها الإفريقي اكتشاف وحدته عبر لغات متنوعة تجمعها لغة الكرة. زيادة الفجوة إلى أربع سنوات ستضعف هذا الإحساس بالاستمرارية والانتماء، وستحوّل البطولة من مناسبة حية متجددة إلى حدث بعيد قد ينسحب من الذاكرة الجماعية.
الأثر الأكبر سيكون على المواهب الشابة وعلى مستقبل الكرة الإفريقية. البطولة كل عامين تقدم منصة سريعة ومتكررة للاعبين الشباب لإثبات وجودهم على الساحة القارية والعالمية. إنها آلية تسريع لا تقدر بثمن في عالم كرة القدم التنافسي. عندما تطول الدورة إلى أربع سنوات، فإننا حتما نحرم جيلاً كاملا من اللاعبين من فرصة ذهبية، ونبطئ من وتيرة تطور الكرة في القارة. كما أن الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية؛ فالبطولة تشكل دورة حيوية للسياحة والاستثمار والبنى التحتية في الدول المضيفة. تقليل وتيرة هذا الحدث يعني حرمان دول إفريقية متعاقبة من فرصة تنشيط اقتصاداتها وتحسين صورتها الدولية.
ما يُقدم كحلول عملية لهذه "المشكلة" المزعومة غالبا ما يكون قاصرا. نعم، هناك تحديات لوجستية ومالية في الاستضافة، ولكن تقليل الفرص ليس حلا بل استسلاما. البديل هو التفكير الإبداعي: نظام الاستضافة المشترك الذي يوزّع العبء ويعمق التعاون بين الدول، أو إنشاء صندوق دعم أفريقي مشترك لتطوير البنى التحتية برعاية الاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليين. المطلوب هو تعزيز القدرات، وليس تقليل الطموحات. كما أن قيمة البطولة لا تقاس فقط بحجم عقود البث التلفزيوني، بل بقدرتها على خلق الأمل وبناء الجسور بين الشعوب.
في النهاية، فإن كأس الأمم الإفريقية هي أكثر من مجرد منافسة على ألقاب. إنها قصة إفريقيا نفسها: قصة مرونة وحيوية وإرادة لا تنكسر. تحويلها إلى حدث رباعي السنوات هو انتزاع لجزء من روح هذه القصة. القرار الصحيح ليس في إبطاء إيقافنا، بل في دعم هذا الإيقاع ليكون أقوى وأكثر تنظيما. يجب أن تبقى الكرة الإفريقية تلهم أبناءها كل عامين، لأن إفريقيا تستحق أن تحتفل بقوتها ووحدتها بشكل متكرر، وليس بين فترات انتظار طويلة تهدّد بتلاشي وهجها.
د. جواد مامون ، باحث في المجال الرياضي