في بلدٍ لا تُقاس فيه الأمور بالمتر أو الكيلوغرام بل بالمزاج الوزاري اللحظي، نجح وزير التربية الوطنية الجزائري، محمد الصغير السعداوي، في إثارة ضجة وطنية -لا بحسن تدبيره، بل بإتقانه فنّ توزيع التجاهل حسب الجهة الجغرافية. الوزير الذي ربما نسي أن تيزي وزو لا تقع في ضواحي طوكيو، بل في قلب الجزائر، قرر أن ينفي عنها شرف الصدارة في امتحانات التعليم المتوسط، مُفضلاً منح "الرمزية" لمدرسة جزائرية... في باريس!
نعم، باريس. لأن لا شيء يُجسّد فخر "المدرسة الوطنية" مثل مؤسسة في الخارج، وفي العاصمة السابقة للاستعمار تحديدًا. خطوة ذكية جدًا في بلد لا يزال عالقًا بين تمجيد نوفمبر ومناهضة مارس، وبين تعظيم الهوية الوطنية وتحقير كل ما هو أمازيغي.
ولم يتوقف الإبداع الوزاري عند هذا الحد. ففي امتحان البكالوريا، حيث الأرقام تتكلم بلغة الرياضيات لا السياسة، سجلت تيزي وزو 62.83% من نسب النجاح، متفوقة بوضوح على غليزان التي سجلت 62.09%. لكن الوزير، وفي لحظة شعرية غير قابلة للمنطق، قرر أن "يقسم" المرتبة الأولى بين الولايتين. فربما يعتقد أن الرياضيات في الجزائر تخضع للتفاوض، أو أن الأرقام تُصنّع في وزارة المجاهدين لا في مراكز التصحيح.
أما بجاية، المدينة التي احتلت المرتبة الثالثة بنسبة محترمة، فقد قرر معاليه أن يمر عليها مرور الكرام، وكأنها ضيعة في نواكشوط لا ولاية جزائرية ذات ثقل أكاديمي وتاريخ نضالي مشهود.
وعلى مواقع التواصل - التي باتت المتنفس الوحيد في جمهورية "الصمت البليغ" - انهالت التعليقات الغاضبة، بعضها دعا إلى إقالة الوزير فورًا، وآخرون اكتفوا بوصفه "عارًا وطنيًا"، في بلدٍ تعوّد على تقليب العار تحت أسماء رنانة مثل السيادة والوحدة الوطنية.
وطرحت مجلة "جون أفريك" سؤالاً بريئًا في ظاهره، غاضبًا في باطنه: هل هذه الزلّات صادرة عن جهل سياسي أم عن نزعة جهوية مموهة؟ خصوصًا أن الوزير ينتمي للتيار "النوفمبري الباديسي" الذي، رغم تسميته اللامعة، يبدو وكأنه يعاني حساسية مفرطة تجاه أي شيء يشبه التنوع.
ولنكن صرحاء، المشكلة ليست في ترتيب الولايات، بل في الرسالة الضمنية التي ترسلها السلطة: إذا كنت من منطقة القبائل، فافخر بصمت، لأن الاعتراف العلني قد يخلّ بالتوازن الوطني الهشّ المصنوع من وهم ووحدة زائفة.
وفيما تبقى تداعيات هذا الحرج الوزاري غير واضحة على مستقبل "معاليه"، فإن ما هو مؤكد أن ثقة سكان منطقة القبائل في مؤسسة الدولة التعليمية قد تم تصحيحها بنسبة... صفر بالمائة. ومهما حاولت السلطات ترقيع هذا الشرخ، فالأرجح أنها ستفعل كما اعتادت: بالصمت، أو بحملة دعائية في التلفزيون العمومي عنوانها: "الوحدة في التنكر".